رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 27 أكتوبر، 2017 0 تعليق

التغيير وواقع المسلمين- الفهم الخطأ لسنة التغيير حول بلاد المسلمين إلى ساحة حروب وفتن

 

استضاف مركز عبد الله بن مسعود لتحفيظ القرآن الكريم التابع للجنة العالم العربي بجمعية إحياء التراث الإسلامي، الشيخ محمد الشريف من جمهورية مصر العربية؛ حيث قدم دورة علمية بعنوان: (السلفية ومناهج التغيير)، وكان الهدف من عقد هذه الدورة بيان منهج السلف في التغيير ولا سيما في تلك الفترة الحالكة التي تمر بها الأمة التي ماجت بكثير من التيارات الفكرية المنحرفة عن منهج السلف، وانجرف كثير من شبابها إلى تيارات العنف وجماعاته اغترارًا منهم بصحة تلك المناهج.

      وكان الهدف من عقد الدورة بيان المنهج الوسطي القائم على القرآن والسنة بفهم سلف الأمة من الصحابة والتابعين، ولاسيما والأمة الآن تمر بظروف صعبة ظهرت فيها جماعات وفرق تدعو إلى التكفير والإرهاب والخروج على الحاكم فكان لابد من عرض أهم الإيجابيات للدعوة الوسطية الحقة وكذلك عرض أهم السلبيات للمناهج الفكرية على الساحة وبيانها.

أساليب التغيير

(1) المشاركة في الشأن العام.

(2) المواجهة المسلحة.

(3)  التركيز على العمل الفردي الدعوي.

(4) إيجاد الطائفة المؤمنة.

التغيير من خلال المشاركة في الشأن العام

الاتحادات الطلابية والنقابات

     لا شك أن كثيراً من المجتمعات المسلمة تسمح أنظمتها وقوانينها بالمشاركة في جمعيات المجتمع المدني والجمعيات الخيرية والتخصصية، وكذلك الاتحادات الطلابية والنقابات العمالية، وهذه كلها مجال رحب للدعوة والعمل خدمة للمسلمين، وينبغي المشاركة فيها من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكذلك تعزيز الجوانب الإيجابية وحمايتها من الأفكار الدخيلة على مجتمعاتنا المسلمة.

المجالس النيابية

      وكذلك كثير من الدول لديها دساتير وأنظمة تسمح بالمشاركة في انتخابات المجالس النيابية من خلال المنافسة الشريفة في الانتخابات، وقد أفتى العلماء بجواز المشاركة فيها دفعًا للشر وجلبًا للخير وإقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتبني المشاريع والقوانين الإسلامية وغيرها التي تحافظ على أمن الشعوب الإسلامية واستقرارها وتقدمها.

إيجابيات الشأن العام

      وهناك إيجابيات كثيرة للمشاركة في الاتحادات الطلابية والنقابات والمجالس النيابية وأهمها تقديم النموذج الإسلامي للإصلاح، والمساهمة في التغيير في إطار القوانين والأنظمة المسموح بها وإبلاغ الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن.

سلبيات الشأن العام

     وقد تعتري المشاركة في الاتحادات الطلابية والنقابات العمالية والمجالس النيابية بعض السلبيات من أهمها: ضعف الجانب الدعوي لدى الناشطين في هذه المجالات.

       جواز المشاركة في الجمعيات والاتحادات والنقابات والمجالس النيابية وما يشبهها في إطار الدستور والقانون ذي المرجعية الشرعية، ومع إمكانية التغيير بالحكمة والموعظة الحسنة والدعوة إلى تطبيق الشريعة وسن القوانين الإسلامية ومنع المخالف لها.

       ثانيا لا يجوز المشاركة فيها إذا دعت إلى ما يخالف الشريعة صراحة وكان الغالب الأعم عليها محاربة الشريعة والدعوة إلى ما ينافي الدين الإسلامي وإقرار المحظورات والمنكرات.

المواجهة المسلحة

      ثانياً: هناك من يرى حتمية المواجهة العسكرية، ويعدون ذلك هو أولى مناهج التغيير؛ ولذلك كانت أولويات العمل عندهم هي بث روح الجهاد وإعداد العدة، ولا يفرقون بين المجتمع المسلم والكافر، ولا بين الحربي والمعاهد وكثيرًا ما يقصرون جهودهم على قتال الحكام والخروج عليهم جاهلين أن الجهاد حينما يطلق فإنه يراد به قتال الكفار، ولا ينصرف إلى غيره إلا بقرينة كجهاد النفس والشيطان، ويغفلون كذلك عن أن الخروج على الحكام ومحاولة عزلهم إذا ارتكبوا ما يستوجب العزل كالكفر البواح المقيد بالقدرة والعجز ورعاية المصالح والمفاسد وإلا تحولت ديارنا إلى ساحة حرب بين المسلمين، وهذا لا يجوز نهائياً؛ ومما لا شك فيه أن حب الجهاد فرض على كل مسلم وإن لم يكن كذلك مات على شعبة من النفاق، وأن الجهاد باق في هذه الأمة إلى يوم القيامة كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تزال عصابة من المسلمين يقاتلون على الحق ظاهرين...».

     والجهاد والإعداد له واجب على الأمة بحسب القدرة وتحقيق المصلحة، وقد مرَّ جهاد النبي صلى الله عليه وسلم بمراحل مختلفة حسب قدرتهم وقوتهم، كما أن نصوص الشريعة وغيرها وفهم العلماء يؤكد أن الجهاد لابد فيه من رعاية القدرة والعجز بنوعيه الحسي والمعنوي مع رعاية المصالح والمفاسد.

 سبيل الجهاد وصراطه

     وفي ضوء ما سبق فإن سبيل الجهاد لايكون إلا بالتزام الشرع وضوابطه ومعرفة أن الغاية لا تسوغ الوسيلة بل لابد من مشروعية الوسيلة كالغاية تماما، مع يقيننا أن التمكين ليس مقصوداً لذاته بل هو وسيلة لتحقيق عبودية الله: {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}(الحج: 41)، والواجب علينا ألا نستعجل، وأن نبدأ بما بدأ به الرسل من تربية الأفراد على معاني الإيمان الشاملة حتى توجد الطائفة المؤمنة القادرة على تحمل مسؤوليات الإسلام وواجباته ثم يكون التمكين على ما يشاء الله.

التركيز على العمل الفردي

     ثالثاً: هناك من يرى التركيز على العمل الفردي في الدعوة والتربية، ويتبنى هذا المنهج بعض الدعاة الذين يرون أن الدور الأساسي للدعاة والعلماء هو إصلاح أفراد الأمة -مع الاختلاف حول أولويات الإصلاح-؛ فبعضهم يراه في إصلاح العقيدة ونشر العلم، وبعضهم الآخر يراه في التربية على العبادة والذكر وفضائل الأعمال، ويرون أن انتشار الأفراد الصالحين في مجتمع كفيل بإصلاحه تلقائياً، ومن بين أصحاب هذا المنهج من لا يرون مشروعية العمل الجماعي أو على الأقل يحصرونه في صور محدودة لا يتعداها، ولقد حقق هذا المنهج بعض الإيجابيات منها:

      إيجاد أفراد ملتزمين ونشر العلم ومبادئ الإسلام وأحكامه بين قطاعات من الأمة، والتركيز على عدد محدود من الأفراد يمكن تربيتهم تربية جيدة من خلال المعاشرة الطويلة والمتابعة المستمرة.

       ويؤخذ على هذا الاتجاه قصور النظر إلى نوع واحد من الواجبات الشرعية، وإهمال واجبات أخرى نص عليها الكتاب والسنة، وأجمع أهل العلم على فرضيتها ووجوب السعي إلى إقامتها، مع كون الكثير من هذه الواجبات يمكن القيام به أو بشيء منه على الأقل إذا اجتمعت الجهود وتضافرت؛ إذ إن فروض الكفاية من التعلم والتعليم والحسبة وسد حاجات الفقراء والمساكين والأرامل وغيرهم وفصل الخصومات وفق شرع الله وإيصال الحقوق إلى أصحابها والسعي إلى إقامة الخلافة والجهاد وغير ذلك من فروض الكفاية المضيعة -التي استفاضت أدلة كل منها كتاباً وسنة- لا يمكن أن يقام إلا على جهة الاجتماع والتعاون الملزم، وليس المطلوب إقامته في جزء صغير من الأمة، بل الواجب شرعًا إقامة كل ذلك في كل مكان وزمان تمكن إقامته فيه، وفي كل القطاعات من المجتمع وعلى أوسع نطاق ممكن في المسجد والمدرسة والجامعة والمصنع وأصحاب المهن وغير ذلك.

الدعوة السلفية والتغيير

     وقبل أن نطرح منهج الدعوة السلفية في التغيير نقرر أن واقعنا مايزال أصغر بكثير من منهجنا، وأن حالنا أبعد عما نعلم أن يلزمنا أن نكون عليه، ولكن الواجب النصيحة، والأمل في أن يكون الجميع على الطريق المستقيم -ولو كان سيره بطيئاً لا خارجاً عنه- هو الذي يدفعنا إلى هذا الطرح؛ فمنهج الدعوة السلفية يمكن تلخيصه في الآتي:

الدعوة إلى الإيمان بمعانيه وأركانه

      أولاً: الدعوة إلى الإيمان بمعانيه وأركانه كلها، من معرفة الله بأسمائه وصفاته، والتعبد له بها وتوحيد الربوبية والألوهية، والكفر بالطاغوت، ومحاربة الشرك في كل صوره القديمة والحديثة من شرك القبور والخرافات وغير ذلك، وكذا الإيمان بالملائكة والكتب والرسل واليوم الآخر والقضاء والقدر، وما يتبع ذلك من قضايا الاعتقاد في الصحابة ومسائل الإيمان والكفر، وتحقيق الاتباع للسنة ومحاربة البدعة، وتقرير مناهج الاستدلال وتحقيق التزكية عبادة وخلقًا ومعاملة، والسير في طريق الدعوة وإقامة الدين وإعلاء كلمة الله في الأرض، كل هذا على وفق منهج أهل السنة والجماعة إجمالاً وتفصيلاً.

أصل دعوة الرسل

      نقرر أن الدعوة إلى الإيمان بهذا المفهوم الشامل هي أصل دعوة الرسل وهي الطريق الذي سار عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته؛ فهذا المنهج هو أولى الأولويات في العمل، الذي لا يتحقق أي واجب بعده دون هذا الواجب الأول، وهذا المنهج تجب الدعوة إليه بكل الطرق وتربية الناس عليه بالوسائل العامة كالخطبة والدرس الجامع والكتاب والنشرات العامة وقوافل الدعوة وغير ذلك من الوسائل.

إيجاد الطائفة المؤمنة

      ثانياً: إن إيجاد الطائفة المؤمنة الملتزمة بالإسلام -عملاً من أجله- ويكون أفرادها في خاصة أنفسهم، يؤدون الواجبات العينية عليهم في العقيدة والعبادة والسلوك والمعاملة والخلق، ويتركون المحرمات، كما أنهم ملتزمون بالتعاون المنضبط على إقامة الفروض التي خوطبت بها الأمة كل كالتعلم والتعليم قال -تعالى-: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} (التوبة: 122).

        وللعلم منزلة خاصة وأهمية كبرى في دعوتنا؛ إذ عليه تقوم، ودونه تفقد هويتها وانتماءها للسلف، ولابد أن يكون هذا الأمر على كل المستويات، للصغار والكبار للرجال والنساء وفي سائر قطاعات المجتمع، وكالحسبة والدعوة، قال -تعالى-: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (آل عمران: 104).

      ولابد في هذا الباب من مراعاة المصالح والمفاسد وفق ما تأمر به الشريعة وعلى ميزانها، وكالواجبات الاجتماعية من سد حاجات الفقراء والمساكين ورعاية اليتامى وحث الأغنياء على الزكاة والصدقة ومعاونتهم في إخراجها على ما جاء في الكتاب والسنة، وعيادة المرضى ودعوتهم إلى الله، وإحياء الروابط الأخوية بين المسلمين من اتباع الجنائز والتعزية في المصائب وإجابة الدعوات والتهنئة في الأفراح وغير ذلك.

      وكالسعي إلى إيجاد نظام المال الإسلامي لإبعاد الناس عن الربا والريبة وسائر المعاملات المحرمة، وكذا تربية الأمة على روح الجماعة برد الناس إلى أهل العلم منهم وجمعهم عليهم ونهيهم عن التفرقة، وكذا إقامة الجهاد في سبيل الله طالما وجدت مقوماته وشروطه والسعي إلى أسبابه عند العجز عنه، وكذلك تعليم الناس لزوم التحاكم إلى الشرع، وهذه وغيرها من فروض الكفاية كإقامة الجمع والجماعات والأعياد يمكن للمسلمين إذا اجتمعوا وتعاونوا على إقامتها كما أمرهم ربهم فقال: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} (المائدة: 2) أن يقوموا بأضعاف ما يقومون به الآن من غير مفسدة ولا مضرة بإذن الله.

كيفية التمكين

     ثالثاً: وأما نتيجة هذا السعي وهذا البذل والجهد، فنحن لا نوجب على الله أمرًا معينًا نعتقد حتميته ولزومه وأنه لا سبيل سواه، بل قد قص الله علينا من قصص أنبيائه ورسله من آمن قومه كلهم بدعوته بالحكمة والبيان، قال -تعالى-: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ، فَآَمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} (الصافات: 147- 148)، ومنهم من نصره الله بإهلاك أعدائه بقارعة من عنده أو بأيدي الرسل وأتباعهم، وقد جعل -سبحانه وتعالى- في سيرة نبينا صلى الله عليه وسلم هذه الأمور أيضاً، ففتح الله عليه المدينة بالقرآن، وكذا فتح عليه البحرين واليمن وكثيرًا من جزيرة العرب، كما فتح عليه مكة بالسنان، وفتح على أصحابه العراق وما وراءه والشام ومصر وغيرها بالسنان كذلك، وله الحمد -سبحانه- على كل حال.

      فالتمكين منة من الله ووعد غايته تحقيق العبودية لله -للفرد وللأمة- والأخذ بالأسباب المقدورة لنا واجب علينا والنصر من عند الله لا بالأسباب، قال -تعالى-: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (النور: 55)، وقال -سبحانه-: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} (الأنبياء: 105)، وقال -سبحانه-: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} (التوبة: 33).

 

 

 

الشيخ ابن باز: دواء الأمة الإسلامية

      إن الخروج بالعالم الإسلامي من الدوامة التي هو فيها، من مختلف المذاهب والتيارات العقائدية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، إنما يتحقق بالتزامهم بالإسلام، وتحكيمهم شريعة الله في كل شيء وبذلك تلتئم الصفوف وتتوحد القلوب.

     وهذا هو الدواء الناجح للعالم الإسلامي، بل للعالم كله مما هو فيه من اضطراب واختلاف، وقلق وفساد وإفساد، كما قال الله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} وقال -عز وجل-: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} وقال -سبحانه-: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} الآية وقال -سبحانه-: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا} والآيات في هذا المعنى كثيرة.

      ولكن ما دام أن القادة إلا من شاء الله منهم، يطلبون الهدى والتوجيه من غير كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ويحكمون غير شريعته، ويتحاكمون إلى ما وضعه أعداؤهم لهم؛ فإنهم لن يجدوا طريقاً للخروج مما هم فيه من التخلف والتناحر فيما بينهم، واحتقار أعدائهم لهم، وعدم إعطائهم حقوقهم {وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}.

 

موقف العلامة عبد الرحمن السعدى

      ذكر الشيْخُ -رَحِمَهُ اللهُ- في تفسيره تحت قولِهِ -تعالى-: {وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ} ما يُسْتَفادُ مِنْ قصّة شعيب مع قومه مِنْ فوائد، قال: ومنها أن الله يدفع عن المؤمنين بأسباب كثيرة قد يعلمون بعضها وقد لا يعلمون شيئا منها، وربما دفع عنهم بسبب قبيلتهم أو أهل وطنهم الكفار، كما دفع الله عن شعيب رجم قومه بسبب رهطه، وأن هذه الروابط التي يحصل بها الدفع عن الإسلام والمسلمين لا بأس بالسعي فيها، بل ربما تعين ذلك؛ لأن الإصلاح مطلوب على حسب القدرة والإمكان؛ فعلى هذا لو ساعد المسلمون الذين تحت ولاية الكفار وعملوا على جعل الولاية جمهورية يتمكن فيها الأفراد والشعوب من حقوقهم الدينية والدنيوية، لكان أولى من استسلامهم لدولة تقضي على حقوقهم الدينية والدنيوية، وتحرص على إبادتها وجعلهم عمَلَةً وخَدَمًا لهم، نعم إن أمكن أن تكون الدولة للمسلمين وهم الحكام فهو المتعين ولكن لعدم إمكان هذه المرتبة فالمرتبة التي فيها دفع ووقاية للدين والدنيا مقدمة والله أعلم.(تفسير السعدى:1/388)

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك