رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: إعداد: سعيد عامر 22 فبراير، 2011 0 تعليق

التلبينة وأهمية الشعير لصحة الإنسان

 

إعداد: سعيد عامر

أمين عام لجنة الفتوى بالأزهر الشريف

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد: فقد تحدثنا في الأعداد الماضية عن النوع الثاني من الدواء وهو الاستشفاء، ثم تحدثنا عن الحجامة وأحكامها، وفي هذا العدد نتحدث عن العلاج بالتلبينة:

التلبية

1 - مفهوم التلبينة: هي الحساء الرقيق الذي هو في قوام اللبن، ومنه اشتق اسمه.

قال الهروي: سميت تلبينة لشبهها باللبن لبياضها ورقتها.

وقال ابن القيم: وهذا الغذاء هو النافع للعليل، وهو الرقيق النضيج، لا الغليظ النيء.

والحساء متخذ من دقيق الشعير بنخالته.

       وفي زاد المعاد لابن القيم: أن يؤخذ من الشعير الجيد المرضوض - رضض الشيء، أي: فتته وجعله جريشا - مقدار، ومن الماء الصافي العذب خمسة أمثاله، ويلقى في قدر نظيفة، ويطبخ بنار معتدلة إلى أن يبقى منه خمساه ويصفى ويستعمل منه مقدار الحاجة محلى.

2 - مشروعية العلاج بالتلبينة

       صح عن عائشة - رضي الله عنها - أنها كانت إذا مات الميت من أهلها واجتمع لذلك النساء، ثم تفرقن إلى أهلهن، أمرت ببرمة من تلبينة فطبخت وصنعت ثريدا، ثم صبت التلبينة عليه، ثم قالت: كلوا منها، فإني سمعت رسول الله [ يقول: «التلبينة مجمة لفؤاد المريض، تذهب ببعض الحزن» (متفق عليه).

        ومن هذا الحديث يتضح لنا مشروعية العلاج بالتلبينة، وقد أخبرنا بها رسول الله [ الصادق الأمين، الذي قال الله تعالى فيه: {وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى} (النجم: 3 - 4)، فالرسول [ منذ أكثر من أربعة عشر قرنا من الزمان يحدثنا عن دقيق الشعير بنخالته، ويطابق ما توصل إليه علماء بالجامعات الذين أفنوا حياتهم في البحث والتدقيق لمعرفة خواص هذه المادة تطابقا في غاية الدقة.

إن الله سبحانه وتعالى هو الذي يطلع رسوله [ على ما شاء من خصائص مخلوقاته.

3 - فوائد التلبينة

التلبينة مجمة لفؤاد المريض ، تذهب ببعض الحزن.

       التلبينة مجمة لفؤاد المريض: «مجمة»: يروى بوجهين: بفتح الميم والجيم، وبضم الميم وكسر الجيم، والأول أشهر، ومعناه: أنها مريحة له، أي: تريحه وتسكنه من الإجمام وهو الراحة.

         إن معرفة وجود التلبينة وأهميتها بالنسبة لقلب الإنسان وصحته ليست بالأمر السهل اليسير الهين، بل تحتاج لتقدم علمي كبير، وعقول مفكرة ومعامل مجهزة، وأجهزة حديثة، واختبارات وتجارب وتحاليل معقدة، وتكاليف باهظة، وعمل شاق دائب مستمر، وجهود مضنية لعلماء كثيرين، كل ذلك لم يكن متوافرا على عهد رسول الله [، ومع ذلك أخبر [ بأهمية الشعير وما له من فوائد صحية وعلاجية ونفسية، وصدق الله العظيم إذ يقول: {وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى} (النجم: 3 - 4).

فالشعير يحتوي على بعض المركبات الكيميائية التي تساعد على خفض نسبة الكوليسترول في الدم.

          وتحتوي حبوب الشعير على مشابهات فيتامين (هـ) التي لها القدرة على ضبط إنزيمات التخلق الحيوي (للكوليسترول)، لذلك فإن حبوب الشعير تعد علاجا للقلب ومقوية له.

           من الذي أخبر الرسول [ بالتحليل الكيميائي للشعير واحتوائه على (البيتاجلوكان) وأهميته، وكذلك مشابهات فيتامين (هـ) وأهميتها في خفض نسبة الكوليسترول في الدم، وتقليل خطر إصابة القلب بالجلطة.

محصول الشعير وحل الأزمة الاقتصادية للقمح

محصول الشعير هو أحد محاصيل الحبوب التي تلعب دورا مهما في تغذية الشعوب؛ لأنها ما زالت وستظل مصيرية للشعوب، لأن إنتاج محاصيل الحبوب ضروري لوجود الإنسان واستمراره في الحياة.

ومن خصائص الشعير المهمة

- أنه أرخص من الناحية الاقتصادية على مستوى العالم من القمح والذرة وباقي المحاصيل.

- كميات المياه اللازمة لإتمام الشعير دورة حياته من الإنبات حتى حصاد المحاصيل كمية قليلة بالنسبة لغيره.

- يتحمل الشعير انخفاض درجة الحرارة تحت الصفر.

- يتحمل نقص خصوبة الأرض.

- يعد من المحاصيل عالية المقاومة للملوحة.

- يزرع الشعير في كثير من الأماكن غير الملائمة لزراعة كثير من المحاصيل الأخرى، فيزرع في الأراضي التي لا تصلح لزراعة القمح.

        والشعير هو أقدم محصول استعمله الإنسان لغذائه، ويقال: إنه أقدم نبات زرع وعرفته حضارات العالم القديمة، وكان الشعير حتى القرن السادس عشر المصدر الرئيسي لدقيق خبز الإنسان؛ ولذا فهو أقدم غذاء للإنسان.

        وترجع أهميته أيضا إلى أنه غذاء لجميع طبقات الناس، لا يستغنون عنه في الوجبات الثلاث، ولكن باختلاف الكمية.

        وبطبيعة الحال فإن الطبقة الفقيرة لها النصيب الأكبر من هذا الخبز لرخص ثمنه وقلة ذات اليد، في حين أن الدقيق الأبيض الفاخر من القمح هو المسؤول الأول عن السمنة، وبالتالي أمراض القلب وتصلب الشرايين والسكر وارتفاع ضغط الدم، فيجب علينا أن نعيد حساباتنا فيما نأكل من خبز.

         فالخبز من دقيق الشعير غذاء ووقاية ودواء، والعرب - خاصة البدو - كانوا يعتمدون على رغيف الخبز من الشعير، وهو خبز صحي، يمنحهم القوة والنشاط ويعينهم على تحمل ظروف الحياة الصعبة، ويحميهم من كثير من الأمراض.

       إن المركبات الكيميائية والعناصر الغذائية والفيتامينات والمعادن والموجودة في دقيق الشعير كافية لجعل خبز الشعير أصح وأصلح من غيره.

        لقد أهملنا الشعير الذي أوصانا به الرسول [ الذي هو أعلم بما يصلحنا ويداوينا {وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما} (النساء: 133)، وللأسف اهتم به الغرب، لما عرفوا من أهميته العلاجية وفوائده الصحية، أما نحن فقد أهملنا هذا المحصول مع أمر رسول الله [ به.

       وفي مصر تنحصر قيمة الشعير في أنه محصول علف للحيوانات، مع أن محصول الشعير يمكن أن يدخل في صناعات عديدة، مثل صناعة النشا.. إلخ.

        وكذلك يتميز الشعير بانخفاض سعره عن حبوب القمح، لذلك اهتمت دراسات عديدة بالاستفادة من جميع أجزاء حبة الشعير، فكان من هدي رسولنا [ كما روى الإمام أحمد عن عروة عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: «ولا أكل خبزا منخولا منذ بعثه الله إلى أن قبض» (مسند أحمد).

           وعن سليم بن عامر قال: سمعت أبا أمامة ] يقول: ما كان يفضل عن أهل بيت رسول الله [ خبز السعير (الترمذي 2359 وصححه الألباني).

التلبينة وأمراض ضغط الدم

         التلبينة تحتوي على عنصر البوتاسيوم، وقد أكدت الأبحاث العلمية أن تناول الأطعمة التي تؤدي لزيادة عنصر البوتاسيوم تقي من الإصابة بارتفاع ضغط الدم>حيث إن البوتاسيوم يخلق توازنا بين الملح والمياه داخل الخلية، فما المانع من أخذ التلبينة لأنها تحتوي على الشعير حتى يزودنا بالبوتاسيوم، وكذلك يساعد على إدرار البول، فالتلبينة غذاء ودواء في الوقت نفسه.

التلبينة تذهب ببعض الحزن

أخبرنا الرسول [ أن التلبينة تذهب ببعض الحزن: «التلبية مجمة لفؤاد المريض، وتذهب ببعض الحزن» (صحيح سبق تخريجه).

ويثبت الطب الحديث أن هناك مواد لها تأثير في تخفيف الاكتئاب كالبوتاسيوم والماغنيسيوم ومضادات الأكسدة وغيرها، وهذه المواد موجودة في الشعير، ففي حالة نقص البوتاسيوم يزداد شعور الإنسان بالاكتئاب والحزن، ويجعله سريع الغضب والانفعال والعصبية وتشير الدراسات العلمية إلى أن المعادن مثل البوتاسيوم والماغنيسيوم تساعد على التخفيف من حالات الاكتئاب، وهذا ما نجده في حديث رسولنا [: «تذهب ببعض الحزن» فانظر إلى دقة تعبير رسول الله [ الذي أوتي جوامع الكلم.

       أليس هذا يستوجب الوقوف والتأمل ومراجعة حساباتنا في حياتنا كلها من غذاء ودواء ومعاملات وعبادات لنتأسى برسول الله [ ونقتدي بهديه ونعمل بالشرع الحنيف، نحل ما أحل، ونحرم ما حرم لننال سعادة الدارين.

        هكذا كان هديه [ في أكل الخبز والعلاج بالتلبينة، وهذا قليل من كثير في هدي رسول الله [ وللحديث بقية إن شاء الله.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك