رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: محمد باسل بن عبد الجبار 22 مايو، 2023 0 تعليق

التفاؤل سنة نبوية

من القواعد الأصولية والفقهية المهمة التي تدور عليها أحكام السياسة الشرعية، قاعدة اعتبار القدرة والعجز، قاعدة تفويت أدنى المصلحتين لتحصيل أعلاهما، قاعدة ارتكاب أخف المفسدتين لتفويت أشدهما، قاعدة اعتبار المآلات، وسيكون لنا مع هذه القواعد وقفات تربوية وفوائد إيمانية وفقهية، واليوم مع قاعدة اعتبار القدرة والعجز.

       إن التفاؤل من أعظم الصفات الحميدة والخصال النبيلة التي كان تحلى بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فقد كان - صلى الله عليه وسلم - متفائلا في أموره وأحواله، في حله وترحاله، وفي حربه وسلمه، وفي جوعه وعطشه، وقد كان يحب الفأل ويكره التشاؤم، ففي حديث صحيح يرويه أنس بن مالك - رضي الله عنه -، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «لا عدوى وَلَا طِيَرَةَ، وَيُعْجِبُنِي الفَأْلُ. قالوا: وما الفأل؟ قال: الكلمة الطيِّبة»(متفق عليه).

       فالمتأمل في السيرة النبوية يجد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يغرس في نفوس أصحابه بذور الأمل والتفاؤل حتى في الظروف الصعبة والأحوال القاسية، فمن تلك المواقف التي يتجلى فيها تفاؤله - صلى الله عليه وسلم - ما حصل له ولصاحبه أبي بكر وهما في طريق الهجرة وقد طاردهما سراقة بن مالك؛ فيثلج الرسول الكريم قلب صاحبه ويذَكِّره بمعية الله وعونه قائلا « لا تحزن، إن الله معنا» فدعا الرسول الله - صلى الله عليه وسلم - على سراقة فارتطمت فرسه - أي غاصت قوائمها في الأرض - في بطنها (متفق عليه)، ومنها أيضا تفاؤله - صلى الله عليه وسلم - وهو في غار حراء مع صاحبه والكفار على باب الغار يريدون الفتك بهما، فهذا أبو بكر - رضي الله عنه - يقول: «كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في الغار، فرفعت رأسي، فإذا أنا بأقدام القوم، فقلت: يا نبي الله، لو أن بعضهم طأطأ بصره رآنا، قال: اسكت يا أبا بكر، اثنان الله ثالثهما» (متفق عليه).

غزوات النبي - صلى الله عليه وسلم

      ومن أمعن نظره في غزوات النبي - صلى الله عليه وسلم - يجده متفائلا، يبث في قلوب أصحابه روح الأمل واليقين بموعود الله ونصره لعباده المؤمنين، فها هو ذا يريح قلوبهم وهو على وشك أول معركة بين المؤمنين والكفار (غزوة بدر)، ويخبرهم بالنصر وبمصرع رؤوس الكفار وصناديد قريش رغم قلة المؤمنين في العدد والعتاد.

       وفي غزوة الأحزاب، رغم كل المشكلات التي كانت تواجه المسلمين، من: حصار جماعي من مختلف قبائل العرب واليهود، وشدة الجوع العطش، وما كانوا يعانون من التعب والنصب في بناء الخندق، يصب النبي - صلى الله عليه وسلم - في قرارة نفوسهم كلمات تنبض بالتفاؤل والثقة بالله العلي القدير، فعن البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحفر الخندق، قال: وعرض لنا فيه صخرة لم تأخذ فيها المعاول، فشكوناها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فجاء فأخذ المعول ثم قال: باسم الله، فضرب ضربة فكسر ثلث الحجر، وقال: الله أكبر، أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأبصر قصورها الحمر من مكاني هذا، ثم قال: باسم الله، وضرب أخرى فكسر ثلث الحجر، فقال: الله أكبر، أعطيت مفاتيح فارس، والله إني لأبصر المدائن وأبصر قصرها الأبيض من مكاني هذا، ثم قال: باسم الله، وضرب ضربة أخرى فقلع بقية الحجر، فقال: الله أكبر، أعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذا (رواه أحمد ).

التحذير من النظرة التشاؤمية

      وفي مقابل اعتنائه - صلى الله عليه وسلم - بتعليم أصحابه وتربيتهم على التفاؤل الذي يبعث الأمل والعمل والصبر والثبات على الدين، كان يحذرهم من النظرة التشاؤمية التي تقعدهم عن العمل وتدفعهم للإحباط واليأس. فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «إذا قال الرجل: هلك الناس، فهو أهلكُهُم» (مسلم)؛ لأنه كان سببا في هلاكهم؛ حيث يأَّسهم من رحمة الله وصدهم عن الرجوع إليه بالتوبة، ودفعهم إلى الاستمرار فيما هم عليه من القنوط.

      فما أحوج الناس اليوم إلى اتباع سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم ! فهو أسوة حسنة ومثال يحتذى به في كل مناحي حياة المؤمن، وإن واقع الأمة الإسلامية وما تعانيه من البلايا والمحن وتكالب الأعداء على أعراضها ليستدعي إحياء صفة التفاؤل، تلك الصفة التي تحل بها المشكلات، وتفك بها المعضلات، وتستنير بها دروب الظلمات.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك