رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عبدالله الشيعاني 5 يناير، 2015 0 تعليق

الثقافة والإعلام والدعوة في مواجهة الغزو الفكري

العالم الإسلامي بحاجة إلى كفايات لمواكبة التفاعل الإيجابي في وسائل الاتصال

الفقيه: ضعف المناعة لدى الشباب سببه التناقض بين المدارس الإسلامية

الشريف: إنشاء قنوات فضائية باللغات الأجنبية هدفها التعريف بقيمنا للشعوب الأخرى

عقبات: مؤسسات التكوين الإعلامي مطالبة بمواكبة التحولات التكنولوجية

حظي المؤتمر العالمي الثاني (العالم الإسلامي.. المشكلات والحلول) الذي عقدته الرابطة أخيرا بالعديد من البحوث المهمة في شتى المجالات، ومنها الإعلام  وأثره في تحقيق التضامن الإسلامي، ومن هذه البحوث: (التحدي الإعلامي والثقافي) للدكتور الصادق الفقيه، الأمين العام لمنتدى الفكر العربي في الأردن، وبحث: (الثقافة والإعلام في العالم  الإسلامي الواقع.. والتحديات) للدكتور سامي الشريف، عميد كلية الإعلام بالجامعة الحديثة للتكنولوجيا والمعلومات في مصر، وبحث (التضامن في مجال الدعوة والإعلام) للدكتور أحمد مطهر عقبات، مستشار جامعة صنعاء، عميد كلية الإعلام «سابقا» باليمن.

ومن خلال ما قدمه الباحثون نعرض في هذا الملف رؤيتهم في أهمية الثقافة والإعلام والدعوة في تحقيق التضامن والتحصين مما يواجه بالأمة الإسلامية من معضلات.

التحدي الإعلامي

     يؤكد  الدكتور الصادق الفقيه بأن العالم الإسلامي يواجه اليوم تحديات من الداخل والخارج، والمشكلات الحرجة هي ما يشهده من توترات أساسية في ربوعه، ونحن حتى إذا تجاهلنا المواقف والانتقادات الأكثر شيوعا في جميع أنحاء العالم، بِعدِّها مضللة أو معادية فيجب علينا مواجهة الخلافات المؤدية لهذه التوترات داخل العالم الإسلامي بالشجاعة والحكمة والجماعية المطلوبة.

     وبالمعنى الجغرافي البسيط، كيف يتسنى للمسلمين البدء في التعامل مع مراكز الإسلام المتغيرة، أو ما يمكن بحثه من خلال الاختلافات المذهبية، ونزعة الفرق والطوائف المتنامية لتأسيس مراكزها الدينية، أو معاقل نفوذها خاصة؟

     لقد مهد الغزو الإعلامي لتوطيد دعائم كثيرة من المفاهيم والأفكار والأنظمة في العالم الإسلامي، ويمكن القول ابتداء: إن الصحافة والإعلام أديا أدوارا في النكسات والهزائم المتتالية التي لحقت بمعظم الشعوب الإسلامية، وما زالت أجهزة الإعلام المتعددة توالي المخطط نفسه على شتى الجبهات.

     وإذا كانت الحضارة الغربية المعارصة لا تزال مسيطرة على الفعل العسكري والاقتصادي والسياسي، فإن الثقافات الكبرى الأخرى، مثل الثقافات الصينية والهندية والإفريقية، وكذلك العربية والإسلامية، مواجهة بمهمة صعبة هي إثبات قدرتها على الوجود والمشاركة في تقديم المعرفة في عالم يتعولم بسرعة فائقة، فالعلماء والفلاسفة والمتخصصون في كل من هذه الثقافات يتحملون مسؤولية تجاه الإنسانية، تتمثل في التفاعل الإيجابي والمشاركة البناءة في الفكر الإنساني، وفي بناء الحضارة الإنسانية، وما الثقافة هنا إلا حمالة معان مؤكدة لضرورات التكافؤ في  العلاقات الإنسانية.

     وهذا التفاعل الإيجابي يفرض الانفتاح تجاه التقدم المعاصر في وسائل الاتصال، كما يفرض هضم هذه المعارف وطرائق التعامل معها وبها، ثم في النهاية تقديم تصورات أصيلة جديدة تسهم في تقدم العلاقات الإنسانية وتطورها عن طريقها.

     والثقافة الإسلامية هي بكل تأكيد واحدة من الآليات الكبرى، وتتحمل بصفتها هذه المسؤولية عن المشاركة الفاعلة في الاتصال الإنساني المعاصر، من خلال هذه السمات الأساسية للمشاركة، والانتفاح، والاستيعاب، والإبداع، إن إحدى القنوات الأساسية، في عالم اليوم للتواصل ما بين الشعوب دون شك، هو فضاء المعلوماتية، وعلى الثقافة الإسلامية، من خلال هذا الواقع، تحقيق المتطلبات الضرورية للمشاركة الإيجابية في عالم اليوم.

أسباب الضعف

     ويرجع الفقيه حالة الضعف التي تعيشها المجتمعات الإسلامية والتخلف الحضاري والتراجع الثقافي إلى «الانبهار المتهافت بما أبدعته المدنية الغربية من مبتكرات علمية، وما حققته من منجزات تقنية هائلة، وما ترتب عليها من رفاهية اقتصادية، وتحسن في المستوى الصحي والمعاشي؛ الأمر الذي سهل للغزو الثقافي لمجتمعاتنا مهمة التشكيك في قدراتها الذاتية الكامنة على النهوض، وبناء حضارتها العصرية، وشجع النخب المحلية فيها على الجري وراء الغرب، وتقليده تقليدا أعمى، باستعارة نظم الحياة عندهم، واستنساخ نمط سلوكياتهم، حتى ولو لم تكن متوافقة مع خصوصيات تلك البلدان.

     وقد تسربت آثار الغزو الثقافي منذ آماد بعيدة، سبقت في بعض مظاهرها التجربة الاستعمارية التي مر بها العالم الإسلامي، وكان الاستشراق من بين أخطر أنواعها، بما كوَّنه من تحد واضح للمعرفة الإسلامية، بهدف قتل روح الأمة من خلال الإساءة إلى الإسلام، والتشكيك بقدسية نصوصه، ووصمه بالتخلف، فلا شك أن وسائل الغزو الثقافي في التربية والتعليم، من خلال إنشاء المدارس والجامعات الأجنبية في الوطن العربي والإسلامي، التي تعتمد التدريس باللغات الأجنبية، وإقصاء اللغة العربية من الاستخدام بقصد صياغة الأجيال كما يريدون، لم تكن أقل منه خطرًا في التأثير إن لم تفقه.

     بيد أن الغزو الثقافي من خلال الفضاء الإعلامي المفتوح في كل الاتجاهات، هو من أشد أساليب الاختراق خطرًا من خلال ما يتيحه من إمكانيات تقنية في بث القيم والسلوكيات الغربية، في برامج مُعَدَّة بعناية فائقة، لكي تحظى بتأثير قوي في الرأي العام في تلك البلدان؛ لسهولة وصولها إلى كل بيت، وما يعنيه هذا النهج الخطير منعبث بقيم الجيل.

     وأخطر ما يضعف المناعة في حاضرنا، ولاسيما عند الشباب، فضلاً عن رسائل الإعلام الغربي وبرامج الواقع الغربي المعربة، هو هذا التنازع الإعلامي الفضائي العربي والإسلامي المحموم، وفوضى الفتاوى، والشعوذة ونشر الأباطيل، واستسهال التكفير الذي يبلبل الأفكار، ويظهر التناقضات والخلافات بين المدارس الإسلامية، واختلاف الروايات، وتعارض الحجج وجميعه على الهواء مباشرة، ويبث كله بلسان عربي مبين، يشوش العقل ويخلخل القناعات.

مخاطر العولمة

     وعن الكيفية التي يجب أن نواجه بها التحدي الثقافي يبين دكتور الفقيه بأنها تبدأ بتفعيل أدوار مؤسساتنا الإعلامية، وربط أدائها بحاجات الجمهور المستهدف في المجتمعات الإسلامية ومعالجة قضاياه، وإشباع رغباته الثقافية والتعليمية والتنويرية، وحتى الترفيهية والترويحية، مع ضرورة توعية المجتمعات الإسلامية وتنبيهها لخطورة هذا الغزو، والتشديد على التربية الإسلامية الصحيحة، وإيجاد العالم الإسلامي بديلا يمتلك وسائل التقنية الحديثة المتطورة ويتأهل بالاحترافية والمهنية العالية، ويكون قادرا على التنافسية في فضاء مزدحم بالخيارات.

     ولا يخفى على المتابعين الجادين أن أخلاق المجتمع الإسلامية وقيمه وعاداته تتعرض لهجمة شرسة عبر المواد الإعلامية والإعلانية، التي تبث عبر وسائل الإعلام المقروء والمسموع والمرئي، وكل مواقع التواصل الاجتماعي الحديثة، وهو في حقيقته غزو منظم غير أن بعض أبناء المسلمين لا يعلم حقيقة هذا الغزو ولا يشعر به أصلا.

     وفي ضوء ما تقدم، فإن الأمر يتطلب الانتباه الدائم إلى مخاطر العولمة، وفضح أساليب التغريب والغزو الثقافي، والعمل على حماية الأمة من مخاطره، من خلال ترسيخ ثوابت الخصوصيات المحلية، ومحاربة محاولات طمس معالمها بالمسخ، حفاظا على الهوية، وتلافيا للتفريط في مقومات الوجود؛ بحيث يأتي هذا النهج في مقدمة الأولويات الوطنية، بمغادرة نهج التبعية من دون تردد، واعتماد نموذج الطريق المستقل للتنمية، بالنهج الذي يقلص من الفجوة القائمة بين الغرب والبلدان النامية على تجاوز هواجس التهيب من الانخراط في ثورة الاتصال والمعلوماتية، خوفا من تداعياتها المحتملة على الهوية الوطنية.

التحدي الثقافي

     ومن جانبه يرى الدكتور سامي الشريف بأننا نعيش في عصر يتطلع فيه العالم إلى البلاد الإسلامية بوصفها قوة مستقبلية؛ مما يجعل الدعوة الإسلامية مطلبا إنسانيا حضاريا يفرض علينا -نحن المسلمين- مهمة نشر الإسلام ودعمه وتعزيزه وإحياء مبادئه في المناطق التي غزتها عقائد وتيارات أخرى في العصور المظلمة، كما أن من واجب المسلمين التعريف بمدلول الإسلام الصحيح المطابق لتطورات العصر، ودعوة الناس إليه بالحسنى ليتبينوا ما فيه من قيم ومبادئ ونظم تصلح لكل زمان ومكان.

     ومن هنا كانت الهجمة الشرسة لقوى الغرب على الإسلام والمسلمين في شتى المجالات، وواجه عالمنا الإسلامي تحديات  ضخمة في المجالات العسكرية والسياسية والاقتصادية   والثقافية والإعلامية، بهدف تحجيم إمكانياته والحد من   قدرته على اللحاق بركب الحضارة المعاصرة.

وإذا كانت هذه التحديات تمثل أخطارا محدقة يجب الاستعداد لمواجهتها؛ فإن التحديات الثقافية والإعلامية تأتي في مقدمتها وربما تكون أكثرها خطورة وتأثيرًا.

     ولا يمكننا القول إن تلك التحديات تقتصر على ما يتهدد عالمنا الإسلامي من الخارج فحسب، ذلك أن واقع الثقافة والإعلام في مجتمعاتنا الإسلامية ليس في أفضل أحواله، بل ربما يكون عاملا مساعدا ودافعا لنجاح التهديدات الخارجية في تحقيق أهدافها. 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك