رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. عيدة المطلق قناة 20 يوليو، 2011 0 تعليق

الثورات العربية.. وإشكالية المواقف النخبوية

 

الأوضاع العربية تكاد تكون متشابهة لا تطبق أحكام الشريعة الإسلامية الغراء، وجل العرب يعانون بطالة  قياسية، فقراً يزداد اتساعاً وعمقاً.. وتآكلاً للطبقة الوسطى، وتدهوراً للقدرة الشرائية.. واقتصادات ينخرها الفساد وتثقلها المديونيات العالية..وجلهم يرزحون تحت أنظمة استبدادية بوليسية..  لا تحترم الإرادة الشعبية ولا تؤمن بتداول السلطة.. وجل العرب يعانون عدم استقرار تشريعي.. فضلاً  عن  تغييب دولة القانون والمؤسسات.. فالانتخابات مزورة  والدساتير عرضة للتلاعب والتغيير وفق المصالح والأهواء!! والزج بالناس في السجون من غير تهم أو محاكمات، والاستيلاء على المال العام، ولا خدمات من الناحية التعليمية والصحية والإسكانية، ولا مياه صالحة للشرب متوفرة، ولا تشجيع للإنتاج المحلي، ولا كرامة إنسانية ولا رعاية للأمومة ولا للطفولة ولا للمعاقين.

      لقد سامت بعض الأنظمة شعوب أمتنا سوء العذاب؛ حتى باتت تمتلك خبرات تراكمية في القمع المنهجي المتكامل الذي ربما يبدأ بالغاز المسيل للدموع.. ليتحول وبسرعة قياسية إلى الرصاص الحي وإلى أشكال غير مسبوقة من العنف الدموي قتلاً وذبحاً وتنكيلا حتى الموت وتشويهاً للأجساد، وصولاً إلى الرقص والعربدة فوقها؛ إذ لا مانع لدى هذه الأنظمة  من حملات تطهيرية استئصالية متلاحقة.. تشيب الولدان أمام النزر القليل الذي رشح من حيثياتها.. حتى لو اقتضى الأمر تدمير المدن واستباحة حتى مساجدها وكنائسها ومواقعها الأثرية.. فمن لا يقف مع الثورة هو بالضرورة في صفوف أعدائها.. !!

      لقد حولت هذه الأنظمة جيوشنا الوطنية إلى قوات احتلال تغزو وتجتاح المدن وتنكل بمواطنيها.. وتبدل أمنهم خوفاً.. واستقرارهم تشرداً ولجوءا وبيوتهم الآمنة المستقرة إلى مخيمات تعصف بها الرياح؛ جيوش جعلت خيارات الشعوب محددة بين مقابر جماعية ومخيمات النزوح في الجبال والصحارى و أصبح إعلامها بوقا لجميع أنواع الكذب والدجل ومحل اشمئزاز وقهر!!

فلا غرابة والحال هذه– بعد أن وصل الاستبداد مداه - أن ترتفع حرارة الشارع العربي حتى درجة الغليان.

      ولكن هذه الأنظمة بعد أن تجرف الجثث والدماء شرعيتها..  تحاول بكل ما بوسعها من أدوات وأوهام القوة.. بأن تتجمل وترمم صورتها بالدعوة لحوارات وهمية.. إذ تحدد السلطة شروط هذه الحوارات  وجداول أعمالها ووثائقها وشخوصها والناطقين باسمها وأدواتها الإعلامية؛ فهي تدعو للحوار في الوقت الذي تتواصل فيه عملياتها القمعية وتقوم أجهزتها الأمنية والعسكرية بغزو المدن وحصارها وتستقدم من دول أخرى مجرمين وإرهابيين عسكريين وقناصة لقمع المسالمين المناهضين للحكم وتستقبل أسلحة من دول عدة فضلاً عن أدوات التعذيب لوقف الانتفاضة الشعبية وتنفيذ حملات مكثفة من الاعتقال والقنص والقتل والتنكيل!!

      ولا ندري كيف يستوي الحوار مع أنظمة تقتل وتغتصب وتنكل بالجثث؟؟ وكيف يمكن للشارع أن يثق بمخرجات، «حوار» كهذا يدار تحت أسنة الحراب وجنازير الدبابات وعربدة (الشبيحة) و(البلطجية)...؟!

      أمام هذه المشهد الحافل بالتناقضات..بات من الطبيعي أن تفقد أدوات السلطة القمعية فعاليتها وأن تفشل في إعادة عقارب الزمن إلى الوراء وإعادة المارد إلى قمقمه ثانية.. فالأنظمة لم تعد  قادرة على السيطرة وضبط إيقاع الشارع!!

      ورغم كل ما في هذا المشهد من إشكاليات وحيثيات قاسية.. إلا أن الإشكالية - التي تبدو عصية على الفهم - تكمن في ردود الأفعال والمواقف المتضاربة التي تصدر عن بعض النخب..!!

بعض هذه النخب أخذت تدافع عن الأنظمة وتشرعن ممارساتها وتروج لمزاعمها وترهاتها.. وتتبنى روايتها لاسيما في اتهام الإعلام والفضائيات بأنها «تأتينا بأنصاف الحقائق»  وتفبرك الروايات، لأن هدفها إسقاط «الأنظمة الثورية الممانعة»   تلبية للرغبة الأمريكية.!!

      وبعضها أخذ يتهم الثورات العربية – ولاسيما الثورة السورية – بأنها مفتعلة، يقودها «الزعران والحشاشون».. !!

      وبعضها تكرم بالاعتراف بجزء من الحقيقة – بأن هناك متظاهرين «سوريين»  خرجوا مطالبين  بـ»حقوق مشروعة ومحقة «..  ولكن هذه النخب تجزم بأن «أياد خفية» تسللت بينهم.. لإثارة الفوضى وإسقاط الدور القومي لـ»سوريا»..

 هذه النخب على تعددها – لم تقدم لنا تفسيراً لتصريحات أحد بعض رموز النظامين الليبي والسوري للصحف الأمريكية والبريطانية ومفادها أن «استقرار إسرائيل هو في استقرار هذه الأنظمة » !!

      ونتساءل: هل بلغ الاستزلام  إلى درجة أن تقوم هذه النخب بتجنيد نفسها للعبث بالذاكرة العامة والتشويش على مسار الوعي الشعبي وشن حرب نفسية  إطلاق موجات متواصلة من حملات التشكيك والتخوين؟!

      وللأسف فإن الجامعة العربية سكتت دهرا منذ بداية الاحتجاجات في سورية، ثم ذهب أمينها العام للرئيس السوري حتى يبلغه عن دعمه الكامل له ولشرعيته، ولا يعترف بالتصريحات الأميركية التي نصت على أن بشار الأسد فقد شرعيته!! فهل الجامعة تنصر المظلوم أم الظالم؟! هل هي لحماية القيادة الجائرة أم الشعوب المغلوبة على أمرها؟!

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك