التوتر والصراع وغياب صلة الرحم واندثار الأخلاق.. مظاهر تفكك الأسرة المسلمة وتصدعها
تعاني الأسرة المسلمة في الوقت الحاضر إشكاليات وتحديات ومحن عويصة عدة تهدد أمنها واستقرارها وحياتها ومستقبلها، لعل من أهمها على سبيل المثال لا الحصر توتر العلاقات الإنسانية والأسرية والعائلية وترديها بين أفرادها كالأزواج والأولاد والإخوان، ونشوب كل أنواع النزاع والشقاق وتحلل القيم الأخلاقية، وغياب أواصر المحبة والرحمة والمودة ووشائجها، وكل هذه الظواهر السلبية تهدد الأسرة بالتفكك والتصدع والتمزق وما يترتب على ذلك من نتائج وخيمة وانعكاسات سلبية خصوصا على الأطفال والشباب الذين يمثلون الأجيال الصاعدة، والذين يصابون بكل الأمراض والعلل الاجتماعية والصحية والنفسية والأخلاقية كالفشل الدراسي والعزوف عن التعلم والتشرد والجنوح ومرافقة الأشرار والانحراف والضياع والإجرام والتطرف وممارسة كل الأفعال الدنيئة التي لا يقرها الدين والقانون والعرف.
وتتعدد أعراض ومظاهر التفكك أو التصدع الأسري بالمجتمعات العربية والإسلامية المعاصرة وتتنوع وتختلف من أسرة إلى أخرى، منها على سبيل المثال لا الحصر تحلل القيم الأخلاقية وغياب صلة الرحم وحق الزيارة وتوتر العلاقات بين أفراد الأسرة الواحدة كالأزواج والأولاد وتدهورها.
ضعف متانة وقوة الروابط الأسرية:
لم تعد الروابط والعلاقات الأسرية وثيقة ومتينة وقوية بين أفرادها كما كانت في الماضي وخصوصا بين الزوجين وكما حددها الإسلام دين الله الخالد في قوله تعالى: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة} (الروم:21)، وتحول المنزل من كونه مقرا للسكينة والمودة والرحمة والاستقرار إلى مكان لكل أشكال النزاع والشقاق والصراع بين الزوجين والأولاد والإخوان في كل الأمور والقضايا المشتركة حتى ولو كانت هامشية وتافهة وقليلة الأهمية، وهكذا اندثرت الروابط والعلاقات الأسرية وغاب وانعدم الحوار والتفاهم والتواصل والتعاون والتضامن وحل محل ذلك الصراع والنزاع والشقاق والخصام وتبادل الاتهامات والشتائم.
تحلل القيم الأخلاقية واندثارها:
لقد تحللت القيم الأخلاقية والتربوية واندثرت داخل الأسرة المسلمة المعاصرة كالاحترام والطاعة والتعاون والتكافل بحيث لم يعد الأبناء يوقرون آباءهم وأمهاتهم ويحترمونهم ويكنون لهم التقدير ويطيعونهم، وهذا يتنافى مع القيم الدينية والخلقية والتربوية التي جاء بها، الإسلام ودعا إلى التحلي والتشبت بها وكذلك مخالفة صريحة لقوله تعالى في كتابه العزيز: {إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهم أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا} (الإسراء: 23).
لقد انتشر العقوق وغابت الأخلاق الحميدة والطاعة والمحبة والاحترام من طرف الأبناء في حق الوالدين في الأسر والعائلات والمجتمعات الإسلامية المعاصرة مع الأسف الشديد، وهذا يهدد بزوالها واندثارها وتصدعها وبالتالي هلاك الأمة أفرادا وجماعات ونزول البلاء وغضب الله وسخطه وعذابه في الدنيا والآخرة.
غياب صلة الرحم والتزاور:
لقد غابت أو قلت صلة الرحمة وحق الزيارة والمودة من طرف الأولاد في حق الوالدين في المجتمعات العربية والإسلامية الحديثة خصوصا بعد حصولهم على وظيفة معينة أو عمل وزواجهم واستقرارهم في منازل خاصة بهم، وقد حذر القرآن الكريم كتاب الله العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه من قطع صلة الرحم فيما بين أفراد الأسرة والعائلة الواحدة وتوعد أصحابها بالوعيد والعذاب الشديد في الدنيا والآخرة وذلك في قوله تعالى: {فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله} (محمد:22-23).
توتر وتدهور العلاقات الأسرية:
لقد توترت وتشنجت العلاقات الأسرية والعائلية والاجتماعية في العصر الحاضر خصوصا بين الأبناء والإخوان، ونشبت كل أشكال النزاع والشقاق والتناحر فيما بينهم، وانعدمت أواصر الحوار والتواصل والتفاهم والتعاون والتآخي والتكافل والتضامن، وانحدرت العلاقات الأسرية والعائلية في عصرنا إلى درجة بالغة السوء والتدني بفعل عوامل عديدة ومتداخلة فيما بينها، وهذا ما انعكس سلبا على الأسر والعائلات المسلمة المعاصرة؛ فأصيبت بالتالي بالتفكك والتصدع والتمزق والانحلال ومن مظاهر هذا التفكك الخطير: الملفات والقضايا العديدة التي تتعلق بالنزاعات الأسرية والعائلية المختلفة المعروضة على المحاكم والقضاة، خاصة فيما بين الأزواج والأولاد والإخوان والأخوات المنتمين لأسرة أو عائلة واحدة التي تشترك في قواسم مشتركة عديدة.
ومن مظاهر ونتائج التفكك الأسري والعائلي في المجتمعات العربية والإسلامية المعاصرة جنوح وانحراف الأبناء فكريا وعقديا وأخلاقيا وسلوكيا مثل تعاطي وإدمان التدخين والخمور والمخدرات والعزوف عن التعلم ومتابعة الدراسة ومصاحبة الأشرار ورفقاء السوء واقتراف الذنوب والمعاصي والخطايا وممارسة كل السلوكيات المنحرفة والشاذة والتصرفات الطائشة والأعمال المتطرفة والعدوانية في حق أفراد وممتلكات المجتمع.
لاتوجد تعليقات