التناقض الغربي في قضايا الأقليات
في كل يوم يدخل الإسلام بيوتاً جديدة، حتى أصبح المسلمون أعدادا كبيرة في بلدان غير إسلامية، ولا يخفى علينا ما يحدث لكثير من المسلمين في تلك البلدان، من اضطهادات وتضييقات؛ فإذا نظرنا إلى هذه البلاد التي تنادي بحقوق الأقليات، لاحظنا أن الأقليات المقصودة، هي الأقليات غير المسلمة، رغم أن ديننا الحنيف يأمرنا بعدم المساس بحقوق غير المسلمين، ويخوّف من التعرض لهم أشد تخويف؛ فيقول النبي صلى الله عليه وسلم : «من قتل معاهدًا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاماً». رواه البخاري، ومع ذلك فإن تبني هذه البلاد لقضية الأقليات، لا يخلو من تناقض كبير، وهذا ما سنوضحه الآن.
مفهوم مصطلح الأقليات
ورد مفهوم الأقليات في العديد من المعاجم والمراجع اللغوية؛ فأصلها من كلمة (قلل) بمعنى الشيء القليل، وهي ضد الكثرة يقال: قَلّ الشيء وقلل من الناس، أي أناس متفرقون من قبائل شتى، أو غير شتى؛ فإذا اجتمعوا جمعاً في مكان فهم قلل، كما يطلق المفهوم أيضاً في اللغة، بمعنى ذهاب البركة، وذلك ما جاء في قول سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : الربا وإن كثر فهو إلى قُلٍّ، أي: ليست له بركة، وأما مفهوم الأقليات اصطلاحاً؛ فتختلف تفسيرات الباحثين لمصطلح الأقليات حسب المعايير التي تَحْكم المصطلح حسب نظر كل منهم، ومن هذه المعايير: المعيار العددي، ومعيار القوة، وقد عرفها بعضهم بأنها جماعة فرعية، تعيش بين جماعة أكبر، وتكون مجتمعاً تربطه ملامح تميزه عن المحيط الاجتماعي حوله، وتعد نفسها مجتمعاً يعاني من تسلط مجموعة تتمتع بمنزلة اجتماعية أعلى، وامتيازات أعظم، تستهدف حماية الأقلية من ممارسة كاملة لمختلف صنوف الأنشطة الاجتماعية، أو الاقتصادية، والسياسة، بل تجعل لهم دوراً محدوداً في مجتمع الأغلبية.
لأقليات مصطلح جديد
نعم هو مصطلح جديد على الفقه والحضارة الإسلامية، لم تعرفه ثقافتنا بمعناه الشائع في العلوم الاجتماعية اليوم، الذي يشير إلى مكانة أدنى في التراتب الاجتماعي، مستندة إلى أسباب متصلة بمخالفة الأقلية للأغلبية في أحد المقومات الطبيعية، أو الثقافية، ويؤدي هذه الاختلاف إلى تعرض الأقلية عادة لتمييز، يدفع أفرادهم للتضامن فيما بينهم لمواجهة هذه الممارسات، وهو ما يؤدي إلى توتر في العلاقة بين الأقلية والاغلبية في المجتمع.
ماذا تقول الموسوعات الكبرى ؟
وأما تعريف الموسوعات للمصطلح فمنها: في الموسوعة الدولية للعلوم الاجتماعية: جماعة من الأفراد الذين يتميزون عن بقية أفراد المجتمع، عرقياً، أو قومياً، أو دينياً، أو لغوياً، وهم يعانون من نقص نسبي في القوة، ومن ثم يخضعون لبعض أنواع الاستعباد والاضطهاد والمعاملة التمييزية، وفي الموسوعة الأمريكية هي: جماعات لها وضع اجتماعي داخل المجتمع أقل من وضع الجماعة المسيطرة في المجتمع نفسه، وتمتلك قدراً من القوة والنفوذ وتمارس عدداً أقل من الحقوق مقارنة بالجماعات المسيطرة في المجتمع، وغالباً ما يحرم أفراد الأقليات من الاستمتاع الكافي بامتيازات مواطني الدرجة الأولى، وفي الموسوعة البريطانية: الأقلية هي جماعة يرتبط أفرادها فيما بينهم، من ثنايا وروابط معينة حال وحدة الأصل، أو اللغة، أو العقيدة الإثنية، كما يشعر هؤلاء الأفراد بأنهم مختلفون بصدد هذه الروابط من أغلبية سكان دولتهم بصلة العِرق.
التناقض في تبني قضايا الأقليات
لقد اهتمت الدراسات بقضية الأقليات، وجعلتها معياراً للاعتدال؛ فالدولة التي لا تراعي حقوق الأقليات، هي في نظر بعضهم متطرفة إرهابية، والحقيقة أن تبني قضية الأقليات في العالم الإسلامي تعد إحدى الوسائل التي تستخدم في زعزعة استقرار البلدان الإسلامية، وتهييج الفتن بين أفراد المجتمع المسلم بتحفيز الأقليات الدينية على المطالبة بأمور مخالفة للدين المعتمد في الدولة؛ فإن رُفضت هذا المطالب أو أُجلت، فُسّر الأمر على أنه اضطهاد وظلم، وصورت المطالب في شكل مظالم.
التضييق الديني على المسلمين
وفي حال تعرضت الأقليات المسلمة للتضييق فلا يتبنى أحد حقوقهم والدفاع عنهم، وقد أدى ازدياد موجة (الإسلاموفوبيا) إلى معاناة الأقليات المسلمة في أماكن من أوروبا، مثال ذلك ما حدث في (كندا) في سنة من السنوات؛ حيث صدر في إحدى الولايات قانون يمنع بناء المساجد في الأماكن التجارية، فضلا عن أن بناء المساجد في الأماكن السكنية لا يحدث إلا بتصريح خاص من السكان، وفي الصين جمعت الحكومة الشيوعية المقتنيات الدينية ومنعت تداولها وعلى رأسها المصحف، بحجة أن به محتوى متطرفا! ولو قرؤوا القرآن، لوجدوا فيه من آيات الرحمة واحترام الحقوق ما لا يوجد في مواثيق الدنيا، وصدق الله إذ يقول: {أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين}(يونس: 99)، وقال -سبحانه-: {لا إكراه في الدين }(البقرة: 256).
الحجاب ممنوع
كما ضُيق على المسلمين ثقافيا بمراقبة مراكزهم الدينية، وقنواتهم الفضائية، وقد يصل الأمر إلى إغلاق القنوات الفضائية، بحجة أنها تبث أفكاراً لا تتوافق مع ثقافة الآخرين، كما تصدر قوانين تمنع المرأة من لبس الحجاب في الأماكن العامة، أو أثناء عملها، وفي عام 2009م، قال رئيس إحدى الدول في خطاب أمام مجلس البرلمان في دولته: إن البرقع أو النقاب الذي يغطي المرأة من رأسها إلى أخمص قدميها، يشكل (علامة استعباد) للمرأة، وأن ارتداءه غير مرحب به في بلده، وتابع: لا يمكن أن نقبل في بلادنا بنساء سجينات خلف سياج ومعزولات عن أي حياة اجتماعية ومحرومات من الكرامة.
العنف الشعبي
أدت تلك الممارسات الرسمية في هذه الدول إلى تبني بعض أفراد الشعب ذاته العنف ضد المسلمين، وما أكثر الحوادث التي يتعرض لها المسلمون من أفراد شعوب بلدان يعيشون فيها، من ذلك قتل أمريكي لفتاة مسلمة بعد خروجها من مسجد في فرجينيا، وقالت المتحدثة باسم الشرطة: إن القصة بدأت عندما بدأ بسبّها هي وزميلاتها بألفاظ أثناء ذهابها إلى الصلاة، وفي مايو 2017، تعرضت امرأتان لهجوم مصحوب بشتائم عنصرية على متن قطار في محطة (هوليوود ترانزيت) في مدينة (بورتلاند)، وأسفر الهجوم عن مقتل رجلين أمريكيين حاولا الدفاع عن المسلمتين؛ إذ طعنهما المهاجم حتى الموت، وفي عام 2017، أيضًا عُثر على جثة القاضية شيلا عبد السلام، أول قاضية مسلمة في الولايات المتحدة الأمريكية، وأول قاضية سوداء عُينت في منصبها عام 1991، وفي مارس 2017 ألقت الشرطة الأمريكية القبض على مشتبه فيه بعد الاعتداء على مركز إسلامي بأمريكا، وفي كل عام تتكرر هذه الحوادث.
قانون الحريات الدينية ليس للمسلمين!
في عام 1998م أصدرت الدول الغربية، قانون (الحريات الدينية في العالم)؛ وبهذا القانون، أعطت بعض الدول الغربية نفسها حق مراقبة الحريات الدينية في العالم، وإصدار الأحكام الأمريكية على الدول والأمم والحضارات، أما في حال كون المضطهد مسلمين في بلد غير إسلامية فإن تعطيل هذا القانون أمر بدهي؛ فلا يبقى للمسلمين إلا يد العون المقدمة من إخوانهم في العالم قدر استطاعتهم متمثلين قول الله -تعالى-: {إنما المؤمنون إخوة}، وقوله -تعالى-: {إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون}(الأنبياء: 92) وقول النبي صلى الله عليه وسلم : «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى» متفق عليه.
لاتوجد تعليقات