رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: سحر شعير 29 نوفمبر، 2018 0 تعليق

التعليم الديني.. الاختيار الأمثل للمربي!

ما يزال قرار اختيار المؤسسة التعليمية التي يلتحق بها الأبناء من أهم القرارت المصيرية التي يتحير عندها الكثير من الآباء، وقد ينخدع بعضهم فيتأثر ببريق التعليم الأجنبي أو الخاص، ويزهد في التعليم الديني معتقدأً أن الأول سيوصل أبناءه إلى عالم التقدم والنجاح، بينما التعليم الديني لا يقدم له ذلك، وتلك والله مغالطة كبرى وخدعة يصنعها الإعلام الذي يزيف الحقائق، وموروث بغيض خلّفه الاحتلال في بلادنا العربية والإسلامية، والعكس هو الصحيح تماماً، على الرغم من أننا لا ننكر أن هناك بعض الشائعات حول التعليم الديني وأنه يصدّر الفكر المتطرف، وهناك أيضاً محاولات للتلاعب في مناهجه والتخفيف من أصالتها، إلا أنه لا يزال هو الخيار الأفضل للمربي الذي يريد أن ينشِّيء جيلاً من الأبناء الصالحين، وهو خير معين لتهيئة المناخ الإسلامي للأبناء ومواجهة المؤثرات السلبية التي يواجهها المربي اليوم، ويخشى أن تطال أبناءه.

حقٌ لهم على الآباء

     تعليم الأبناء علوم الدين حقٌ لهم على الآباء، قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (التحريم:6)، عن علي - رضي الله عنه - في قوله -تعالى- {قوا أنفسكم وأهليكم نارا} يقول: «أدبوهم وعلموهم»، وعن أبي رافع عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «حق الولد على والده: أن يعلمه الكتابة، والسباحة، والرماية، وألا يرزقه إلا طيّبا».

     وقد كان من هدْي السلف -رضوان الله عليهم- توجيه أبنائهم إلى تعلم القرآن والسنة، ومتابعة مدى تأثير هذا العلم في سلوكهم، عن سفيان الثوري -رحمه الله- أن أمه قالت له: «يا بني، اطلب العلم، وأنا أكفيك بمغزلي» فكانت تعمل – وتنفق عليه ليتفرغ للعلم، وكانت تعظه في العمل بالعلم فتقول له: «يا بني إذا  كتبت عشرة أحرف، فانظر: هل ترى في نفسك زيادة في خشيتك وحلمك ووقارك، فإن لم تر ذلك، فاعلم أنها تضرك، ولا تنفعك».

ثم سارت أجيال المربين تؤكد على هذا المنهاج، قال الحافظ السيوطيُّ -رحمه الله-: «تعليمُ الصبيانِ القرآن أصلٌ من أصول الإسلام، فينشؤون على الفطرة، ويسبق إلى قلوبِهِم أنوارُ الحكمة قبل تمكن الأهواء منها، وسوادها بأكدار المعصية والضلال».

     وقال ابن خلدون: «تعليمُ الولدان للقرآن شعارٌ من شعائر الدين، أخذ به أهالي الملة، ودرجوا عليه في جميع أمصارهم، لِمَا يسبق إلى القلوب من رسوخ الإيمان وعقائده، بسبب آيات القرآن، ومتون الأحاديث، وصار القرآن أصلَ التعليمِ الذي بُني عليه ما يُحَصَّلُ بَعْدُ من الملكات».

لماذا إلحاق الأبناء بالتعليم الديني؟

إن التحاق الأبناء بالمدارس الدينية منذ بواكير طفولتهم يوفرلهم وللمربي الكثير من المميزات، مثل:

الصبغة الإسلامية

-استغلال مرحلة الطفولة المبكرة في اصطباغ نفس الابن بالصبغة الإسلامية الأصيلة؛ فهو يتعايش يومياً مع القرآن الكريم استماعاً وتلاوةً وترديداً وحفظاً، ثم يقضي باقي يومه في رحاب الشريعة المتنوعة، إلى جانب العلوم الثقافية التي يدرسها زملاؤه في المدارس الأخرى، فهو إذن يمتاز عليهم بتلك العلوم الشرعية التي تنير عقله، وتبني أفكاره وفق التصور الإسلامي لكل جوانب الحياة، وتربيه على الأخلاق الإسلامية القويمة.

الحفاظ على الهوية

- الحفاظ على هوية الأبناء الدينية، وأصالتهم الإسلامية، وذلك بسبب التأثير الكبير للمدرسة على شخصية الابن؛ فهو يقضي فيها نصف يومه تقريباً، ويتأثر بما يتضمنه المنهج الدراسي الذي تتبناه المدرسة في أفكاره وسلوكه وأخلاقه.

الوقاية من الفكر المنحرف

- وقاية الأبناء من الفكر المنحرف بأنواعه، وكذلك حفظهم من الميوعة والانحلال الأخلاقي، من خلال تلقي التعليم الديني المؤسس على علوم القرآن والسنة النبوية الصحيحة الذي يبني لديهم تصورات صحيحة تُعلي سماحة الإسلام وسعته، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:»إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلاَّ غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَىْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ « - رواه البخاري - يقول العلامة ابن السعدي -رحمه الله-: «ما أعظم هذا الحديث وأجمعه للخير والوصايا النافعة والأصول الجامعة! فقد أسّس - صلى الله عليه وسلم - في أوله هذا الأصل الكبير، فقال: «إن الدين يسر» أي: ميسر مسهل في عقائده وأخلاقه وأعماله، وفي أفعاله وتُروكه».

حمل لواء الشريعة

     تأسيس جيل متخصص في علوم القرآن والسنة، يحمل لواء الشريعة، ويبثّ العلم الصحيح في المجتمع، ويدعو إلى الله -تعالى- بالحكمة والموعظة الحسنة، وينفي عن الأمة الأفكار الخطأ ودعاوى التطرف والغلو؛ فبقاء أهل العلم أمان لأمتنا من الجهل والضلال، قال - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله لايقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بموت العلماء حتى إذا لم يُبق عالما اتخذ الناس رؤوسًا جهالا فسُئِلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا»، وتأسيس هذا الجيل من العلماء لا يتحقق بمجرد إلحاق الأبناء بحلقة لتحفيظ القرآن الكريم في أحد مساجد الحي، ولكن بالدراسة الأكاديمية المتخصصة التي تخرّج علماء متخصصين، وورثة للأنبياء والمرسلين.

حماية من الفوضى الفكرية

     التعليم الديني الأكاديمي ضابط لفوضى المعلومات الدينية المرتجلة عبر وسائل الاتصال الحديثة، التي يتخبط فيها كثير من أبنائنا الشباب والمراهقين؛ فالأصل أن المسلم يرجع إلى أهل العلم إذا عرض له ما يجهل حكمه؛ ليحصل على المعلومة الصحيحة الدقيقة، كما أمرنا الله -تعالى-: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} وفي عصرنا الذي يشهد انفتاحاً كبيراً في تقنية المعلومات عبر شبكات الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، أصبح الشباب الناشيء يعتمدها مصدرا للمعلومة الدينية سريعة الانتشار وغير الدقيقة ولا الصحيحة في الوقت ذاته، وقد لا يهتدي هؤلاء الشباب إلى المصادر العلمية الموثوقة للمعلومة الدينية والفتوى على شبكة الانترنت، فيصبح توسيع قاعدة الملتحقين بالتعليم الديني من الأجيال الجديدة هو الحل الأمثل لتلك الأزمة.

خدمة جليلة

وأخيراً عزيزي المربي، إنك بتوجيه أبنائك إلى التعليم الديني تقدم خدمة جليلة لثلاث:

لولدك: إذ تغرس فيه بذور الصلاح من علوم القرآن الكريم والسنة الشريفة.

ولمجتمعك: إذ تقدم له أفراداً تم إعدادهم علمياً ليكونوا مصلحين ودعاة إلى الله -تعالى- على بصيرة، يحملون لواء الشريعة المباركة.

ولنفسك: فتلك والله هي التجارة الرابحة؛ فصلاح ولدك وبثّه للعلم النافع يكون مسطوراً في سجل حسناتك، ويرفع درجاتك عند الله -تعالى.

 

ما الحل عندما يكون التعليم الثقافي في المدارس الدينية ضعيفاً؟

استشارة: بعض المدارس الدينية يكون التعليم الثقافي ضعيفاً، فهل أعدل عن إلحاق أبنائي بها لهذا السبب؟

الإجابة:هذا السبب – وإن صحَّ أحياناً - لا يعد مسوّغاً للعدول عن إلحاق الأبناء بالمدارس التي تقدم لهم التعليم الديني؛ وذلك للأسباب الآتية:

- المميزات التي يحصل عليها الأبناء إذا التحقوا بمؤسسات التعليم الديني أكثر بكثير من السلبيات الموجودة في تلك المؤسسات؛ فهي تستهدف في الأساس تكوين نموذج للشخصية المسلمة الصالحة التي يعود صلاحها على نفسها ومجتمعها وأمتها، كما أنها تؤسس الكوادر العلمية القوية في مجال العلم الشرعي، الذي لا يستغني عنها المجتمع المسلم، ولا الأقليات المسلمة أوالمسلمون الجدد في الدول غير المسلمة كذلك.

- بإمكان المربي أن يتدارك هذه السلبية من خلال الاستعانة بالمدرسين المتخصصين لإعادة شرح تلك المواد الثقافية، الأمر الذي يحتاج إليه الطالب غالباً سواء كان ملتحقاً بهذه المدارس الدينية أم بتلك التي تقتصر على العلوم الثقافية فقط بوصفها منهجا رئيسا لها.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك