رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 7 أكتوبر، 2019 0 تعليق

التغريب والعلمنة وأثرهما على المجتمعات المسلمة (2) مفهوم التغريب

 

مركز ابن خلدون للدراسات الإستراتيجية            البحث الفائز بالمركز الأول في المسابقة البحثية الأولى للمركز

 

عقد مركز ابن خلدون للدراسات الإستراتيجية المسابقة البحثية الأولى وكانت تحت عنوان: (التغريب والعلمنة وأثرهما على المجتمعات المسلمة)، وقد فاز بالمركز الأول البحث المقدم من الباحث رامي عيد مكي بحبح من جمهورية مصر العربية، وتعميمًا للنفع تنشر مجلة الفرقان هذا البحث على حلقات، واليوم نتكلم عن مفهوم التغريب. 

 

     في الاصطلاح الفقهي نجد التغريب للزاني، قال ابن الأثير، التغريب: النفي عن البلد الذي وقعت فيه الجناية، يقال أغربته وغربته: إذا نحَّيته وأبعدته، وانطلاقاً من التعريفات المعجمية لكلمة (تغريب) فإن علماء اللغة استعملوا التغريب بمعنى التنحية والإقصاء عن الوطن، كما أن لفظ التغريب ورد في المصطلحات الفقهية بالمعنى نفسه الذي يقصده علماء اللغة، كذلك تقتصر التعاريف القاموسية على إبراز الجانب الحسي للتغريب، الذي يتجلَّى في النفي والإبعاد القسري عن الوطن والأهل، مع عدم التطرق للجانب المعنوي له الذي يفوق الجانب الحسِّي.

التغريب اصطلاحًا

     يعد التغريب من المصطلحات الحديثة، طُرح لأول مرة من جهة المستشرقين في ثلاثينيات القرن الماضي، وذلك بمعنى التعلُّق والانبهار والإعجاب والتقليد والمحاكاة للثقافة الغربية والأخذ بالقيم والنُّظُم وأساليب الحياة الغربية في شتى مناحي الحياة، وهذا المعنى قريب من دلالة الفعل غرَّب (Westernize) بمعنى جعل الأمر غربي السمة أو الثقافة، ولقدِ استخدمَ للتغريب مصطلحات ومفاهيم عدة؛ بهدف الإغراء به وإخفاء الهدف منه، مثل: المدنيَّة، والتطوُّر، والتقدُّم، والحضارة، والحياة الجديدة، والتغيير الاجتماعي، والتحديث، والتنوير وغيرها من الشعارات البراقة.

تعددت التعريفات

وقد تعددت تعريفات مصطلح (التغريب) التي منها:

- هو تيَّار فكري كبير ذو أبعاد سياسية واجتماعية وثقافية وفنية، يرمي إلى صبْغ حياة الأمم عموماً، والمسلمين خصوصاً، بالأسلوب الغربيّ؛ وذلك بهدف إلغاء شخصيتهم المستقلة وخصائصهم المتفردة، وجعلهم أسرى التبعية الكاملة للحضارة الغربية».

- «هو تيَّار فكري سياسي ثقافي يرمي إلى صبغ الدول الإسلامية بما هو غربيّ، وجعلهم أسرى التبعية الكاملة للحضارة الغربية».

- «هو حمل المسلمين والعرب على قبول ذهنية الغرب، والتخلِّي عن الدعائم الأصيلة التي تفرض ذاتِيَّة خاصة وطَابَعاً مميَّزاً للإسلام وآثاره في الثقافة والاجتماع والاقتصاد والتشريع والتربية».

- «هو حركة فكرية تستهدف طبْع المجتمع بالصبغة الغربية من خلال وسائلَ وأساليبَ مختلفةٍ، وهذه الحركة يقوم عليها مفكرون ومثقفون وكُتاب صحافة ورجال مال وأعمال».

- «هو حركة عدوانية خبيثة وخطيرة تعمل على هدم عُرى الإسلام وإقصاء المسلم عن دينه؛ ليستحسن كل ما يُصَدَّرُ إليه من الغرب الكافر من الأفكار والعادات والتقاليد والأخلاق والسلوك والقيم ويعمل بها؛ فيصبح المسلم نسخة طبق الأصل من الغربي».

- «هو مجموعة من الدراسات والأعمال والثقافات والنظم تجري حول المسلمين، وتُطبَّق حول مجتمعاتهم؛ فتؤدي بهم في النهاية إلى أن يتشبَّعوا بالفكر الغربي والحضارة الغربية المعادية للإسلام، أو يكونوا تحت تأثير هذه الحضارة؛ بحيث تحتويهم وتقضي على شخصيتهم وعلى ولائهم لدينهم».

- «هو خلق عقلية جديدة تعتمد على تصورات الفكر الغربي ومقاييسه، ثم تُحاكِمُ الفكرَ الإسلاميَّ من خلالها بهدف سيادة الحضارة الغربية وتسييدها على حضارات الأمم، ولاسيما الحضارة الإسلامية».

توافق بين المعنيين

وممّا سبق يتضح أن هناك توافقاً بين المعنيين اللغوي والاصطلاحي؛ حيث إن التغريب لغة: إبعاد الشخص عن بلده إلى بلد آخر، واصطلاحاً: إبعاد الفكر الإسلامي عن الحياة واستبدال الفكر والثقافة الغربية به، ومع ذلك يمكن ملاحظة فرق بين مفهوم التغريب لغة واصطلاحاً من خلال التفرقة بين التغريب القهري والتغريب الذاتي:

- «التغريب القهري: هو انتقال إجباري وابتعاد اضطراري، لا يملك الإنسان السلطة لرده أو دفعه، بل يُفْرَضُ عليه فرضاً، وهذا يتضح في مفهوم التغريب اللغوي».

- التغريب الذاتي: «هو انتقال اختياري، يتجلّى في الولاء لثقافة أخرى، والخروج على القيم المادية والروحية التي يؤمن بها مجتمعه، وهذا يتضح في مفهوم التغريب الاصطلاحي».

من مجموع التعريفات السابقة نستخلص الآتي:

(1) إن حركة التغريب حركة كاملة، لها نُظُمُها وأهدافها ودعائِمُها، ولها قادتها الذين يقومون بالإشراف عليها، وهي تستهدف احتواء الشخصية الإسلامية الفكرية، ومحو مقوماتها الذاتية، وتدمير فكرها، وتسميم منابع الثقافة فيها.

(2) يُعد التغريب غزوا مدروسا، يستخدم السبل كافة لكسب قضاياه وتحقيق أهدافه والوصول إلى تغيير كامل في الفكر لدى المسلمين، وجعل ولاءهم الفكري والنفسي للغرب ومُثُلِه وحضارته.

(3) يستهدف التغريب صبغ الثقافة الإسلامية بصبغة غربية، وإخراجها عن طابعها الإسلامي الخالص، واحتواءها على النحو الذي يجعلها تفقد ذاتيتها وكيانها.

(4) التغريب (Westernization) نوع من الاغتراب (Alienation) بالمعنى الاشتقاقي للفظ وهو تحول (الأنا) إلى (آخر)، أي تحول المجتمع الإسلامي إلى مجتمع غربي في التفكير والسلوك والعادات والمعاملات.

(5) إن التغريب تيار مشبوه يستهدف نقض عرى الإسلام والتحلل من التزاماته وقيمه واستقلاليته، والدعوة إلى التبعية للغرب في كل توجهاته وممارساته.

حركة غربية

     وفي ضوء ما سبق نخلص إلى أن التغريب: «حركة غربية ذات أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وفنية تستهدف إلغاء شخصية المسلمين المستقلة وخصائصهم المتفردة، وجعلهم أسرى التبعية الكاملة للحضارة الغربية؛ وذلك عن طريق استبدال الفكر والثقافة الغربية بالفكر والثقافة الإسلامية الأصيلة، أو إجراء تعديلات على مكوناتها بما يخدم الأجندات الغربية».

ويوضح هذا التعريف العديد من النقاط حول التغريب وهي:

- انتساب التغريب إلى الدول الغربية.

- بيان أن للتغريب أبعادا سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وفنية.

- بيان الهدف الرئيسي من التغريب وهو صرف المسلمين عن دينهم.

- بيان أسلوب التغريب وهو استبدال الفكر والثقافة الغربية مكان الفكر والثقافة الإسلامية الأصيلة.

-  بيان أهمية التغريب وهو خدمة الأجندات الغربية.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك