رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: رجب أبو بسيسة 24 أغسطس، 2017 0 تعليق

التوازن صمام أمان لحماية الشباب من الإفراط أو التفريط

- التوازن أمر في غاية الأهمية في العملية التربوية؛ فهو صمام أمان لها ولمستقبل العمل. فلو أصاب الشاب انحراف أو خلل في مقتبل حياته فسيؤثر ولا شك على مستقبله وعلى نظرته للحياة.

     وانظر إلى هذا المثال: «آخى النبي - صلى الله عليه وسلم - بين سلمان وأبي الدرداء -رضي الله عنهما- فزار سلمان أبا الدرداء فرأى أم الدرداء -رضي الله عنها- متبذلة، فقال لها: ما شأنك؟ قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا! فجاء أبو الدرداء فصنع له طعاما، فقال: كل؟ قال: فإني صائم، قال: ما أنا بآكل حتى تأكل، قال: فأكل، فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم، قال نم، فنام، ثم ذهب يقوم فقال: نم، فلما كان من آخر الليل قال سلمان: قم الآن، فصليا، فقال له سلمان إن لربك عليك حقا، ولنفسك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه، فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم - فذكر ذلك له، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم - «صدق سلمان».

     فالإفراط صفة مرفوضة بالعقل والشرع، وكذلك التفريط، ولا يسوغ بحال أن يكون الاسترسال مع شهوات النفس ورغباتها هو البديل! بل الصحيح أن يتوازن الإنسان ويعتدل في جميع أموره، قال تعالى: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا} (الاسراء:29)، وقال -تعالى- {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} (القصص:77) فالتوازن من أهم ما ينبغي مراعاته في بناء شخصية المتربي في جميع مراحل العملية التربوية.

- وما يدل على أهمية هذا المعنى أنه كان من دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم -: «اللهم أسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وأسألك كلمة الحق في الرضا والغضب، وأسألك القصد في الفقر والغنى..» فانظر لكلمات هذا الدعاء كلمة كلمة، تجد النبي -صلى الله عليه وسلم - يتحرى التوازن في كل شيء دعا به ربه وكذلك هو في كل دعائه -صلى الله عليه وسلم -.

- والمتأمل في حقيقة المجتمع الذى نعيش فيه يراه مندفعا نحو الانحراف عن هذا الجانب اندفاعا شديدا، مع جفاف روحي وإيماني شديد ومزعج في الوقت نفس! ونحن جزء من هذا المجتمع، نتأثر بما يؤثر فيه؛ مما يجعل أمر الاهتمام والتركيز على عملية التوازن أمرا في غاية الأهمية.

- عدم التوازن أو ضعفه هو التحدي الذى لا يزول بالتجاهل ولا بالنسيان، بل يحتاج إلى قراءة ومطالعة جيدة ومعرفة طرائق العلاج في المستقبل القريب صفة ملازمة للأجيال القادمة.

التوازن بين الذاتية والجماعية

- من المعلوم أن التربية تقوم على محورين:

أ- التربية الذاتية.

ب- الجماعية والتعاون على العمل والأنشطة.

     وإهمال محور من هذين المحورين لا شك أنه يضعف عملية التوازن، ويؤثر على شخصية الطالب؛ فمن الممكن أن يكون الطالب مهتما بعبادته الذاتية وطاعه الشخصية، لكنه مهمل في التعاون مع إخوانه ومشاركتهم في الأنشطة والأعمال التي تحمل صفة الجماعية، أو يكون منهمكا مع إخوانه في الأعمال الجماعية لكنه مهمل في الشق الذاتي كالأوراد والعبادات التي من شأنها أنها إشباع الروح وتقويتها في مواجهة التحديات والفتن.

في كلا الحالتين يحتاج هذا الطالب إلى نصح وتوازن حتى لا يطغى جانب على آخر.

دور المربي

وهنا يبرز دور المربي والمعلم في تأهيل الشباب للعمل ضمن فريق، وغرس فضيلة السماع لوجهة نظر إخوانه في العمل، وعدم الانفراد بالرأي.

فالقوة ليست في الانفراد، بل في المشاركة والانسجام والتفاهم، والذئب يأكل الشاة القاصية مهما كانت قوية، وكدر الجماعة خير من صفو الفرد.

دور الجماعية

     ويبرز دور الجماعية مع ارتفاع موجة انتقاد الكيانات الدعوية حتى أصبحنا نسمع من يقول: «من انتمى انتهى»، ونسمع أيضا: «إذا أردت أن تكون نجما فعليك بالتفرد» مع أن الواقع يشهد أن الجماعية تساعد على النجاح في أغلب الأحيان.

ويبرز دور المربي في غرس الاهتمام بالمشورة والاستشارة وقبول النصيحة وعدم الامتعاض منها والاستجابة لها ما لم تكن إثما أو حراما.

     وفي الوقت نفسه ينبغي على المربي عدم الوقوف أمام مشاريع الطالب الخاصة التي تتوافق مع إمكاناته ورغباته، وحبذا تقديم النصح والمساعدة والإعانة له؛ فهذا الأمر يصب في الصالح والنفع العام.

التوازن بين العزلة والمخالطة

- نريد أيضا أن نربي الشباب على التوازن بين العزلة -الشرعية- والمخالطة، فالإنسان يحتاج أن يخلو بنفسه؛ لينقب فيها ويعالجها، وقال الله -عز وجل-: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا} (سبأ:46)، وكان عمر -رضي الله عنه- يقول: «خذوا بحظكم من العزلة»، كما أن الطالب يحتاج أن يتربى على محاسبة نفسه ومراقبتها، قال الإمام الماوردي -رحمه الله- عن محاسبة النفس: «... ثم عليه (أي العبد) أن يتصفّح في ليله ما صدر من أفعال نهاره؛ فإن الليل أخطر للخاطر وأجمع للفكر، فإن كان محمودا أمضاه وأتبعه بما شاكله وضاهاه، وإن كان مذموما استدركه إن أمكن وانتهى عن مثله في المستقبل»، فخلوة الإنسان تعينه على معرفة الخلل بعيدا عن الضوضاء وصخب وسائل التواصل الحديثة، وهذا هو فعل السلف الصالح -عليهم رحمة الله..

- الخلوة أمر مهم، ولكن هذا لا يعني أن تؤدي إلى الانزواء وترك مخالطة المجتمع، قال -صلى الله عليه وسلم -: «المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم، أعظم أجرا من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم».

- فالأمر يحتاج إلى توازن حتى لا يؤدي إلى التنصل من التكاليف والهروب من ضغط الحياة، أو يؤدي إلى عزلة ينقطع بها الإنسان عن واقعه ومجتمعه، وهذا هو دور المربي الذي يلاحظ ويوجه ويعالج.

التوازن بين العلم والعمل والدعوة

     التوازن في طلب العلم بأن يكون عنده منهجية وشمول، فلا يكون الشاب ممن يهتم بالقرآن فقط، أو يهتم بعلوم الآلة على حساب العلوم الأساسية، بل يكون عنده توازن بين كل العلوم، ويبدأ بالأهم فالمهم، ويكون ذلك بالتوازن مع باب العمل الذي هو أعظم ثمرات العلم، قال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: «هتف العلم بالعمل، فإن أجابه وإلا ارتحل!)، وقال مجاهد: «إنما العالم من يخشى الله».

      ومع العلم والعمل لابد من التوازن في قضية الدعوة إلى الله -عز وجل- والتغيير والإصلاح؛ لأنه كلما زاد العلم ينبغي أن يزيد العمل، وكلما زاد العمل ينبغي أن تزيد الدعوة إلى الله -عز وجل.

- وهذا المعنى دقيق جدا، وقد زلت فيه أقدام أقوام وقصرت فيه همم آخرين، فتجد أحدهم مهتما بالعلم وتحصيله لكنه ضعيف في العمل به والدعوة إليه!

     أو يهتم بالعمل ويهمل العلم وطلبه والاستمرار عليه بعد ما تصدر للناس يدعوهم لدين الله -عز وجل-؛ فليس المهم الحركة، ولكن المهم أن تكون الحركة صوابا، وهذا يضبطها العلم الذي يتبعه عمل ودعوة إلى الله -سبحانه وتعالى-، قال -تعالى-: {وتواصوا بالحق} (العصر:3)، قال العلماء: «علموا الحق واعتقدوه وعملوا به ودعوا الناس إليه».

- فالتوازن بين هذه الأمور الثلاثة (العلم، العمل، الدعوة) بمثابة الحفاظ على المسار الصحيح للعمل والدعوة وقضية التغيير.

التوازن بين الحياة الشخصية

والحياة الدعوية

الشريعة لا تعادي الحياة، بل أمرت بالنجاح فيها وتحقيق التوازن وإتقان العمل في شتى مجالاتها، وهذا كله من أمور الاستقامة والتدين.

فمن الخلل أن يكون النجاح في الأمور الدينية مع إهمال الأمور الدنيوية، والعكس.

وهذا الأمر قد حدث فيه خلل واضح عند كثير من الناس، فينبغي إعادة التوازن عند الطالب داخل المحاضن التربوية.

- ينبغي أن نغرس في الشباب أن الدين لا يعادي الحياة، بل إن نجاح الشاب في مختلف مجالات الحياة -إذا توفرت النية الصالحة- سيكون له رصيدا هائلا من الحسانات، فنحن كما نريد منه أن يكون عابدا داعيا ومتفقها نحتاج أيضا أن يكون تاجرا صادقا أو طبيبا ماهرا أو حقوقيا متميزا أو رجل أعمال قويا.. وهكذا.

التوازن بين الجد والمرح

     يجب على المربي أن يهتم بالجوانب التي تروح عن النفس، وتمنع من اليأس والقنوط والملل، فليس مشينا أن يمنح المربي لمن يربيه بعض الوقت للهو المباح، وليس قادحا في المروءة أن يشاركهم الضحك والتبسم، بشرط ألا تذوب شخصية المربي في شخصية الشباب كما أشرنا قبل ذلك؛ فالأصل في شخصية المربي الجدية مع بعض المرح؛ لأنه لابد أن يكون له دور توجيهي حتى أثناء المشاركة في الأنشطة، وهذه هي الموازنة المطلوبة.

وأخيرا

     التوازن لا يعني التساوي، فإن طاقات الطلبة ومواهبهم وقدراتهم متفاوتة، فعندما ندعو إلى التوازن فإننا لا ندعو بالضرورة إلى أن تكون النسب متساوية تماما متعادلة، إنما التوازن يعني ألا تكون -مثلا- عبادة الإنسان على حساب عنايته بالعلم، وألا تكون خلوته بنفسه على حساب دعوته، وألا يكون اهتمامه بعبادته الذاتية على حساب تعاونه مع إخوانه، وهكذا في باقي الجوانب.

 

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك