رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عيسى القدومي 11 يوليو، 2017 0 تعليق

التربية الوقفية لأجيالنا:مصدر قوة للمجتمع ومنهج لنقل المعرفة وحماية للأموال


يعود أصل كلمة التربية في اللغة إلى الفعل (رَبَـا) أي زاد ونما، وهو ما يدل عليه قوله -تعالى-: {وترى الأرض هامدةً فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوجٍ بهيج}؛ لذا فإن التربية في اللغة لا تخرج في معناها اللغوي عن دائرة النمو والزيادة والتنشئة.

     فمعنى كلمة التربية يدور ويتركز في العناية التامة، والرعاية الكاملة لمختلف جوانب شخصية الإنسان في مختلف مراحل حياته؛ وفي كل شأنٍ من شؤونه؛ فالتربية تدور حول الإصلاح، والقيام بأمر المتربي، وتعهده، ورعايته بما يُنميه؛ فالتربية هي عملية تكيّف الفرد مع بيئته المحيطة به - الطبيعية والاجتماعية - تكيّفاً يؤدي إلى الانسجام والتوافق في حياته وعيشه، ضمن إطار قيم ونظم الجماعة من حوله وسلوكياتها.

     والتربية الوقفية هي أحد فروع علم التربية الإسلامية الذي يتميز بمصادره الشرعية المتمثلة في القرآن الكريم، والسُّنة النبوية المطهرة، وتُراث السلف الصالح؛ وغاياته الدينية الدنيوية، ويقوم على نظامٍ تربوي مُستقل ومُتكامل، ولابد له من متخصصين يفهمون الواقع، ويجمعون بين علوم الشريعة، وعلوم التربية، وعلوم الوقف الإسلامي؛ حتى تتم معالجة قضايا الوقف المختلفة من خلاله معالجة إسلاميةً صحيحةً ومناسبةً لظروف الزمان والمكان، وإيجاد مشاريع وقفية متميزة تتناسب وحاجة العصر في المجتمعات.

     وتعريف التربية الوقفية يمكننا أن نلخصه في الآتي: هو النظام التربوي والتعليمي والتدريبي، المستمد من الكتاب، والسنة، وإجماع الصحابة، وتراث السلف الصالح في مختلف العهود الإسلامية، الذي يستهدف نشر علوم الوقف وإحياء سنته، وإيجاد المسلم المعتز بنظام الوقف الإسلامي، وغرس روح المبادرة للأعمال الوقفية، والإسهام الفعلي والمشاركة العملية في المشاريع الوقفية بالمال والتطوع والنتاج الفكري، وبث الدافعية في الفرد والجماعة للعمل من أجله، عبر مشاريع تفي بحاجة المجتمع، وتحفظ كرامة الإنسان.

أهمية التربية الوقفية

الأوقاف من أهم الموارد الاقتصادية للدولة الإسلامية، والتربية الوقفية تقوم على مستند شرعي من كتاب الله وسنة رسوله -[-، وإجماع الأمة؛ فسنة الوقف هي نظام إسلامي شُرع بالكتاب والسنة وإجماع الصحابة. ونجمل أهمية التربية الوقفية بالآتي:

إحياء لسنة الوقف

التربية الوقفية أحيت سنة الوقف، وأعادت الوقف إلى ما كان عليه، وهي تربية للنشء من أبناء أمتنا على مكانة الوقف وأحكامه وشروطه وفقهه والدور الذي قدمه للحضارة الإسلامية، وتحميلهم مسؤولية إحيائه وإعادة بنائه من جديد، لتحيا الأمة ويعود لها عزها واستقلالها ومكانتها؛ ولتأخذ بأسباب القوة.

منهج للحفاظ على الأوقاف

التربية الوقفية منهج للحفاظ على ما مضى من أوقاف قائمة، وإحياء لأوقاف هرمت وقل نفعها، وإيجاد لأوقاف عصرية، تفي بحاجات المجتمع، وهي ثقافة للواقفين والمتبرعين، والأفراد العاملين في المؤسسات الوقفية، وكذلك مختلف فئات المجتمع.

بناء جيل وقفي

التربية الوقفية تستهدف إيجاد جيل يؤمن بما حققه الوقف من إنجازات، ودوره في بناء الحضارة، وحفظ كرامة الإنسان في العهود الإسلامية على أساس مستند إلى الكتاب والسنة والتطبيق العملي والتجربة التاريخية خلال الأربعة عشر قرناً الهجرية.

حماية لأصول أموال الوقف

التربية الوقفية حماية لأصول أموال الوقف، وحسن توزيع الإيرادات، ورفع لكفاءة الإنتاج، وتفعيل الوقف وتوظيفه وفقاً لمتطلبات العصر، وتطوير لأساليب جديدة في إدارة الوقف، وتنويع الأصول الوقفية، وابتكار أوقاف جديدة تمس حاجة المجتمع.

تنمية لقدرات إدارة المؤسسات الوقفية

التربية الوقفية تنمية لقدرات إدارة المؤسسات الوقفية، وتوفير الكفاءة في إدارة أصولنا الوقفية. وكلما زادت كفاءة العاملين في المؤسسات الوقفية والخيرية التي تدير أوقافا مخصصة زادت معها ثقة الواقفين، وكانت أكثر قدرة على التكيف مع المستجدات.

مصدر قوة للمجتمع

التربية الوقفية مصدر قوة لكل من المجتمع والدولة؛ حيث المساهمة في ترسيخ العدالة الاجتماعية، وضمان لبقاء المال ودوام الانتفاع به، والاستفادة منه مدة طويلة، فهو دعم للمجتمع، ويوجه ريعه إلى المصلحة العامة.

إعادة مكانة الوقف

التربية الوقفية سبيل لإعادة مكانة الوقف في الأمة؛ فالجوانب الإنسانية في أوقافنا بلغت الآفاق، وأثبتت أن الأمة الإسلامية أمة حية، أمة تجديد لا أمة تبديد، وأمة ابتكار لا أمة تكرار، وأمة إبداع لا أمة ابتداع.

نقل المعرفة الوقفية

التربية الوقفية منهج لنقل المعرفة حول الوقف، ويكسب المهارات اللازمة في كل ما يتعلق بالوقف، وكذلك لتعديل الاتجاهات تعديلا إيجابيا لتحقيق النفع للأوقاف، والمحصلة تكون في التطبيق الفوري والفاعلية والتطوير لمصلحة الوقف الإسلامي.

غرس روح المبادرة للأعمال الوقفية

التربية الوقفية: اعتزاز بنظام الوقف الإسلامي، وغرس روح المبادرة للأعمال الوقفية، ودفع لمساهمة  الفعلية والمشاركة العملية والمساهمة في المشاريع الوقفية بالمال التطوعي والنتاج الفكري.

والمتصفح للتأريخ يجد بلا عناء أن الوقف أخرج بأحكامه وتطبيقاته مؤسسات إسلامية ساهمت في صناعة الحضارة الإسلامية ونهضة الأمة. بشموله كل مناحي الحياة التعبدية والتعليمية والثقافية والإنسانية والإرشادية والمعيشية والإغاثية.

     وبذلك حفظ للمسلمين دينهم وعلمهم وهويتهم وقيمهم حتى في أشد الظروف صعوبة، وأكثرها قساوة، وقد تتابع المسلمون جيلاً بعد جيل يوقفون الأراضي والبساتين والدور وأعمال الخير والبر؛ مما ملأ الدولة الإسلامية بالمنشآت والمؤسسات التي بلغت حداً من الكثرة يصعب إحصاؤه والإحاطة به، وكان في مقدمة تلك الأوقاف المساجد التي تنافس المسلمون وما زالوا على إقامتها، لتكون ذخراً لهم في آخرتهم. وما من عهد من العهود الإسلامية إلا امتاز بإبداعات وقفية تفي بحاجات وضرورات لازمة لعهدهم.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك