رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: أبومعاذ السلفي 8 يوليو، 2013 0 تعليق

التوبـــة قبــــل رمضـــان

 

من أعظم نعم الله على عباده أن فتح لهم باب التوبة والإنابة، وجعل لهم فيه ملاذاً آمناً، وملجأً حصيناً، يلجه المذنب، معترفاً بذنبه، مؤملاً في ربه، نادماً على فعله، ليجد في قربه من ربه ما يزيل عنه وحشة الذنب، وينير له ظلام القلب، وتتحول حياته من شقاء المعصية وشؤمها، إلى نور الطاعة وبركتها.

فقد دعا الله عباده إلى التوبة مهما عظمت ذنوبهم وجلَّت سيئاتهم، وأمرهم بها ورغبهم فيها، ووعدهم بقبول توبتهم، وتبديل سيئاتهم حسنات رحمة ولطفاً منه بالعباد.

     ومنزلة التوبة هي أول المنازل وأوسطها وآخرها، لا يفارقها العبد ولا ينفك عنها حتى الممات، وإن ارتحل إلى منزل آخر ارتحل بها واستصحبها معه، فهي بداية العبد ونهايته؛ ولذا خاطب الله بها أهل الإيمان وخيار خلقه، وأمرهم أن يتوبوا إليه بعد إيمانهم وصبرهم وجهادهم، وعلق الفلاح بها، فقال سبحانه: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ  } (النور:31)، وقسَّم العباد إلى تائب وظالم فليس ثَمَّ قسم ثالث، قال سبحانه: {وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (الحجرات: 11)، وصح عنه  صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها» رواه مسلم.

     وإذا كان نبينا صلى الله عليه وسلم الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر يقول: «يا أيها الناس توبوا إلى الله واستغفروه؛ فإني أتوب إلى الله في اليوم مائة مرة» رواه مسلم، فكيف بغيره من المذنبين والمقصرين.

     والتوبة الصادقة تمحو الخطايا والسيئات مهما عظمت، حتى الكفر والشرك، فإن الله تبارك وتعالى لا يتعاظمه ذنب أن يغفره، قال سبحانه: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (38)} (الأنفال:38)، بل حتى الذين قتلوا الأنبياء، و{ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ } (المائدة:73)، و{قالُوْا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيْحُ ابْنُ مَرْيَمَ} (المائدة:17)، -تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً- دعاهم للتوبة، وفتح لهم أبواب المغفرة فقال سبحانه: {أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴿74﴾.} (المائدة 74)، وفي الحديث القدسي يقول الله عز وجل: «يا عبادي: إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعاً، فاستغفروني أغفر لكم» رواه مسلم، وفي حديث آخر: «يا ابن آدم: لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم استغفرتني، غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم: إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً، لأتيتك بقرابها مغفرة» رواه الترمذي.

     ورمضان من أعظم مواسم التوبة والمغفرة وتكفير السيئات، ففي الحديث الذي رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر». كيف وقد جعل الله صيامه وقيامه، وقيام ليلة القدر على وجه الخصوص إيماناً واحتساباً مكفراً لما تقدم من الذنوب؟! والعبد يجد فيه من العون ما لا يجده في غيره، ففرص الطاعة متوفرة، والقلوب على ربها مقبلة، وأبواب الجنة مفتحة، وأبواب النار مغلقة، ودواعي الشر مضيقة، والشياطين مصفدة، وكل ذلك مما يعين المرء على التوبة والرجوع إلى الله.

     فلذلك، كان المحروم من ضيع هذه الفرصة، وأدرك هذا الشهر ولم يُغفر له، فاستحق الذل والإبعاد بدعاء جبريل عليه السلام وتأمين النبي صلى الله عليه وسلم ، حين قال جبريل: «يا محمد: من أدرك شهر رمضان فمات ولم يُغفر له فأُدخل النار فأبعده الله، قل: آمين، فقال: آمين» رواه الطبراني، وقال صلى الله عليه وسلم : «رغم أنف رجل دخل عليه رمضان، ثم انسلخ قبل أن يُغفر له» رواه الترمذي.

     وإذا كان الله عز وجل قد دعا عباده إلى التوبة الصادقة النصوح في كل زمان، فإن التوبة في رمضان أولى وآكد، لأنه شهر تسكب فيه العبرات، وتقال فيه العثرات، وتعتق فيه الرقاب من النار، ومن لم يتب في رمضان فمتى يتوب؟!

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك