رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 27 أبريل، 2015 0 تعليق

التعليم.. ميدان الصراع الفكري مع الغرب

يجب توعية الأمة بطبيعة المؤامرة التي تحمل عنوان (تغيير المناهج وتجفيف المنابع) وتحصينها من الاختراق الفكري والثقافي

كانت أحداث الحادي عشر من سبتمبر بمثابة حقبة جديدة ونقلة نوعية في الحرب على التعليم والمناهج الإسلامية

 

أدرك أعداء الإسلام قديمًا أهمية التعليم في صياغة العقول والنفسيات؛ ولهذا فرضوا نظام التعليم الغربي على الدول الإسلامية إبان احتلالها في بداية القرن الماضي ولا يزال هذا النظام يؤدي وظيفته في معظم البلدان الإسلامية، فمن خلال صراعهم الطويل مع المسلمين في الحملات الصليبية لم ينالوا بغيتهم، ولم يحققوا هدفهم بقوة السلاح والقتال، فلجؤوا إلى تغيير استراتيجيتهم القديمة إلى أسلوب آخر عرف فيما بعد بالغزو الفكري الذي يؤدي إلى مسخ الهوية، وهدم الثوابت والقيم الإسلامية.

مخططات تدمير التعليم

      أدرك الغرب جيدًا أن التعليم هو المدخل للسيطرة على الفرد وعلى الأمة، ففكرة العلاقة بين الهيمنة والتعليم في الغرب أساسية؛ لذا فهم يحاولون الهيمنة والسيطرة والإخضاع عبر التعليم، من خلال تغيير مناهج التعليم الديني في الدول العربية وعبر القضاء على المدارس الدينية والجمعيات الخيرية التي تدعمها.

الهيمنة على مراكز تطوير التعليم

     كان أول شيء يقوم به الغرب هو استيلاؤهم على مراكز تطوير التعليم ووضع الخطط والبرامج التي تخدم أهدافهم وتحقق غاياتهم، ولم يكن الأمر سرًا، بل إنهم أعلنوا عن أهدافهم الخبيثة من خلال مؤتمراتهم، ففي مؤتمر تبشيري عقد في القاهرة سنة 1906م صرح فيه القسيس الدكتور صمويل زويمر فقال: «لقد قبضنا أيها الإخوة في هذه الحقبة من الدهر – من ثلث القرن التاسع عشر إلى يومنا هذاـ على جميع برامج التعليم في الممالك الإسلامية، ونشرنا في تلك الربوع مكامن التبشير، والكنائس، والجمعيات، والمدارس المسيحية الكثيرة التي تهيمن عليها الدول الأوربية والأمريكية».

      ويقول المبشر تكلي: «يجب أن نشجع إنشاء المدارس على النمط الغربي العلماني؛ لأن كثيرًا من المسلمين قد زعزع اعتقادهم بالإسلام والقرآن، حينما درسوا الكتب المدرسية الغربية وتعلموا اللغات الأجنبية».

من صور كيدهم

      هذه التصريحات الحاقدة تدل على ما تطفح به نفوسهم من الحقد والعداء والكراهة للإسلام والمسلمين، ولقد وضعوا برامج عملية لضرب الأمة الإسلامية في صميمها وتحطيم مقوماتها العقائدية والفكرية والثقافية والسياسية والاقتصادية وغيرها، ولقد كان التركيز شديدًا على هدم التعليم الإسلامي؛ إذ كان يتصدر أعمالهم، وقد سلكوا في ذلك طرائق وخطوات يمكن بيانها في النقاط الآتية:

 أ ـ استيلاؤهم على مؤسسات التربية والتعليم في البلدان الإسلامية:

      إن ما فرضته القوى الصليبية الاستعمارية من مناهج على الشعوب الإسلامية لم يعد خافيًا لكل من عاصر تاريخ الاستعمار البغيض في مختلف الأقطار الإسلامية، فقد وضعوا المناهج الدراسية، وأشرفوا على كل المؤسسات التعليمية، وألزموها بتدريس مناهجهم وتبني فلسفاتهم في التربية والتعليم التي تؤدي بدورها إلى تربية أجيال من أبناء المسلمين تدين بالولاء والطاعة للمستعمرين، وتنسلخ عن ولائها للإسلام وولائها لأمتها الإسلامية، وتقتبس القيم والعادات والمفاهيم وكل أنواع السلوك الذي يأتي به المستعمرون، ومن أمثلة ذلك ما قام به الفرنسيون إبان احتلالهم للجزائر، فقد قاموا بمحاولات للقضاء على التعليم الإسلامي، وفرض التعليم الفرنسي الاستعماري، لجعل الجزائر جزءًا من فرنسا، وإبعاد المجتمع الجزائري عن كل ما هو إسلامي وعربي.

 وكذلك فعلوا في المغرب؛ حيث فرضوا تعليمًا علمانيًا يستهدف غرس وتربية الولاء الكامل لفرنسا في أبناء الشعب المغربي العربي المسلم، ويتحلل من ولائه لدينه وقومه.

 ب ـ محاربة التعليم الإسلامي:

      قام الاستعمار البريطاني لمصر سنة 1882م بإغلاق المدارس، ومناهضة التعليم ومحاصرته في أضيق نطاق ثم صبغه بالصبغة الإنجليزية، فأصبحت اللغة الإنجليزية هي لغة التدريس، ثم ركزوا عداءهم على الأزهر والمعاهد الدينية التي كانت تغذي الأزهر بالطلاب، وقرروا القضاء على التعليم الإسلامي والأوقاف الإسلامية، لقناعتهم أن أعظم وسيلة لإبعاد المسلمين عن دينهم هو أن يكونوا جهالاً به، فوضعوا المخططات الماكرة لتقليص التعليم الديني تدريجيًا وإحلال التعليم اللاديني محله، وأشهر هذه المخططات الإجرامية مخطط كرومر الحاكم الفعلي لمصر أيام الاحتلال، فقد عين كرومر المستشار الإنجليزي القسيس دنلوب لوزارة المعارف المصرية، فوضع سياسة تعليمية بعيدة المدى دقيقة الخطى في القضاء على الأزهر ومعاهده وكتاتيب القرآن، ووضع نموذجاً خبيثاً للدس على الإسلام وتشويه تاريخه من خلال المناهج التعليمية؛ بحيث يضمن إبعاد التلاميذ عن دينهم واحتلال عقولهم بالأفكار الاستعمارية وإفساد أخلاقهم وتغيير طباعهم والتنكر لدينهم وأمتهم والولاء المطلق للاستعمار، ولا أدل على نجاح هذه الخطة من بقاء آثارها إلى اليوم في مصر والدول العربية عامة.

ج ـ الابتعاث إلى الخارج:

      كان من أوضح ما حرص الغرب عليه لاستكمال هذا المخطط ابتعاث الطلبة المسلمين إلى الدول الغربية خارج الحدود الإسلامية؛ بحيث يحققون من خلال ذلك عددًا من الأهداف منها: إبعاد المبتعثين عن دينهم وأمتهم وتجهيليهم بتاريخهم وعزلهم عن واقعهم، ومنها غرس قيم الغرب المادية في نفوسهم وصبغهم بها وتطبيعهم عليها، ثم يصير التطبع طبعًا مع الزمن، وينسلخ الطالب تدريجيًا عن قيمه ومبادئه، ويكون هؤلاء المبتعثون تحت عناية ورعاية الدوائر الغربية، فيصنعون منهم عباقرة وزعماء؛ بحيث يعيدونهم بعد ذلك إلى بلدانهم لتنفيذ المخططات والبرامج التي تضعها دوائر الغربية والصهيونية.

     ولقد بدأ هذا الاهتمام مبكرًا حين تم ابتعاث رفاعة الطهطاوي، وطه حسين، وقاسم أمين، وأضرابهم ممن صنعوا على عين قوى الاستعمار، وعادوا إلى بلدانهم ينعقون كالغربان بشعارات الأعداء، وينفثون سمومهم في أوساط المسلمين، ويدعون إلى السير والاقتداء بأوروبا في كل شيء والانسلاخ عن الإسلام والعروبة.

د- شن الحرب الإعلامية على المدارس والجامعات والمعاهد الإسلامية:

      بعد أن أحكم المستعمرون قبضتهم على سياسة التعليم فأفسدوه، وفرضوا من خططهم ومناهجهم وموادهم التعليمية ما يؤيد في نفوس المتعلمين احترام فكر الغرب، ويمجد حضارة المحتلين وثقافتهم من جانب، وما يزري بالفكر الإسلامي والحضارة الإسلامية والثقافة والعلوم الإسلامية من جانب آخر، شنوا حملات التضليل والافتراء على المدارس والمعاهد وأماكن التعليم في العالم الإسلامي كله، وما استعصى عليهم وعلى خططهم إلا قليل من المعاهد والمدارس وبعض المساجد كالأزهر في مصر، وبعض المساجد والدور في قليل من البلدان الإسلامية التي اهتمت بدراسة العلوم الإسلامية وعلوم اللغة العربية، فكانت هذه شجى في حلوق المستعمرين، وكانت سبباً في أن يوجه لها المستعمرون أعتى ضرباتهم بأخبث أساليبهم، فأخذ الأعداء يقللون من شأنها، ويضيقون في الإنفاق عليها، ويصادرون أوقافها، مع السخرية والازدراء بالمتخرجين منها، ويحاولون عزلها عن الحياة العامة، وتشويهها وتشويه ما تقوم على تدريسه وتعليمه في أذهان الناس، عن طريق الصحف المأجورة والأقلام الرخيصة المشتراة، وأدعياء العلم المسيطرين ممن يسارعون إلى كسب ولاء اليهود والنصارى، ولقد كان للأزهريين من ذلك النصيب الأكبر، فلقد لقي الأزهر حربًا من قبل المستعمرين وأذنابهم وأبواقهم والساخرين منه، بنكاتهم ورسوماتهم ومقالاتهم وبحوثهم وكتبهم ودراساتهم، حرباً لا هوادة فيها، فضيق المستعمرون وأتباعهم من للأحكام عليه وعلى المتخرجين فيه تضييقاً لا يزال بعضه حتى اللحظة.

حقبة جديدة

     كانت أحداث الحادي عشر من سبتمبر بمثابة حقبة جديدة ونقلة نوعية في الحرب على التعليم والمناهج الإسلامية؛ حيث كشر الغرب عن أنيابه، واستحدث آليات جديدة في إدارة هذه المؤامرة؛ حيث وضعت مظلة عامة تتحرك تحتها تلك الآليات ألا وهي مظلة (الإرهاب) ذلك المصطلح غير المعروف الذي بناء عليه أعلنت الولايات المتحدة والغرب الحرب على المؤسسات الخيرية الإسلامية، وكذا علماء الإسلام ودعاته، بل كل ما هو إسلامي فأصبح الإسلام عند الغرب مرادفًا للإرهاب!.

     ولم يكتف القائمون على الصراع بذلك بل ذهبوا إلى أن ما يفرخ (الإرهابيين) بزعمهم هي تلك التعاليم الإسلامية التي يدرسها طلاب المدارس بالدول الإسلامية ومن ثم أعلنت الحرب الدولية على المناهج الإسلامية من أجل تنقيحها من كل ما لا يريده الغرب، بل وإحلال ذلك بمادة تعمل على ترسيخ الاستسلام والخنوع والقبول بالأمر الواقع.

من السرية إلى العلنية

     ويؤكد الخبراء أن الضغوط التي تعرضت لها المنطقة العربية بهدف تغيير نظمها التعليمية – بعدها حجر أساس المنظومة الثقافية والاجتماعية- كلها كانت تجري على استحياء أو تحيطها بعض من السرية؛ وذلك قبل الحادي عشر من سبتمبر، إلا أن الغرب ولاسيما الإدارة الأمريكية، وجدت متنفسًا في تلك الأحداث، فنجحت في استغلالها لبدء حملة مفتوحة على ما تسميه (الإرهاب)، وأعلنت صراحة عن خططها الرامية إلى استبدال نظم تعليمية علمانية ترتضيها بتلك النظم القائمة بالفعل، والتي رأت أنها أرض خصبة ساعدت على تفريخ الخلايا والتنظيمات الإرهابية الإسلامية.

     وعبر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق (كولن باول) عن الهجمة الجديدة التي يجب أن يتأهب لها العالم العربي والإسلامي بالقول خلال مقابلة صحفية: «إنني مع احترامي لتقاليد دول المنطقة (العربية)! فعليها أن تعيد النظر في تقاليدها وممارساتها بهدف معرفة ما إذا كان التغيير ممكنًا»، وأضاف باول: «بالنسبة إلى الدول الصديقة لنا في المنطقة، كل واحدة لها نظامها الخاص، وكل واحدة عليها أن تحكم بنفسها ما إذا كانت تريد أن تتغير، ومدى السرعة التي ستتغير بها، ونأمل أن نستطيع التأثير عليها من حيث كيف يتحقق التغيير». 

اعتراف.!

     ومما يؤكد أن الإدارة الأمريكية باتت عازمة على تحقيق سيطرتها الثقافية على المنطقة ما جاء في أحد تقارير وزارة الخارجية الأمريكية حول تلقي بلدان في منطقة الشرق الأوسط في عام 2002 وحده 29 مليون دولار من أجل ما أسماه (جهود تغيير نظم التعليم)، وفي عام 2003 وصل الإنفاق الأمريكي في الإطار نفسه إلى ثلاثة أضعاف؛ حيث قفز إلى 90 مليون دولار!! كما شهد عام  2004 زيادة كبيرة في المبالغ المخصصة لتغيير التعليم في العالم العربي والإسلامي؛ حيث ضخت الإدارة الأمريكية آنذاك  145 مليون دولار من أجل تحويل التعليم في المدارس الإسلامية في المنطقة العربية إلى تعليم علمانيّ، خصص منها 45 مليون دولار فقط للعالم العربي والباقي خصص لبقية الدول الإسلامية.

تدخل سافر

     لقد تدخل الغرب في التعليم ووضعوا المناهج الرامية إلى سلب القرآن والدين واللغة العربية والتاريخ والحضارة الإسلامية ليبقى التعليم علمانيًا لا دينيًا، يخرج جيوشًا من العلمانيين الذين ليسوا مسلمين، ولا نصارى، ولا يهودًا، ولكن مسخًا من البشر مشوهين في أفكارهم وعقائدهم.

واجب المسلمين اليوم

     لا شك أن المسؤولية عظيمة، والأمانة ثقيلة، ولا يمكن أن تنجح الجهود في صد هذه الهجمة الشرسة إلا من خلال وعي كامل بأبعاد هذه المؤامرة وإيجاد برامج عمل واضحة، يتكاتف في تنفيذها الجميع لتستطيع الأمة مواجهة  هذه الهجمة الشرسة؛ إذ لا يكفي إبداء التألم والتأسف مع القعود والكسل، بل لابد من أمل يصاحبه جد وعمل ومن ذلك:

1 - توعية الأمة بطبيعة المؤامرة التي تحمل عنوان (تغيير المناهج وتجفيف المنابع) وتحصينها من الاختراق الفكري والثقافي.

2 - حراسة العلم ومؤسساته الإسلامية بالمحافظة على الموجود والتوسع بفتح المزيد من دور العلم ومعاهده وكلياته وجامعاته.

3- إنشاء قنوات تعليمية متخصصة في علوم الشريعة واللغة العربية يقوم عليها علماء متخصصون وخبراء، وتوجيهها إلى المسلمين لمخاطبة الشعوب الإسلامية لتوعيتها بدينها ولغتها العربية، وتحصينها من الغزو الثقافي المعادي.

4 - إحياء رسالة المسجد العلمية والتربوية، وإعادته إلى وضعه الطبيعي ليكون مكاناً للعبادة وللعلم والتعليم والتربية والتوجيه، والفتوى وغير ذلك من الأنشطة.

5- قيام كل شخص بواجبه في صد هذه الهجمة الشرسة من موقع مسؤوليته سواء البرلمانية أم الإعلامية أم القانونية أم التربوية حتى لا ندع مجالا لهؤلاء للعبث في قيمنا وثوابتنا.

     وأخيرًا: فإن الأمة بعلمائها وعقلائها وقادة الرأي والفكر فيها، يستطيعون مجتمعين أن يحققوا منجزات عظيمة، ويصنعون تاريخاً مجيدًا لهم ولأمتهم وللمجتمع الإنساني إذا قاموا بهذه المواجهة المشروعة واتخذوا لذلك الأسباب ونهضوا بمسؤولياتهم وصدقوا الله في ذلك{وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}(الحج: 40)، {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}(العنكبوت:69).

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك