رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.بسام خضر الشطي 3 مارس، 2017 0 تعليق

التعايش مع الآخرين

     عندما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة المنورة، كان فيها اليهود وبعض النصارى، وبقايا من عبدة الأصنام، وملل أخرى؛ فاستطاع أن يكون الدولة الإسلامية الأولى بتحقيق العدل، والكل كان يتمتع بحقوقه ويؤدي واجباته، وكان إبرام العهود والمواثيق والالتزامات الأدبية بالأخلاق. والإسلام لا يلغي الآخرين  على الإطلاق، ولكن يدعوهم ولا يكل ولا يمل، قال تعالى: {وقل الحق من ربكم} والناس مختلفون، قال تعالى: {ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولايزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم}؛ وقد سلك رسول الله صلى الله عليه وسلم السلوك القويم مع غير المسلمين، من وضع الأمان والسماح لهم بالعمل وممارسة عباداتهم، ألزمهم بالحشمة، واحترام الشعائر الإسلامية، والأمانة وعدم الخيانة، والمحافظة على الأمن، وعدم إيذاء أحد، واستخدم النبي صلى الله عليه وسلم في الهجرة عبدالله بن أريقط، وكان غير مسلم، وكان غلاماً يهودياً يخدمه، وكان يتاجر معهم النبي صلى الله عليه وسلم حتى إن درعه صلى الله عليه وسلم مرهون عند يهودي بثلاثين صاعاً من الشعير، وكان يحكم بينهم بالعدل، قال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ ۚ وَلَا تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا}(النساء: 105)، وكان يبرهم ويقسط إليهم: {لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}(الممتحنة: 8).

     وشدد رسول الله صلى الله عليه وسلم على حسن معاملة المسلم للمسلمين وغير المسلمين، والعدل معهم وإعطائهم حقوقهم، فقال: «من قتل معاهَدَا في غير  كُنهه حرم الله عليه الجنة» أخرجه أحمد.

وقال في موطن آخر: «ألا من ظلم معاهدا، أو انتقصه، أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس، فأنا حجيجه يوم القيامة» أخرجه أبو داود.

     فالتعايش لا يعني الذوبان وضياع الهوية والذل والاستكانة له، بل يعني احتراماً متبادلاً ومعرفة كل طرف ما له وما عليه، وقد وعى الفاتحون بعد ذلك تلك المعاملات التي وجه إليها سيدنا الرسول صلى الله عليه وسلم فكانوا يأمرون  بعدم قتل الطفل أو المرأة، أو الشيخ الكبير، أو الرجل في صومعته، وألا تهدم، أو لا تؤذي، وأن يعرض عليهم الإسلام، ولا تقتل إلا محاربا وقد بدأك بالحرب؛ فلما فتحت سمر قند عام 99هـ أرسل أهلها رسالة إلى الخليفة عمر بن عبدالعزيز، فلما وصلت إليه وقد أخذ طينا يسد به ثلمة في الدار ومعه زوجته تناوله ذلك الطين ثم استلمت الرسالة، وكتب على ظهر الورقة من عمر بن عبدالعزيز إلى عامله في سمرقند أن انصب قاضيا ينظر فيما ذكروا ثم ختمها  وناولها، يقول رسول سمر قند: فلولا أني خشيت أن يكذبني أهل سمر قند لألقيتها في الطريق، ولم أتوقع أن هذه الكلمات أخرجت الجيوش؛ حيث تم تعيين القاضي (جُمَيْع بن ماضر الباجي)  لينظر في شكواهم، ثم اجتمعوا في يوم فاستمع منا ومن خليفة قتيبة بن مسلم؛ لأن قتيبة قد مات وقتها، فقالوا: لم يدعنا إلى الإسلام، ولم يمهلنا لننظر في أمرنا، فقال القاضي: ماذا تقول؟ قال: لقد كانت أراضيهم خصبة وواسعة فخشى قتيبة إن أذنهم وأمهلهم أن يتحصنوا عليه، قال القاضي: لقد خرجنا مجاهدين في سبيل الله وما خرجنا فاتحين للأرض أشراً وبطراً، ثم قضى بإخراج المسلمين على أن يؤذنهم القائد بعد ذلك، وفقا للمبادئ الإسلامية؛ فخرج الجيش كله ثم دعاهم إلى الإسلام، أو الجزية أو القتال؛ فلما رأى أهل سمر قند ذلك، قالوا: هذه أمة حُكمُها رحمة ونعمة؛ فدخل أغلبهم في دين الله، وفرضت الجزية على الباقين. فلابد أن يعي الجميع محاسن الدين في عرضه، وإدراك حسن التعامل والعيش الآمن، واحترام الحقوق وأداء الواجبات.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك