التهاون في الطلاق
شرع الله -تبارك وتعالى- الزواج تلبية لحاجة الإنسان واستدامة لسلالته، وآية على قدرة الله ورحمته وحكمته -عز وجل- قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (الروم: 21)، وسماه ميثاقا غليظا، وحماه بسياج من النصائح والإرشادات، وحصنه بالأوامر والتوجيهات؛ لمعرفة الحقوق والواجبات.
وقد تطرأ على الحياة الزوجية أمور تجعلها في خطر عظيم وشر جسيم، تصدع البنيان، وتهدم الأركان، وتسهل كلمة الطلاق، فكم هدم الطلاق من بيوت، وفرق من أسر، وقطع من أرحام وجلب من آثامَ.
وقد شرع الله الطلاق حلا لمشكلات مستعصية وليس ألعوبة في أيدي العابثين وسائغاً سهلا في أفواه المتهورين، الذين لا يعرفون للحياة الزوجية معنى، ولا يقيمون لها وزنا.
ولما أساء بعض الناس معايير الزواج؛ حيث جعل همه المال والجمال والحسب، وترك الدين والأخلاق والخلال، لم يجد السعادة ولا المودة ولا الاستقرار؛ فذات الدين والتقوى والخلق الحسن تتحمل وتصبر، وهمها رضا الله -عز وجل- ثم رضا الزوج، وقد أصبح بعض الأزواج لا يغفرون الزلة، ولا يقبلون العثرة، ولا يسترون العورة، ولا يتغافلون عن الهفوة؛ ففي الحديث: «لا يفرك (لا يبغض) مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضى منها آخر».
وكيف تستقيم سفينة الحياة بين الزوجين، إذا تربص كل منهما بالآخر؟ فتجده لا يعفو ولا يصفح، بل يتصيد الزلة، ويتجاهل المحاسن، وليس عنده استعداد للتنازل، وصل الأمر إلى تشبث كل منهما برأيه والبقاء على عناده وكبريائه، مع دخول شيطان الإنس والجن لإفساد حياتهما، وكل منهما يريد أن يكون قائدا قواما متعنتا، والله عز وجل يقول: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} (النساء:34).
تزداد المشكلات وتتعقد الخلافات حينما لا يبالي كل واحد منهما بمشاعر الآخر، ولا يراعي أبناءه ولا أسرة كل منهما، ولا يراعي المعاشرة بالحسنى، ولا إضفاء جو الراحة ورفع الملل والسآمة من اللهو البريء والدعابة الخفيفة والملاطفة بالكلمة الطيبة، والابتسامة المعبرة، والتغيير والسفر إلى أماكن مباحة ومتاحة ومحافظة لإبعاد أجواء الاحتقان والتوتر.
وخير الناس عند الله -تبارك وتعالى- خيرهم لزوجته؛ ففي الحديث: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي»، ومع الأسف فإن العلاقات فسدت بين الزوجين حينما تخلت المرأة عن أعظم دور وأنبل رسالة وهي صيانة البيت وتربية الأولاد والقيام بحقوقهم، بدلا من أن تكون خرّاجة ولّاجة تاركة البيت للخدم والحشم، وهمها إرضاء صديقاتها أو أقاربها في مناسبات مختلفة على حساب أسرتها، فأين دور الأم على الأرض في صناعة الأنس والحنان والتربية والأمان في مملكتها؟ «المرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها».
ومما يفسد العلاقة تأثرها بوسائل الإعلام أو بصديقتها التي لا تملك الحكمة ولا الحنكة، وربما تكون غير حريصة على استمرار حياتها حسدا وحقدا. ومما يفسد العلاقة بعض المحامين الذين لا هم لهم إلا المال؛ فتعيش المرأة بأوهام وأحلام ما يسرده المحامي عليها من امتيازات مالية حتى يسيل لعابها على المال وتفضله على بقاء أسرة!
ومما يفسد الحياة الزوجية عدم تدخل والدي الأسرة بطريقة صحيحة؛ فيميل كل طرف إلى ابنه أو ابنته ولا يتدخلان في الوقت المناسب، ومن أول جلسة يحرقان المودة والرحمة، ولا يتركون خطاً للرجعة، بل يشجعونهما على رفع قضايا وشكاوى في المخافر والإساءة وتشويه السمعة والتشهير على ألسنة الجميع لينعدم الستر، ففي الحديث: «ليس منا من خبب (أفسد) امرأة على زوجها..».
والمرأة تريد أن تحصل على حقوقها الشرعية كاملة؛ فهي تريد من الرجل أن يكون كريما، وأن يخصص لها الوقت الكافي للحوار والتفاهم، وتوفير متطلبات الأسرة.
جاء رجل إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنهيستشيره في طلاق امرأته فقال عمر: لا تفعل، فقال ولكني لا أحبها، قال عمر: ويحك أو كل البيوت تبنى على الحب؟ فأين الرعاية وأين التذمم؟
فيا من تريد الطلاق، تدرج في الحل ولا تتسرع فتندم وربما تظلم؛ فقد قال الله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ۚ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} (النساء:34)، وعليكم بالإصلاح واختيار من تتوفر فيه شروط الإصلاح. {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} (النساء:35)، وأهمس في آذانكم، تذكروا الفضل ولا تنسوه {فَرَضْتُمْ إِلَّا أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ ۚ وَأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۚ وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (البقرة:237).
وأخيرا ابتعدي يا أمة الله عن إصرارك بمطالبتك بالطلاق؛ ففي الحديث: «أيما امرأة سألت زوجها الطلاق في غير بأس فحرام عليها رائحة الجنة».
لاتوجد تعليقات