رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: مؤمنة عبدالرحمن 9 فبراير، 2015 0 تعليق

التربية مرة أخرى

 

     يشكو الكثيرون من اختلاف الجيل الحالي عن الجيل السابق في كثير من مناحي الحياة، وقلة تحمل المسؤولية، وسوء التصرف أحياناً. ومنبع هذه الشكوى المقارنة بين جيلين مختلفين، فالآباء يقيسون أداء أبنائهم ونجاحهم بمقاييس الجيل السابق؛ دون مراعاة لفوارق الزمن، ومتغيرات الحياة، وتقدم الاتصالات، وتعدد مصادر التعلم والتربية.

     الآباء بحاجة لفهم كل تلك الأمور؛ ليتمكنوا من قياس أداء أبنائهم، ونجاح حياة الأبناء بطريقة سليمة، تصب في مصلحة بناء الأسرة ونهوض المجتمع. فلا يمكن أطر الأبناء على معطيات الجيل السابق، كما لا يمكن جعل الحبل على الغارب، فيفقد الآباء دورهم، وتنهار الأسرة، ثم يتفكك المجتمع.

     التربية الأسرية والفكر المجتمعي محركان أساسيان للنهوض، وتكاملهما يعني نشأة الفرد بطريقة سليمة، تستطيع أن تتجاوب مع تغيرات الحياة، دون الإخلال بثوابت الدين وأعراف المجتمع وتقاليده، ولا يمكن المحافظة على السير فيهما بخطين متوازيين، ما لم يكن هنالك مشروع تربوي متكامل.

     المشروع التربوي المتكامل منبعه الأساس من المنزل، حين ينشأ الطفل نشأة مستقرة، متزنة تنمي فيه الاعتزاز بالقيم والعادات، مع الطموح في السعي نحو الأفضل، وتدفعه للنجاح عبر تشكيل منظومة قيمية ذاتية تعتمد على أصل عظيم من أصول الدين، وهو مراقبة الله -عز وجل- والخوف منه، وإخلاص العمل له سبحانه، كما تعتمد بعد ذلك على أصل مادي وهو السعي في الأرض، والضرب فيها طلباً لعمارة الدنيا.

     مع تعدد الأحداث وتسارعها، واتساع رقعة الحصول على المعلومة، فإن الجيل الحالي يسبق جيل الآباء بمراحل في الإدراك والوعي – إنْ نجح المشروع التربوي - وسيسبقه أيضاً في النهوض بالأمة وإصلاح الأرض وعمارتها؛ ولذا فإن الرهان على الجيل الحالي رهان صائب إن أحسنا التعامل معه.

     إنها دعوة لكل ربِّ أسرة أباً وأماً، ولكل معلم ومعلمة، ولكل مهتم بالتربية، ولكل مؤمِّل نهوض الأمة أن يحسنوا إلى هذا الجيل، بملء فراغه، وحسن تربيته، وتحسين تعليمه، وتهيئة البيئة المناسبة له ليبدع في إطار من الرعاية لا الوصاية، وفي جو من العناية لا المراقبة، فإن الوصاية تزول بمجرد أن يشبوا عن الطوق، والمراقبة تُخترق بأسهل الطرق عند جيل التقنية.

إن أحسنا إلى هذا الجيل اليوم، فسيذكرنا بخير حين ينهض، وسيكتب التاريخ أن التربية السليمة سر نهضته، وسنلقى ربنا وقد أدينا الأمانة بإذن الله.

التربية هي ملاذ كل الأمم – بعد الله عز وجل – للحفاظ على مكتسبات الأمة، وإقالة عثراتها، مهما حاول أعداؤها النيل منها وتحطيمها أو التقليل من شأنها.

     إنها فرصة عظيمة أن نعيد ترتيب سلم أولويات التربية في أسرنا ومجتمعاتنا، مستغلين ظروف الوقت، وتقنيات العصر، وإمكاناته الهائلة في التواصل ونقل المعلومة؛ بدلاً عن اللطم على ضياع الجيل؛ وسب التقنية، والبكاء على الماضي – الذي نراه جميلاً – ويراه الجيل الجديد ضرباً من الفقر والعوز، وسبباً في تدهور حاضره الذي يعيشه اليوم. 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك