رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.أحمد الجسار 28 ديسمبر، 2020 0 تعليق

التعاون واجتماع الكلمة من أسباب القوة الإيمانية


قال الله -تعالى-: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (آل عمران 103)، إن مما عرفه الناس في حياتهم أن الاجتماعَ قوةٌ ومهابة، والتفرقَ ضَعْفٌ ومهانة.

     والآياتُ القرآنيةُ والأحاديثُ النبويةُ التي تؤكدُ هذا المعنى كثيرة، قال -تعالى-: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} (المائدة 2)، وقال -سبحانه-: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} (الحجرات 10)، وقال -عز وجل-: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (الأنعام 153)، وقال -تعالى-: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (آل عمران 105)، وقال جل قولُه: {وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (الأنفال 146).

     وقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ المُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا» (متفق عليه)، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «مَثَلُ المُؤْمِنِينَ في تَوادِّهِمْ، وتَراحُمِهِمْ، وتَعاطُفِهِمْ مَثَلُ الجَسَدِ إذا اشْتَكَى منه عُضْوٌ تَداعَى له سائِرُ الجَسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى» (متفق عليه)، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «المُسْلِمُ أخُو المُسْلِمِ، لا يَظْلِمُهُ، ولا يَخْذُلُهُ، ولا يَحْقِرُهُ» (رواه مسلم)، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «ولَا تَخْتَلِفُوا، فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ» (رواه مسلم)، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «لا تَباغَضُوا، ولا تَحاسَدُوا، ولا تَدابَرُوا، وكُونُوا عِبادَ اللهِ إخْوانًا» (متفق عليه)، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «يدُ اللهِ مع الجماعَةِ» (رواه الترمذي).

وقال عبدُاللهِ بنُ مسعودٍ - رضي الله عنه -: «الخِلافُ شَرٌّ»، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «يَا أَيُّهَا الناسُ، عليكم بالطاعَةِ والجماعَةِ، فإِنَّها حَبْلُ اللهِ الذِي أَمَرَ بِهِ، وَإِنَّ مَا تَكْرَهُونَ في الجماعَةِ خيرٌ مِمَّا تُحِبُّونَ في الفُرْقَةِ».

مصالحُ الدينِ والدنيا

     ومثلُ هذه النصوصِ كثيرٌ في شريعتنا، من قول الله -عز وجل-، ومن قول نبيه - صلى الله عليه وسلم -، ومن أقوال الصحابةِ والتابعينَ الذين عَلِمُوا أن مِن أعظمِ غاياتِ الشريعةِ الإسلامية: اجتماعَ الكلمةِ وائتلافَ القلوب؛ لأنه بالتآلفِ واجتماعِ الكلمةِ تتحقق مصالحُ الدينِ والدنيا، ويتحققُ التناصرُ والتعاونُ واجتماعُ الأمةِ والمصلحةُ العامة.

سببٌ عظيم للنجاح

     إن التعاونَ سببٌ عظيم لنجاح أيِّ اجتماعٍ بشري، ومطلبٌ جليلٌ في شريعتنا، فأوجبت على المسلمين من الترابطِ والتعاونِ والتراحمِ والتلاحمِ ما تَحْرُمُ بسببه كلُّ أسبابِ الفُرقةِ والخلافِ والنزاعِ، ذلك أن الترابطَ والتعاونَ هما من أعظمِ أسبابِ الرُّقيِّ والتنمية، والوقوفِ كالصخرةِ العظيمةِ الراسية، تأتيها أمواجُ الفتنِ العاتية، فتتحطمُ عليها، والصخرةُ صامدةٌ باقية.

من أعظم أسباب القوة

إن التعاون والتعاضد والتكاتف من أعظم أسباب القوة، ألا يفعل الإنسانُ ذلك في دنياهُ ليحصُلَ على القوة المطلوبة فيجمعُ الأعوادَ في حُزْمَةٍ واحدةٍ فتزدادُ قُوَّتُها وهي مجتمعة؟!

تأبى العِصِيُّ إذا اجتمعن تكسرا

                                             وإذا افترقن تكسرت آحــادا

بل حتى الحيواناتُ تدرك بغريزتها وفطرتِها أنها قوية باجتماعها وتناصرها، وأنها إن انقسمت هانت وذلت؛ فترى الحيواناتِ والطيورَ تسيرُ جماعاتٍ وأسرابا، والنحلَ والنملَ يجتمعُ لبناء مملكةٍ منظمة، ويقوم على شؤونها في تعاونٍ وانتظامٍ عجيب.

نعمة عظيمة

     ولذلك فلنعلم أننا بتماسكنا وتعاوننا والتفافنا حول ولاة أمرنا نعيش -بفضل الله تعالى- في نعمة عظيمة، فعلينا ألا ندع مجالا لأحد أن يخرق صفنا، أو أن يفرق جمعنا، أو يفك لُحمتنا؛ فإن من أعظم مقاصد أعدائنا تفريقَنا ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ الشَّيْطانَ قدْ أيِسَ أنْ يَعْبُدَهُ المُصَلُّونَ في جَزِيرَةِ العَرَبِ، ولَكِنْ في التَّحْرِيشِ بيْنَهُمْ» (رواه مسلم)، فعلينا أن نشكر نعمةَ الله علينا بالالتحام والوئام، في هذا البلد الطيبِ بلدِ الخيرِ والأمانِ والسلام، فشكرُ النعمةِ موعودٌ بالمزيد، وكفرُها عليه شديدُ الوعيد: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} (إبراهيم 7).

النجاة والبركة في الجماعة

     ولنعلم أن النجاةَ والبركةَ في الجماعة، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الجماعةُ رحمةٌ، والفُرقةُ عذابٌ» (رواه أحمد). وقال - صلى الله عليه وسلم -: «عَلَيْكُمْ بِالجَمَاعَةِ، فَإنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ القَاصِيَةَ» يعني: من الغنم (رواه النسائي). فَلَا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ، {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} (الأنفال 46). واشكروا نعمةَ الله أيها المؤمنون، {وَاشْكُرُوا للهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} (البقرة 172).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك