رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: سحر شعير 19 ديسمبر، 2018 0 تعليق

التربية لا تعني العقاب!

يخطيء المربي حين يختزل عملية التربية في إنزال العقوبة على الأبناء إذا أخطؤوا، وغالباً لا يحدث ذلك إلا نتيجة تراجع المعرفة التربوية لدى المربي بقواعد التربية الإسلامية الصحيحة، وبخصائص مراحل النمو المختلفة التي يجتازها الأبناء من الطفولة إلى الرشد، وقد يرث المربي أسلوباً تلقاه في صغره، يعتمد على إنزال العقاب على كل صغيرة وكبيرة، ويتصور أن هذا هو الأسلوب الأمثل، ويريد أن يطبقه على أبنائه، إنّ هذا التصور يظلم الطفل كثيراً، ويجعل المناخ العام لعملية التربية شديد الكآبة لدى الابن الذي يتوقع دائماً العقاب، وكذلك المربي؛ حيث يشعر أنه غير ناجح تربوياً، ويظل دائماً غير راضٍ عن ولده.

العقاب ليس أساس التربية

لا يصلح أن يكون العقاب أساس التربية؛ فالتربية كلمة كبيرة ومهمة عظيمة وربانية، ولا يمكن أبداً أن تختصر في العقاب بأنواعه؛ فقبل أن نفكر في العقاب، علينا أولا أن نوفر للطفل أركان التربية الناجحة، وأهمها:

- القدوة الصالحة المنضبطة الثابتة على القيم، والمدربة للطفل على تطبيقها عملياً .

- المنهج التربوي الصحيح المستقى من تعاليم الدين الحنيف.

- معرفة حقوق الطفل وأداؤها إليه، ومعرفة حاجاته وإشباعها.

- التركيز على إشعار الطفل بالقبول والحب والتقدير لذاته.

 المربي الناجح يعاقبُ نادراً

     منذ البواكير الأولى لنضج الابن نفسياً وعقليا يشعر بحاجته الماسة لسلطة ضابطة، وموجهة له لعدم قدرته على التمييز بين الصواب والخطأ بمفرده؛ لذلك فهو يتطلع دائماً لإرشاد الوالدين وتوجيهاتهم، وليس من المقبول أبداً أن تكون السلطة الضابطة ضائعة وغائبة باسم العطف والحنان والشفقة؛  فما أُتِي الأولاد في أخلاقهم وسلوكهم إلا من غياب أو تدني هذا الدور الضابط لسلطة الوالدين داخل الأسرة، ولكن هذا لا يعني أن يتحول دور الوالدين إلى سلطة غاشمة قاهرة، لا تعرف من معاني التربية إلا الشدة والعقوبة.

 مناخ أسري دافىء

     الاعتدال يقتضي أن ينشأ الأبناء في مناخ أسري دافىء، يشعرون فيه بالحب الغامر من الوالدين وبالتقدير لذواتهم، وينعمون بالعيش داخل أسرة منضبطة لها نظام وقواعد أخلاقية ودينية ثابتة، مصدرها القدوة العملية الثابتة المتمثلة في شخص الوالدين، ولا بأس أن يستخدم العقاب للمخطىء بميزان حساس متدرج، وليكن قليلا نادراً، كنسبة الملح إلى الدقيق إذا أردنا أن نصنع خبزاً طيباً .

 المربي الأعظم

     ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة وهو المربي الأعظم، يرويها من تربى في حجره صلى الله عليه وسلم عشر سنوات، عن أنس رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مِن أحسن الناس خلقاً؛ فأرسلني يوماً لحاجة، فقلت: والله لا أذهب وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به نبي الله صلى الله عليه وسلم ؛ فخرجتُ حتى أمرَّ على صبيان وهم يلعبون في السوق؛ فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قبض بقفاي من ورائي قال: فنظرتُ إليه وهو يضحك فقال: يا أنيس أذهبتَ حيث أمرتُك؟ قال: قلت: نعم، أنا أذهب يا رسول الله، قال أنس: والله لقد خدمته تسع سنين ما علمتُه قال لشيء صنعتُه لم فعلتَ كذا وكذا، أو لشيء تركتُه هلاَّ فعلتَ كذا وكذا»(رواه مسلم).

غاية العقاب

فما أعظم هذا الموقف والأسلوب التربوي المعجز الذي يتضح منه أن غاية العقاب هي تعليم الطفل الصواب من الخطأ؛ فيتحفز تجاه الصواب، ويثبت عليه، ويمتنع عن تكرار الخطأ وينزجر عنه.

وإليكَ عزيزي المربي أهم ضوابط العقاب التربوي المثمر:

الخطأ لأول مرة

- تجنب العقاب إذا صدر منه الخطأ لأول مرة؛ لأن الطفل الصغير لا يستطيع أن يعرف الآثار التي تترتب على فعله، وذلك لقلة خبرته؛ فلا نعاقبه إلا بعد تكرار الخطأ، وعلينا محاولة إصلاحه بأساليب الثواب، ثم بأساليب العقاب، مع إرشاده للصواب والسلوك البديل.

الطفل البريء

- لا تقرر عقاباً على الطفل وهو بريء: وهذا يتطلب منا الحذر ومراعاة التيقن من أن الخطأ قد صدر من الطفل وليس من رفاقه؛ فكثير ما يلجأ الأطفال إلى الكذب الدفاعي أوالانتقامي، وقد يقدم الواحد منهم قصصاً مقنعة؛ فتتحول العقوبة إلى غيره بسببه؛ لأنه أسنّ وأقوى حجة؛ فلننتبه لذلك.

 النسيان أو الإكراه

- لا تعاقب الطفل على ما صدر منه خطأ أو نسياناً أو إكراهاً: إنّ الله -تعالى- برحمته ولطفه بعباده، قد تجاوز عنهم في الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه»(رواه ابن ماجة رقم:2043)، وهذه المواقف كثيراً ما تقع للأبناء في مراحل النمو والتعلم، والله -تعالى- عفا عن الكبار المكلفين في مثل هذه الحالات؛ فكيف بالأطفال الصغار الذين لم يبلغوا سن التكليف بعد؟!

خطأ سبب له ألماً

- لا تعاقب الطفل على خطأ سبب له ألماً؛ لأن هذه الآلام في حدّ ذاتها عقوبة بالنسبة له؛ فحسبه إذاً ما ناله من ألم، ولا داعي لتوبيخه في هذه الحالة؛ فإن ذلك يزيده ألماً، ولاسيما إذا خسر شيئاً شخصياً، كتعطل لعبته مثلاً، أو إصابته بجرح، أو لسعة من إناء ساخن، لكن لا مانع أن نشرح له أن سبب ذلك هو عدم التزامه بتعليماتنا، أو عدم اكتراثه بتحذيراتنا، وأن عليه أن يتحمل نتيجة عمله؛ فإذا كانت آلامه كبيرة، أجلنا ذلك الشرح ريثما يهدأ ويتحسن.

كثير الحركة

- لا تعاقب طفلك لكونه كثير الحركة: إنّ كثرة الحركة والنشاط من خصائص مرحلة الطفولة، وهي دليل على سلامة الطفل ونموه نموا طبيعيا؛ فليس من العدل أن نعاقبه على ذلك، أو أن نقيد حركته، لكن لا مانع من إرشاده وضبط سلوكه.

 مشكلات خارجة عن إرادته

- لا تعاقب طفلك إذا كان يعاني مشكلات خارجة عن إرادته: مثل الاضطرابات النفسية، كالخوف، أو تعثر اللسان، أو كانت قدراته العقلية دون المتوسط؛ فأدت إلى انخفاض مستواه الدراسي؛ لأن العقاب في هذه الحالة يزيد المشكلة تعقيداً، وقد يفرز مشكلات نفسية أخرى.

 الاعتراف بالخطأ

- لا تعاقب الطفل إن اعترف بخطئه، وإلا فإن الإصرار على معاقبته رغم اعترافه، سيدفعه إلى عدم الاعتراف بأي خطأ في المستقبل، بل علّمه عملياً أنّ (الصدق منجاة وإن رأيتم فيه الهلكة).

 العقاب على قدر الخطأ

- ليكن العقاب على قدر الخطأ؛ فلا نوقع العقاب الصارم على الخطأ البسيط، كما لا يصح إهمال العقاب على خطأ جسيم، أو سبق التنبيه عليه.

ولا يفوتنا – عزيزي المربي – أن نذكرك أيضاً بتجنب معاقبة الطفل، إلا بعد أن نسدي له النُّصح والتوجيه بشأنه، وأن نتغاضى عن الهفوات الصغيرة، و أن يكون العقاب بعيدًا عن إخوته والنَّاس؛ لأنَّ فيه إهانة له.

ولنعتمد أسلوب التقليل من العقوبات البدَنيَّة قدر المستطاع، في مقابل العقوبات النفسية مثل العبوس، أو الانقباض، أو الخصام، على أن يتبادل الأبُ مع الأم أدوارَ العقاب، حتى لا يتولَّد لدى الولد شعورٌ بعدم الارتياح لأحد الوالدين.

ابني كثير الحركة

استشارة: ابني كثير الحركة واللعب؛ مما يسبب ضوضاء في المنزل، كيف أعاقبه؟

- الجواب: كثرة الحركة والاشتغال باللعب يومياً من خصائص النمو الطبيعية في مرحلة الطفولة المبكرة، وهي تدل على أن الله -تعالى- قد رزقك طفلا سويّا، ينمو نموا طبيعيا، ومن أكبر الأخطاء، بل من الظلم أن تعاقبيه على شيء هو من طبيعته، وليس خطأ ارتكبه أو إساءة أدب.

وعليكِ أن تزيدي من معارفك التربوية عبر القراءة، أو مطالعة المواقع التربوية المتخصصة على شبكة الإنترنت، كي تتعرفي على خصائص مراحل النمو الطبيعية للطفل؛ وبذلك تتفهمين تصرفاته تفهما صحيحا، ومن ثمّ تتقبلينها.

كذلك عليك بالصبر؛ فالصبر سلاح المربي الناجح؛ فبغير الصبر على تطورات نمو الأبناء واختلاف تصرفاتهم تبعاً لكل مرحلة، سيكون المربي عائقا لنموهم بشكل السليم.

أخيرًا اشغلي نفسك بأشياء نافعة لتستثمري بها وقتك بجانبهم، مثل سماع القرآن الكريم، أو عمل الحلوى وما شابه؛ فيتحقق لكِ الجمع بين متابعتهم والانتفاع بوقتك، وستجدين نفسك قد هدأتِ كثيراً عن ذي قبل.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك