الترويج للروايات الطائفية وجنايتها على التاريخ والأمة
باسم الله, والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه قد يسر الله سبحانه وتعالى لي قبل فترة كتابةَ مقالةٍ تعريفيةٍ موجزةٍ حولَ زينب ابنة علي وفاطمة رضي الله عنهم، وحولَ حقيقةِ ما نُسب إليها من أضرحةٍ ومراقد، إلا أنني وقت كتابة تلك المقالة لم أكن قد جزمت برأيٍ حول شهودها لاستشهاد شقيقها الحسين رضي الله عنه لا بنفي ولا إثبات إلا من خلال بعضِ الروايات التي ألمحتُ إلى ضعفها، إما من خلال الإشارة إلى مصادرها، أو من خلال ذكر راويها وهو ضعيف متروك؛ حيث كان ذلك بغرض الإشارة إلى أنه - مع ضعفها - يمكن أن يستفاد من بعض ما ورد فيها للرد على قوم ممن يعتاشون على أسماء أهل البيت الكريم لإثارة الفتنة والطائفية {في كُلَّ عامٍ مرةً أو مرتين ، ثم لا يتوبون ولا هم يَذَّكَرُون } .
ثم إنني لما أردت أن أشرع في كتابة مقالة أخرى حول شقيقة زينب ، وهي أم كلثوم بنت علي زوجة عمر بن الخطاب وأم ولده زيد بن عمر رضي الله عنهم ورحمهم أجمعين، وقَفْتُ من خلال سيرتها على بعض الأمور التي تُرَجِّح أن أم كلثوم لم تشهد ولا شقيقتها زينب حادثةَ كربلاء أصلاً ، وقد بَنَيْتُ هذا الترجيحَ على مُقَدِّماتٍ إذا ثبتت فإنها ستقود بشكلٍ حتمي إلى هذا الرأي، فأحببت أن أنشرها في مجلة الفرقان جزى الله القائمين عليها خير الجزاء:
1 – المقدمة الأولى: أن عبد الله بن جعفر تزوج زينب :
يتفق المؤرخون والنسابة على أن زينب تزوجت من ابن عمها عبد الله بن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنهم، وثبت ذلك بأسانيد صحيحة وهو مما تتابع على ذكره المؤرخون كما في مصادر كثيرة أثبتت ذلك مثل: تغليق التعليق لابن حجر (4/ 400)، طبقات ابن سعد (8/ 465)، تهذيب الكمال للمزي (1 / 191)، تاريخ ابن عساكر (3/179، 43/ 14 ، 69 / 176)، سير أعلام النبلاء (2/ 125).
2 – المقدمة الثانية : أن عبد الله بن جعفر تزوج أم كلثوم بعد وفاة شقيقتها زينب :
كما يتفق المؤرخون على أن عبد الله بن جعفر تزوج أرملة عمر بن الخطاب أخت زوجته، وهي أم كلثوم بنت علي رضي الله عنهم، علماً بأن هذا الزواج مسبوق بزيجات أخرى لأم كلثوم وهو ما عليه عامة المؤرخين ومنهم مصعب الزبيري، وهو المقدم في معرفة أنساب قريش في كتابه نسب قريش (ص 25)، طبقات ابن سعد (8/ 463)، محمد بن حبيب البغدادي (متوفى 245هـ) في كتابه المحبر، تاريخ ابن عساكر (3/179)، كتاب الإخوة للدارقطني نقلاً عن الإصابة للحافظ ابن حجر (8/ 294) ، وتهذيب التهذيب (8 / 324) للحافظ أيضاً.
وزواج عبد الله بزينب أقدم من زواجه بأم كلثوم لاعتبارات عدة من أهمها: أن زينب هي أم أكبر أبناء عبد الله مثل (جعفر الأكبر) وبه كان يكنى عبد الله رضي الله عنه، كما أن أم كلثوم - بعد استشهاد عمر - تزوجت عون ابن جعفر ثم محمد بن جعفر ثم أخيراً عبد الله بن جعفر كما نقل ذلك محمد بن إسحق (في السيرة ص250) عن أبيه عن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، وكل ذلك مما يشير إلى تأخر زواجها إلى ما بعد وفاة شقيقتها التي ماتت عند عبد الله بن جعفر، إضافة لعدم وجود خلاف – فيما أعلم - بين المؤرخين والنسابة أن زواج عبد الله بن جعفر بزينب كان هو المتقدم وزواجه بأم كلثوم كان هو المتأخر . وانظر : طبقات ابن سعد (8/ 463)، البداية والنهاية (5/ 309)، المنمق في أخبار قريش لمحمد بن حبيب (ص 312) ، وما أخرجه الدولابي رحمه الله من الروايات المُسندة في «الذرية الطاهرة (ص 62 ، 117 وما يليها) .
3 – المقدمة الثالثة: أن أم كلثوم توفيت قبل حادثة كربلاء:
وذلك أن وفاتها كانت أيام إمارة سعيد بن العاص على المدينة النبوية كما ثبت في سنن النسائي (1978) بإسناد على شرط الشيخين أنه : «وُضِعَتْ جنازة أم كلثوم بنت علي امرأة عمر بن الخطاب وابن لها يقال له زيد وضعا جميعا والإمام – يعني الأمير - يومئذ سعيد بن العاص ، وفي الناس ابن عمر وأبو هريرة وأبو سعيد وأبو قتادة»، وقد توفي أمير المدينة سعيد بن العاص عام 59 هـ كما أن إمارته على المدينة بين ربيع الأول سنة 49 وسنة 56 هـ حيث عُزل عن إمارة المدينة قبل وفاته بسنوات قليلة كما في سير أعلام النبلاء للذهبي (3/ 502) والبداية والنهاية لابن كثير (8/ 87).
وأبو هريرة رضي الله عنه قد توفي قبل 60 هـ قيل 57 هـ وقيل 59 هـ وكان قبل وفاته يقول: «اللهم لا تدركني سنة الستين». وانظر: سير أعلام النبلاء (2/ 626) .
كما أن أبا قتادة الأنصاري رضي الله عنه والذي شهد جنازة أم كلثوم قد توفي - كما في مستدرك الحاكم (3/ 490) - نقلاً عن حفيده يحيى بن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه عبد الله بن أبي قتادة: أن أبا قتادة توفي في المدينة عام 54 هـ، وهو ما يقوله أيضاً عدد من علماء الحديث والتاريخ كما في سير أعلام النبلاء (2/ 453)، فإذا كان أمير المدينة آنذاك ، وبعضُ من شهد جنازة أم كلثوم قد ماتوا قبل حادثة كربلاء ولم يشهدوها، فموت أم كلثوم وعدم شهودها لكربلاء يكون من باب الأولى والأحرى.
4 – النتيجة لما سبق: أن زينب لم تشهد كربلاء من باب أولى:
بعد التأمل فيما سبق نستخلص: أن عبد الله بن جعفر تزوج زينب، ثم بعد وفاتها تزوج بأختها أم كلثوم التي توفيت قبل عام 59 هـ - كأقصى حد - فتكون النتيجة البديهية هي: أن زينب توفيت قبل حادثة كربلاء من باب أولى ، رضي الله عنهم أجمعين.
وأحب أن أشير هنا إلى أنه من المؤسف جداً أن بعض مثبتي شهودها لكربلاء يتناقلون الكثير من الروايات المتضمنة للفتنة والطائفية والتكفير للمسلمين، والذين منهم من توفي قبل حادثة استشهاد الحسين كمعاوية الذي توفي قبل استشهاد الحسين بسنوات رضي الله عنهم أجمين، ولعن الخليفة الأول والثاني والثالث وهم أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم ، ووصف بعضهم طلحة والزبير رضي الله عنهما بما يُترفع عن ذكره(1)، كما أن بعضهم ينقل عن زينب – التي هي محور حديثنا - أنها لما قالت عن يزيد (يابن الطُلَقاء) - وهم الذين أسلموا يوم فتح مكة - وصفتهم زينب حسب روايةٍ مزعومةٍ: (بحزب الشيطان الطلقاء!)، فهل يُعقل أن يصدر من زينب هذا الطعن – وبالجملة - في حقِّ المجموعة التي أسلمت يوم الفتح وهل يَسُوغُ وصفهم بمثل هذا الوصف؟!
ثم هل يستطيع هؤلاء - الذين يروجون لهذه الروايات الطائفية - أن يقولوا مثلاً: بأن سهيل بن عمرو ، وجبير بن مطعم بن عدي، وعبد بن زمعة أخا أم المؤمنين سودة ، وخالد ابن أسيد الأموي، والأسود بن عوف أخا عبد الرحمن بن عوف، وعبد الله وخالد ويحيى وهشام أبناء حكيم بن حزام ، والحارث بن هشام، والسائب بن عبد الله المخزومي، وعبد الله بن أبي الجمحي وأبا هاشم بن عتبة بن ربيعة رضي الله عنهم أجمعين، وغيرهم الكثير والكثير من أبناء القبائل القرشية الذين أسلموا يوم الفتح عام 8 هـ أيُوصَفُون بأنهم من حزب الشيطان؟! وهل يعقل أن يصدر من زينب طعن جائر في حق كل هؤلاء؟ أم إن هذا الكلام ونحوه هو من دسائس دعاة الفتنة والطائفية؟!
وختاماً: أسأل الله سبحانه أن يجيرنا وبلادنا والمسلمين من كل مكروه، وأن يعصمنا من زيغ الهوى، وأن يرشدنا إلى داعي التوفيق والخير؛ فإنه لا يوفق إلى الخير سواه {ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم} وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الهامش:
(1) مع أن ابن الصحابي الجليل عثمان ابن عفان - وهو أبان بن عثمان - قد تزوج بابنة زينب وهي أم كلثوم بنت عبد الله بن جعفر بعد ابن عمها كما في «المعارف» لابن قتيبة الدينوري ص 86 ، وحفيد الزبير بن العوام - وهو حمزة بن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهم- قد تزوج بحفيدة زينب - ابنة أم كلثوم من زوجها الأول – فاطمة بنت القاسم بن محمد بن جعفر بن أبي طالب التي أنجبت لحمزة -حفيد الزبير-: أبا بكر ويحيى رحمهم الله كما في (نسب قريش) للزبيري ص241.
لاتوجد تعليقات