التعليم الديني في الكويت.. الواقع والطموح – الحلقة الثانية – واقع مناهج التربية الإسلامية في التعليم العام والجامعي
الوثيقة الوطنية
في البداية التقت الفرقان الموجه العام السابق لمادة التربية الإسلامية، والإمام والخطيب بوزارة الأوقاف الشيخ: جاسم المسباح، الذي تحدث عن واقع مناهج التربية الإسلامية؛ فقال: تم تكوين لجنة الوثيقة الوطنية لمادة التربية الإسلامية التي تم إعداداها تحت قيادة وزارة التربية والمركز الوطني، لتطوير التعليم من خلال لجنة تطوير المنهج التي كان فيها لفيف من الأساتذة والمختصين برئاسة الدكتور: بسام الشطي –حفظه الله- ومجموعة من الإخوة الزملاء الموجهين من حملة الدكتوراة وكلية التربية وغيرهم من دكاترة كلية الشريعة والتوجيه الفني للتربية الإسلامية، وكان لي -بفضل الله عز وجل- مشاركة أنا والأستاذ: أحمد المنيفي، وعُهد إلي لجنة فرعية لوضع توصيف عام لمادة التربية الإسلامية وبفضل الله -عز وجل- وضعنا ما يُسمَّى بأسلوب الخبرة المنفصلة، والمقصود فيها أن كتاب التربية الإسلامية ينقسم إلى أقسام عدة: (مجال التوحيد أو العقيدة، علوم القرآن، علوم الحديث الشريف، السيرة النبوية العطرة، الفقه، الأخلاق)، وهذا في المراحل التعليمية جميعها ابتداءً من متوسط وثانوي، ويُضاف إلى ذلك المرحلة المتوسطة والثانوية في الثقافة الإسلامية.
السلم التعليمي
وقد روعي في بناء هذا التوصيف العام جانب السلم التعليمي الذي هو المرحلة الابتدائية خمس سنوات، والمرحلة المتوسطة أربع سنوات، والثانوية ثلاث سنوات؛ فعندما تنظر مثلًا فيما يخص مادة العقيدة للصف الأول الابتدائي إلى الصف الثاني عشر رأسياً وأفقياً، تنظر إلى المرحلة نفسها مثل ما ذكرت: (العقيدة – علوم القرآن – علوم الحديث – الفقه – السيرة – الأخلاق)؛ فكانت نموذجا كبيرا ومتميزا من أجل تيسير وضع العناوين المناسبة للمنهج الدراسي، ومن ثم كُونت لجنة بعد ذلك لوضع التوصيف التفصيلي، ثم بعد ذلك حصل مجال التأليف؛ فبناء المنهج الذي روعي فيه الأساسيات، أخذًا من قول عبد الله بن عباس: «العلم أربعة أضرب أو أربعة أنواع: علمٌ لا يُعذر أحدٌ بجهله -وهذا ما ركزنا عليه في بناء المنهج، وعلمٌ لا يعلمه إلا الله، وعلمٌ يعلمه العلماء...».
الأصالة والمعاصرة
- الشاهد: أننا ركزنا على ما لا يُعذر أحد بجهله أخذًا من رأي أهل العلم، ما أجمع عليه المسلمون، وقول الجمهور في هذه المسائل، ثم تم بناء مناهج التربية الإسلامية وما يخص كل متعلقات الثقافة الإسلامية، كل ما هو مُستجد في فقه المستجدات والمسائل المعاصرة؛ فحققنا مبدأ: (الأصالة والمعاصرة) في هذا البناء؛ استنادًا إلى القرآن والسنة، وما أجمعت عليه الأمة والقياس الصحيح.
البعد عن الخلاف
ولم نذكر حقيقة آراء المذاهب الفقهية؛ احترامًا للرأي الراجح، ومراعاةً لخصائص نمو المتعلم، المقصود: خصائص نمو المتعلم في المرحلة الابتدائية المتوسطة والثانوية، والمقصود فيها: خصائص نمو المتعلم العقلية النفسية الروحية والجسدية؛ فحققنا -بفضل الله- أهداف المنهج والرؤية الخاصة به.
منهج متميز
ومن اطلع على هذا المنهج من المرحلة الابتدائية إلى المرحلة الثانوية من الدكاترة ممن زار الكويت والمشايخ من جامعة المدينة المنورة، أثنى على المنهج وقال: منهجكم متميز جدًا، وتم بناؤه بناء صحيحا؛ ولما حوكمت هذه المناهج أيضًا -بفضل الله عزوجل- كان الثناء الطيب.
الرد على الشبهات
كما أكد المسباح على أن منهج التربية الإسلامية كان له دور كبير في الرد على كثير من الشبهات المثارة؛ حيث تناول المنهج حقوق الإنسان؛ فكانت أكثر مادة تناولت حقوق الإنسان من مناهج وزارة التربية، هي مادة التربية الإسلامية؛ حيث قمنا بعمل مسح دقيق لجميع المراحل التعليمية، من المرحلة الابتدائية، ثم المتوسطة والثانوية، وأثبتنا -بفضل لله عز وجل- أن منهج التربية الإسلامية راعى مبادئ حقوق الإنسان العالمية.
مهارات التفكير
وأضاف المسباح، من أهم الإنجازات التي تسجل لتوجيه التربية الإسلامية هي قضية إدخال مهارات التفكير في المناهج؛ حيث أصبحت الكويت الدولة الثلاثين بين دول العالم التي أدخلت مهارات التفكير في المناهج، ولاسيما المرحلة الثانوية، وهناك دورات تُعقد لتنمية مهارات الموجهين، ورؤساء الأقسام، والمعلمين حتى نؤهل المعلم ورئيس القسم والموجه في مهارات التفكير، وأيضًا القيم، والمظاهر السلوكية، وكل ما يتعلق بتطوير التربية الإسلامية.
أول كتاب تفاعلي
ويكفي مفخرة أن أول كتاب تفاعلي على الآيباد كان لمادة التربية الإسلامية في المرحلة المتوسطة، وقد قام بتنفيذه ثلاثة من الأساتذة الفضلاء هم الأستاذ بندر الحسيني موجها، والأستاذ سالم الحسينان موجها ورئيس قسم ، والأستاذ إبراهيم العنزي معلما، وهو في الحقيقة يُغني عن الدروس الخصوصية، وبفضل الله تم إنهاء الصفوف الدراسية للمرحلة الثانوية والمتوسطة فيما بعد.
منهج وسطي
وعن ادعاء بعضهم أن منهج التربية الإسلامية بعيد عن الوسطية، قال المسباح: هذه اتهامات باطلة؛ فلدينا -بفضل الله- برنامج توعوي لتعزيز الفكر الوسطي في المدارس بالتعاون مع مركز تعزيز الوسطية في وزارة الأوقاف، وهناك دورات للموجهبن ورؤساء الأقسام والمعلمين، فضلا عن محاضرات للطلبة، ونحن دائمًا نحذر من الفكر المتطرف، ونبين خطورة التأثر بهذا الفكر من خلال موضوعات دراسية، أهمها وسطية الإسلام، والفرق بين الجهاد والإفساد، والتحذير من التكفير، وحقوق الإنسان، وحقوق المرأة، وكيفية التعامل مع غير المسلم، ولم نترك شأناً من شؤون الثقافة الإسلامية إلا وتناولناه بما فيها العولمة، ومعلمو الكويت هم من مكونات المجتمع بشرائحه وأطيافه، خضعوا للتدريب، وأصبحوا مؤهلين لمهنتهم.
عادات مستحدثة
وعن دور منهج التربية الإسلامية في معالجة الظواهر السلبية والعادات المستحدثة بالمجتمع، قال المسباح: عالجنا هذه الظاهرة في مجال الأخلاق، وهو مجال مستقل يتضمن بالتفصيل خطر الانحراف الأخلاقي على المجتمع، وكيف هلكت الأمم السابقة بسبب الفساد الاخلاقي؟ فضلا عن أن لدينا لجنة تعزيز القيم الأخلاقية والسلوكية، وهي تقيم الندوات والمحاضرات والبرامج.
قراءة منصفة
ودعا المسباح الجميع إلى قراءة منهج التربية الإسلامية بإنصاف، وعدم إصدار الحكم إلا بمعرفة مسبقة صحيحة؛ حيث وجدنا من ينتقد وهو غير متخصص، وينبغي أن نتحرر من الأفكار الدخيلة؛ فديننا ليس لأهواء الناس ولنترك ما يسمى بالإسلام الشيوعي، أو الإسلام الرأسمالي، أو الإسلام الليبرالي؛ فهذه الأمور الفلسفية هي من قادت إلى الفتنة منذ أيام المأمون في العصر العباسي.
تجربة شخصية
كما التقت (الفرقان) النائب السابق د. عبد الرحمن الجيران الذي أكد في بداية حديثه أن له تجربة شخصية عمرها سبع سنوات في لجنة المناهج، وأنه قام بتصحيح الكثير من الكتب، ثم قال: عموما، التوصيف العلمي لمناهج التربية الإسلامية في التعليم العام مناهج أكثر من ممتازة، وفعلاً إذا طُبقت بطريقة صحيحة، ستؤدي إلی تحقيق مستهدفاتها، إذا توفر لها البيئة المناسبة وعوامل النجاح المطلوبة، وهذه المناهج تسير حسب التسلسل الفقهي المنهجي في تربية الفرد المسلم.
مناهج المرحلة الابتدائية
فإذا نظرنا إلى مناهج المرحلة الابتدائية على سبيل المثال، نجد أنها مناسبة لعقل الطفل، وهي تعد مناهج خفيفة، تطبيقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس: «يا غلام، إني أعلمك كلمات..»؛ فالذي في هذا السن -الغلام يعني-، ما يُثقّل عليه في مواد التربية الإسلامية، حتی تتبلور شخصيته، ويتشربها ببطء، وكما يقال: التعليم في الصغر كالنقش علی الحجر؛ فالتربية الإسلامية هي أساسيات، تضمنت أساسيات العقيدة، إيماناً بهدي النبي صلى الله عليه وسلم في تربية الصغار.
المرحلة المتوسطة
أما مناهج المرحلة المتوسطة فهي تؤهل الطالب لمرحلة البلوغ والرشد، يعني هي تعد أرقی، وتبني علی الأساس الذي وضعوه في المرحلة الابتدائية، لكن الموضوعات أوسع وأشمل.
المرحلة الثانوية
وعن مناهج المرحلة الثانوية قال د. الجيران: نستطيع القول: إنها تؤهل الطالب للمستوی الجامعي؛ فالثقافة الإسلامية التي حصّلها الشاب في المرحلة الثانوية ملائمة تماماً لفهم الحياة، وفهم الدين -موقع الدين في الحياة-، ودور المسلم فيها، ولاسيما في الجانب الاجتماعي وعلاقاته بالآخرين؛ فعموما لا ينقصنا شيء.
مستوى المعلم
وعن مستوى المعلم قال د. الجيران: فيما يتعلق بمستوى معلم التربية الإسلامية - نساء ورجالا- هو بلا شك دون مستوی الطموح، وهذا طبيعي للضعف العام، الذي يشهده العالم بأسره؛ فالعالم بأسره اليوم يشهد ضعفا في التحصيل العلمي؛ ولهذا أسباب عامة، وأسباب خاصة، وأسباب موضوعية، ليس هذا مجال البحث فيها، لكن الآن أستطيع القول: إن هناك بوادر حقيقية من وزارة التربية، ومن الدولة، ومن مجلس الوزراء، لإصلاح منظومة التعليم، وهناك مبشرات كثيرة اتُّخذت في هذا الاتجاه، ومن ضمنها إصلاح التعليم الديني ضمن إطار طبعاً هو إصلاح التعليم العام.
الطموح المستقبلي
وعن طموحه المستقبلي حول مناهج التربية الإسلامية قال د. الجيران: الطموح الذي أرجوه هو معالجة المسائل الجديدة التي طرأت علی الساحة، وسُبل الوقاية منها، ولاسيما الأحداث الأخيرة، من الممكن أن تُعالَج في مادة التربية الإسلامية، ويُعطی للمراحل الثانوية ما يناسبها، ولاسيما فيما يتعلق بأدب الحديث، وتناول جانب وسائل التواصل الاجتماعي، وكذلك الخُلق، وحسن الظن بالآخرين، ومبدأ التعاون، ومبدأ التسامح الصحيح؛ ليعكس سماحة الإسلام، وهذه موضوعات أرجو أن تُدرج في مستوی الثانوية العامة؛ لأن الشاب دائماً في هذه المرحلة تكون هذه الأمور عنده مثل الكوابح التي تكبح جموح هذا الطالب، وكذلك قبول الرأي والرأي الآخر؛ بحيث لا يكون عنيفا في طرح آرائه، وأن يتعلم أدب الحوار، وأدب الحديث، وهذا مهم أيضاً جداً، فأری أن هذه من المسائل التي يجب أن تُدرج، فضلا عن قضية المرأة والتي تحتاج أيضاً إلی بيان توضيح، ولاسيما جوانب الشبهات التي تُثار عنها، وأن الإسلام ظلمها، هذا مهم للجنسين معًا، بنين وبنات، في مراحل الثانوية؛ حتی يعرفوا كيف أن الإسلام أنصف المرأة، وحافظ علی كرامتها، ووجّهها الوجهة الصحيحة لأداء رسالتها.
يتوافق مع العقيدة السليمة
كما التقت الفرقان المعلم بوزارة التربية الأستاذ سالم الحسينان، الذي أكد في بداية حديثه أن منهج التربية الإسلامية منهج يتوافق مع العقيدة السليمة، والعقيدة الصحيحة، وهو متوافق مع طلبات المجتمع، ومع الطالب في حياته اليومية، وتناول كيف يغير الطالب حياته اليومية إلی حياة إسلامية فيها من الأفكار، وفيها من التعاليم الإسلامية والسنة النبوية؟
الوعي الديني
وعن تحقيق منهج التربية الإسلامية للوعي الديني لدى أبنائنا قال الحسينان: لا شك في ذلك؛ فالمنهج مأخوذ من كبار العلماء، وتُسيِّجُه حبكة تربوية، وهذا موجود في المنهج، في الصف العاشر الثانوي، كذلك في الصفوف الابتدائية الأولی، نلاحظ فيها كثيرا من أمور العقيدة الصحيحة، وكيف يعبد الطالب ربه -سبحانه وتعالى؟ كذلك مسائل الإيمان بالملائكة والكتب والرسل، وغيرها من أركان الإيمان الستة المعروفة، كل هذا، وكيف يتعايش الطالب مع هذا المنهج في حياته اليومية، سواء في نواحي العقيدة، أم في نواحي المعاملات، والفقه والأخلاق، وهذه الأمور مجتمعة تقدم إلى الطالب في وعاء تربوي.
مستوى المعلم
وعن مستوى معلم التربية الإسلامية من ناحية التأهيل والتدريب، قال الحسينان: معلم التربية الإسلامية مؤهل تأهيلاً جيدًا، في كثير من الوسائل التربوية التي تعطى له ليحقق أهداف المادة، وأهداف هذا المقرر الدراسي، سواءً أنشطة، أم وسائل، أم بعض التدريبات المعينة التي تساعده ليكون معلما ذا كفاءة، وهي التي يسمونها كفايات المعلم، يعطونه الحد الأدنى من بعض الأمور، لكي يمارس مهمته بطريقة جيدة وممتازة ما يسمونه (توطين التدريب)، أو (مسار التدريب)، داخل المدرسة، وهناك دورات خارج المدرسة، في مراكز التدريب، وأخرى داخل مدرسته بين المعلمين من خلال اجتماعات أسبوعية، وتدريبات أسبوعية علی المنهج، وعلی الأداء الدراسي، كذلك عملوا على تصحيح التلاوة لمعلمي التربية الإسلامية جميعهم، من باب إعادة التذكير في هذه المادة، من بعد ما صار له عشر سنوات أو ثماني سنوات متخرجا؛ فيحتاج إلی إعادة الذاكرة في بعض المواد.
الأنشطة اللاصفية
وعن عمل الأنشطة اللاصفية للتربية الإسلامية، قال الحسينان: يوجد العديد من الأنشطة اللاصفية التي تنمي الإبداع لدى الطلبة، مثل برنامج الإذاعة المدرسية، وهذا نشاط لا صفي، يُحضر في البيت لا في المدرسة، بعض الأنشطة اللاصفية، يطلب إلى الطالب التعاون مع ولي أمره في تنفيذ نشاط معين مثل: رسمة معينة تفيد المادة، يرسم مثلاً الأخلاقيات والقيم التي في المادة بصورة جيدة، بصورة خريطة ذهنية، كذلك يعمل بعض الأنشطة داخل المدرسة بالتعاون مع معلم التربية الإسلامية.
التحديات والمعوقات
وعن التحديات التي تواجه منهج التربية الإسلامية، قال الحسينان: هناك تحديات ترتبط بالطالب؛ فانشغال الطالب بالوسائل العصرية من وسائل التواصل وغيرها من المغريات لاشك تعيق الطالب عن التميز وتحقيق الريادة المطلوبة منه؛ لذلك معلم التربية الإسلامية عليه جهد كبير في غرس القيم والأخلاق، وتحصين الطالب لمواجهة هذه المغريات، وهذا يخالف تطلعات كثير من الطلبة الذين يتطلعون لمثل هذه الأمور.
وأكد الحسينان على أن هذا يعد من أكبر التحديات التي تواجه معلم التربية الإسلامية، وهو قدرته على جذب الطالب إلی الجادة الصحيحة، وإلی الأخلاق، وإلى الالتزام، وإلی حضور المسجد، والصلاة، واتباع القيم الإسلامية الرشيدة.
كذلك من التحديات التي تواجه المعلم قدرته على مواكبة الوسائل التعليمية الحديثة والسريعة، والمتجددة في كل وقت؛ فالمعلم يحتاج إلی أن يطور نفسه بطريقة سريعة؛ لأن العالم يتطور بسرعة، والمعلم جزء من هذا العالم.
لاتوجد تعليقات