التعصب المذموم وأثره السيئ
التعصب من أعظم الموانع التي منعت كثيرًا من المشركين قبول دعوة الرسول - صلى الله عليه وسلم - مع قناعتهم بأدلته وبراهينه وحججه ومعجزاته، لكنهم كان يكبر عليهم ويشق عليهم أن يفارقوا دين آبائهم وأسلافهم، كما قال -سبحانه وتعالى- عن المشركين {بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ}، {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ}.
كما أن التعصب المذموم من أسباب تمزق الأمة وتشرذمها وهوانها على الناس، وجعل بأسها بينها شديد؛ لذا نهى الله -عز وجل- عنه وعن التفرق والتحزب والتعصب لغير الحق، قال -تعالى-: {وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}.
ومجتمعنا كغيره، يعاني من بعض مظاهر التعصب المذموم، ومنها على سبيل المثال لا الحصر التعصب لبعض الأشخاص والجماعات المنتسبة للدعوة إلى الله عزوجل، والتعصب للقبيلة أو للحزب أو للجنس أو للإقليم أو للرياضة، فتجد من يتابع فلانا من الناس، أو يتابع الجماعة الفلانية فيما خالفوا فيه الكتاب والسنة ومعتقد السلف الصالح، لا يقبلون من أحد نقدهم بالحجة ولا بيان باطلهم بالأدلة، بل يجابهون من يرد باطلهم بالأوصاف الذميمة كالكذب، والحسد، والإقصاء، والعمالة ونحو ذلك من الأوصاف والمجازفات، يرون باطل متبوعيهم ويرون الأدلة التي تدينهم، ومع ذلك لا يقبلون من الحق شيئا، حتى يُخيل إليك أنهم يعتقدون في متبوعيهم أنهم معصومون لا يخطئون أبدًا، وهذا من أسوأ أنواع الغلو والعياذ بالله.
وأما التعصب للقبائل والدول فهو مذموم، فأخوَّة الدين والإسلام تفرض على المسلمين كلهم أن يكونوا إخوة، يتراحمون، ويتوادون، ويتعاطفون، ويكونون كالجسد الواحد لا أن يكونوا أعداءً يتسابون، ويتلاعنون، ويتقاتلون؛ فالله -عز وجل- جعل الناس شعوبا وقبائل ليتعارفوا ويتعاونوا على البر والتقوى، لا أن يتفاخروا ويتناحروا، قال -سبحانه-: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ، إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}.
ومن التعصب المذموم التعصب الرياضي، الذي يحمل على التنابز بالألقاب والتراشق بالسباب والسخرية وتبادل الاتهامات، بل ربما وصل بأصحابه إلى حد تطليق الزوج لزوجته، أو هجران الصديق لصديقه، أو ربما وصل إلى العدوان الجسدي بين أنصار فريق وفريق. لقد حذر الله -عز وجل- من كل ما يسبب الشقاق والعدواة بين المسلمين، بل حثنا -سبحانه- أن نكون متآلفين متوادين متحابين في جلاله كما قال -سبحانه-: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}.
وكذلك حذرنا النبي -صلى الله عليه وسلم - من العصبية فقال -صلى الله عليه وسلم -: «ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منا من قاتل عصبية، وليس منا من مات على عصبية» أخرجه أبو داود. وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - خطب الناس يوم فتح مكة فقال «أيها الناس، إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وتعاظمها بآبائها، الناس رجلان: بَرٌّ تقي كريم على الله -عز وجل-، وفاجر شقي هين على الله -عز وجل-، الناس كلهم بنو آدم، وخلق الله آدم من تراب، قال الله -تعالى- {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى، وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}» أخرجه الترمذي، والله اسأل أن يصلح أحوالنا جميعًا.
لاتوجد تعليقات