رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: صنعاء : علي سالم 27 أكتوبر، 2014 0 تعليق

التنظيم يعاود هجماته بالتزامن مع تمدد الحوثيين نحو الساحل الغربي السني- الحوثيــون يوقظــون (القاعــدة)

يهدد الفشل اتفاق (السلم والشراكة)، ثاني اتفاق توقعه الأطراف اليمنية المتصارعة منذ عام 2011 في وقت يتلاشى التمايز بين جيل السياسيين الشباب والنخب القديمة، ولاسيما لجهة عدم المصداقية في التزام الاتفاقات والعجز عن تحقيق حد أدنى من التوافق يحول دون انهيار الدولة في البلد الأفقر في الشرق الأوسط .

ويخشى أن يؤدي تشدد القوى المتصارعة ومحاولة كل منها فرض خياراته بالقوة، إلى فتح الباب على مصراعيه أمام احتراب أهلي تصعب السيطرة عليه، ولاسيما في ظل انتشار السلاح.

     ويقدم التفجير الانتحاري الذي استهدف تجمعاً للحوثيين وسط صنعاء نموذجاً على عدم قدرة أي طرف على بسط سلطته خارج إطار الدولة، وجاء الهجوم بعد ساعات من رفض الحوثيين قرار تعيين أحمد بن مبارك رئيساً للوزراء، وتزامن مع قتل ما لا يقل عن 20 جندياً في حضرموت في هجوم شنه مسلحون يعتقد بانتمائهم إلى تنظيم (القاعدة).

وتُحكم صنعاء حالياً بسلطتين: الأولى توصف بأنها مجازية، ممثلة بالرئيس عبد ربه منصور هادي الذي جاء إلى السلطة عبر استفتاء شعبي نصت عليه المبادرة الخليجية.

والثانية فعلية ويقصد بها ميليشيا الحوثيين (حركة أنصارالله) التي تسيطر منذ 21 أيلول (سبتمبر) الماضي على المؤسسات الحكومية وحلت محل الجيش والشرطة.

     ويضرب التشظي وصراع المصالح الجهود الرامية إلى تنفيذ الاتفاقيات المكتوبة. ويسهم انتشار تنظيم (القاعدة) في الجنوب واستيلاء الحوثيين (حركة أنصار الله) على صنعاء في توسيع رقعة الانقسامات، ما يضع اليمن قاب قوسين أو أدنى من الصوملة وتكرار السيناريو العراقي.

ويقول محللون: إن تقويض جماعة الحوثيين (انصار الله) الشيعية لمؤسسات الدولة وتقديم نفسها بديلاً عنها يوفر مناخاً اجتماعياً ملائماً لتحرك التنظيمات الإسلامية المتشددة.

وعاود تنظيم (القاعدة) هجماته ضد الجيش في محافظة البيضاء التي يعدها التنظيم الحد الشمالي لجغرافيا مذهب أهل السنة بالتزامن مع تمدد الحوثيين الشيعة نحو الساحل الغربي السني.

وتتلاقى الجماعتان الأكثر تشدداً في المذهبين الزيدي والشافعي في شحن عناصرهما بأفكار جهادية تعلي من قيمة التضحية بالنفس والشهادة، كما تشتركان في تجنيد أطفال ومعاداة أميركا وإسرائيل.

     وتربط مصادر سياسية بين سقوط صنعاء بيد قبائل موالية لكل من الحوثيين (أنصار الله) والرئيس السابق علي عبد الله صالح، وبين اتهامات للرئيس التوافقي عبد ربه منصور هادي بتعيين جنوبيين في مفاصل الدولة وتهميش الشماليين.

     وتصف قيادات في حزب صالح وثيقة ضمانات حل القضية الجنوبية، التي أقرها (مؤتمر الحوار الوطني) بـ(التمييزية)، ويأخذ حوثيون وأنصار للرئيس السابق على الوثيقة نصها على تقاسم الثروة والوظيفة العامة مناصفة بين الشمال والجنوب، على رغم وجود كثافة سكانية أعلى في الشمال، ومنع ترشح الشماليين لمنصب الرئيس في المرحلة الانتخابية الأولى بعد الاستفـتاء على الدستور الجديد.

     ويتهدد الفشل اتفاق السلم والشراكة ثاني اتفاق تبرمه الأطراف اليمنية المتصارعة التي شاركت في مؤتمر الحوار الوطني، وقوبل تعيين رئيس وزراء ينتمي إلى الجنوب برفض من قبل الحوثيين وحزب الرئيس السابق، معدين تعيين أحمد مبارك إخلالاً بالتوازن بين الشمال والجنوب.

ويعد ابن مبارك من شباب (ثورة 11 فبراير) التي وإن أخفقت في إسقاط النظام، لكنها تمكنت من إجبار الرئيس السابق وأسرته على مغادرة الحكم.

     وسوغ زعيم حركة (أنصار الله) الشيعية المسلحة الموالية لإيران، عبد الملك الحوثي، رفضه لابن مبارك بالقول: إنه مرشح السفارة الأميركية، وهو القول الذي قوبل بسخرية كثيرين من الشبان اليمنيين، متهكمين على وطنية الحوثي، الذي نهبت ميليشياته سلاح الدولة والبيوت، وكادت تحرق صنعاء لتفرج عن أفراد طاقم سفينة السلاح الإيرانية جيهان- 1، الذين سبق أن أدانهم القضاء اليمني.

    وتتبادل الأطراف المتصارعة الاتهامات فيما بينها، مع تأكيدها الحرص على المصلحة الوطنية العليا، لكنها تمارس على الأرض نقيض ما تقول؛ فمنذ وصول الثورة الشبابية السلمية في 2011 إلى طريق مسدود، والنخب السياسية والعسكرية والقبلية تعيد إنتاج الصراعات العنيفة في شكل يكاد يقوض نهائياً إمكان العمل السياسي السلمي.

     ويرشح من محطات حوار الأطراف اليمنية استمرار التربص وانعدم الثقة وثقافة الغلبة، ما يُحدث عائقاً أمام وجود بيئة سياسية واجتماعية تنهض على قيم التعايش والحوار والتداول السلــمي للســلطة.

     وخلافاً للخطابات البراقة للقوى السياسية، فإن الممارسات غالباً ما تأتي دموية، وقلما استفيد من دروس الماضي، فمنذ انتهاء حرب صيف 1994 الأهلية وحتى لحظة إسقاط الحوثيين العاصمة صنعاء ونهبهم السلاح من مخازن الجيش في أيلول (سبتمبر) الماضي، ظل مطلب الشراكة في السلطة يطرح بوصفه الخيار الأنجع لتحقيق الاستقرار، بيد أن التجارب تظهر أن الشراكة تكون أحياناً أكثر كارثية من انفراد طرف بالسلطة.

    فعلى رغم التوقيع على المبادرة الخليجية في 2011 وتشكيل حكومة وحدة ضمت جميع الأحزاب والحراك الجنوبي والحوثيين، بيد أن الشركاء مارسوا فساداً غير مسبوق وخاضوا صراعاً مباشراً وغير مباشر فاقم حال العنف والفوضى وقوض فرص بناء الدولة الهشة أصلاً.

     ويقول مراقبون إن استمرار جماعة (أنصار الله) في فرض شروطها على الحوار الوطني و «اتفاق السلم والشراكة» الذي فرضته بعد إسقاطها صنعاء بقوة السلاح، من شأنه أن يوصد الباب نهائياً ويحول البلد الى برميل بارود.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك