رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عصام حسانين 16 سبتمبر، 2019 0 تعليق

التربية الفكرية للأبناء في مرحلة الصغر (2)

استكمالاً لما بدأنا الحديث عنه في التربية الفكرية للأبناء؛ حيث ذكرنا أن من مسؤولية الوالدين تجاه أولادهما: تربية فكرهم، ورعاية عقلهم؛ لينتفعوا به انتفاعًا يزيدهم إيمانًا بالله -تعالى-، وحبًا له، واعتزازًا بدينهم، ودفاعًا عنه في مواجهة  التيارات الفكرية المنحرفة سواء الداخلية أم الخارجية.

تنمية الذاكرة

     في مرحلة الصغر يمتاز الطفل بقدرة فائقة على الحفظ والتذكر؛ لصفاء ذهنه، وسرعة نمو ذكائه، وعلى الأبوين ألا يهملا هذه الفترة، ولا يقولا: صغير، أو يتركاه حتى يذهب إلى المدرسة أو الروضة، بل ينبغي بذل الجهد لاغتنام هذه الفترة، واستغلالها استغلالاً حسنًا يعود على الطفل بما ينفعه، بتسطير ما ينفعه في صفحته البيضاء.

إهمال تعليم الطفل

     قال ابن القيم -رحمه الله-: «مَن أهمل تعليم ولده ما ينفعه، وتركه سدى، فقد أساء إليه غاية الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم مِن قبل الآباء أو إهمالهم لهم، وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه، فأضاعوهم صغارًا، فلم ينتفعوا بأنفسهم، ولم ينفعوا آباءهم« (تحفة المودود: ص161).

ماذا نعلم أبناءنا؟

خير ما يُنقش في قلب الابن الطاهر كلامُ الله -تعالى-، وينبغي التركيز على ذلك وعدم إهماله، ويبدأ معه بالقليل مع التحفيز.

- وبجنبه أسباب الإلهاء ومعاصي الله -تعالى-، وكذا التوتر والانفعال.

- ويحفظه بعض أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - القصار، التي تتناسب مع فئته العمرية، وإن وجد مِن ابنه إقبالاً وحدة ذكاء أكثر معه.

- ويحفظه أيضًا بعض الطيب مِن أشعار المؤمنين الصالحين.

- ويحفظه أيضًا بعض الأمثال الصحيحة؛ فهي حكمة الشعوب.

- ويحفظه أيضًا بعض الأقوال الحكيمة التي وردت عن السلف الصالح -رضي الله عنهم-؛ ليرتبط بهم.

- ويعلمه ويحفظه ما ينفعه في أمر دينه ودنياه.

- وأن يغرس في نفسه عقيدة الولاء والبراء كما كان السلف يفعلون، تلك العقيدة التي يسعى الأعداء لهدمها في نفوس الناشئة؛ فعن إسماعيل بن جعفر قال: كان علي بن الحسين يعلِّمُ ولده يقول: «آمنت بالله، وكفرت بالطاغوت».

وعن عمرو بن شعيب قال: «كان الغلام إذا أفصح من بني عبد المطلب علَّمه النبي - صلى الله عليه وسلم - هذه الآية سبع مرات: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ} (الإسراء:111)».

- وأن يعلمه أركان الإسلام والإيمان والإحسان، ومِن خير ما يُستفاد منه هنا كتاب (البنيان) و(الأساس) للمربي الفاضل الشيخ مصطفى دياب -حفظه الله.

- ويراعي في تعليم الوضوء والصلاة اقتران الجانب العملي بالجانب النظري.

- ويعلمه الكتابة التي هي نعمة مِن الله عظيمة، كما قال الله -تعالى-: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} (العلق:1-5).

     قال القرطبي -رحمه الله-: «يعني الخط والكتابة، أي: علم الإنسان الخط بالقلم». قال قتادة -رحمه الله-: «القلم نعمة مِن الله -تعالى- عظيمة، لولا ذلك لم يقم الدين، ولم يصلح عيش»، فدل على كمال كرمه -سبحانه وتعالى- بأن علَّم عباده ما لم يعلموا، ونقلهم مِن ظلمة الجهل إلى نور العمل، ونبَّه على فضل علم الكتابة؛ لما فيه مِن المنافع العظيمة التي لا يحيط بها إلا هو. وما دُونت العلوم، ولا قُيِّدت الحِكم، ولا ضُبطت أخبار الأولين ومقالاتهم، ولا كتب الله المنزلة إلا بالكتابة، ولولا هي ما استقامت أمور الدين والدنيا» اهـ مِن التفسير 90/20، فيُدَرِّبُهُ الأبوان على إمساك القلم مِن الثانية إلى الرابعة حيث يمكنه ذلك، وتوفر له بعض الأوراق الكبيرة البيضاء أو الملونة مع استخدام الأقلام الملونة الجذابة.

- ولا ننسى التشجيع والتقبل لما يكتبه، والحذر مِن نقده، وحبذا ارشاده إلى الصواب، وكيفية الوصول إليه بدلاً مِن تثبيطه وإحباطه، وقد لا يتمكن مِن الكتابة أو المهارة -فيما بعد- إلا بصعوبة.

- ويعوَّد الولد على استخدام اليمين في طعامه وشرابه وكتابته، وإن كان يكتب بيساره عُوِّد على الكتابة باليمين بالرفق، وقد أمكن ذلك بالتدريب والممارسة.. إلا إن صعُب عليه ذلك فلا بأس؛ لأن النهي ورد في الطعام والشراب -والله أعلم.

     وهذا الذي ذكرناه في هذه المسألة هو الصحيح -إن شاء الله-، جاء في كتاب (مشكلات الطفولة) ص48 ما يلي: «أما حالة الكتابة باليد اليسرى ومحاولة تصحيحها فمن الصعب التسليم برأي قاطع فيها؛ ولهذا يجب أن نعالجها في حذر؛ ذلك أن هناك تيارين متعارضين في هذا الصدد، فالدراسات الإحصائية تثبت أن الأغلبية الساحقة مِن الأطفال الذين أجبروا على تغيير استعمال أيديهم التي يكتبون بها بالأيدي الأخرى لم تظهر عليهم آثار هذه الأمراض (أي: أمراض النطق)..» اهـ.

- ويُفضَّل أن يكتب أول ما يكتب: «اسم الله -تعالى-»، وكلمة: «لا إله إلا الله»؛ لما لها مِن أثر عظيم في نفس الطفل.

التربية من خلال القصة

     ولا ننسى التربية من خلال القصص؛ فالقصة لها أهمية كبيرة في التربية الفكرية والنفسية؛ فهي تثير خياله، وتشد انتباهه، وتنمي لغته، وتدخل عليه السرور والبهجة، وتعلمه الآداب والأخلاق، وتربطه بالقرآن، وتُشغفه إلى الاقتداء بالرسول - صلى الله عليه وسلم -، والصالحين مِن: الصحابة، والتابعين، والعلماء، وغيرهم، ولذلك لابد أن يُراعى في القصة ما يلي:

- أن تكون مِن القرآن والسنة.

- أن تُحكى له بطريقة مجملة، وبأسلوب سهل فصيح يتناسب ولغة الطفل، وما أُبهم عليه فسرناه، وبذلك تزداد لغته الفصيحة.

- أن تُحكى بأسلوب شيق كأنه يراها (دراما القصة)، وهي: إظهار الانفعالات في الوجه والصوت، فإن كان الفعل أو القول قبيحًا قبحناه، وإن كان حسنًا حسَّنَّاه.

- إظهار فوائد القصة، وحثه على العمل بما فيها.

- تجنب ما لا يفهمه الطفل مِن القصة، ويُرجأ إلى مرحلة عمرية متقدمة.

- أن نحكي له قصة مِن السيرة أو قصة صحابي أو تابعي.

- وإن كانت القصة مِن غير ذلك، فينبغي أن يُراعى فيها الواقعية وعدم الكذب، وألا تكون خيالية أو مرعبة، وتستهدف إلى قيما خلقية أو أدبية أو علمية، وأن يكون فيها جانب الفكاهة التي تدخل على نفس الطفل البهجة والسرور، وألا تكون مترجمة تحكي مجتمعات كافرة.

- وهذا يستلزم مِن الأب اطلاعًا وإعدادًا، ولن يكون هذا صعبًا على مَن استشعر المسؤولية التي كلفه الله بها.

الالتحاق بالمدرسة

وهذه خطوة انتقالية لها أثرها على نفس الطفل؛ حيث ينتقل مِن عالم الأسرة الصغير إلى عالم المدرسة الكبير، وقد تؤثر هذه الخطوة على نفسه إيجابًا أو سلبًا؛ لذلك لابد مِن الأخذ بهذه الإرشادات حتى تنجح وتمر بسلام.

- ينبغي أن يُعوَّد الطفل اللعب مع أقرانه المختارين بعناية لنزع عامل الخوف مِن الاختلاط بالآخرين.

- ينبغي أن نُهيئه لخطوة الالتحاق بالمدرسة، وأن نحفزه لذلك، ونشجعه، كالحديث الجيد عن المدرسة وما فيها، وبإعداد مستلزمات المدرسة مِن حقيبة وأقلام وغير ذلك.

- ينبغي أن نجتهد في اختيار المدرسة المناسبة له ولاسيما القائمين عليها.

اختيار المعلم

     قال الماوردي -رحمه الله-: «يجب أن يجتهد في اختيار المعلم، والمؤدب له اجتهاداً في اختيار الوالدة والظئر (المرضع)، بل أشد منه؛ فإن الولد يأخذ مِن مؤدبه مِن الأخلاق والشمائل والآداب والعادات أكثر مما يأخذ مِن والده؛ لأن مجالسته له أكثر، ومدارسته معه أطول» (اهـ نقلاً عن منهج التربية النبوية ص362).

- وينبغي متابعته في المدرسة، وإقامة علاقة طيبة مع مديرها ومعلميها، بُغية التواصل والإصلاح قدر المستطاع بضوابطه.

- وأما ما يجده طفلنا مِن تناقض بيْن البيت الملتزم الذي تربى فيه، وبين الانحرافات التي سيراها مِن مجتمع المدرسة أو المجتمع الكبير، فيعالج بالقدوة الحسنة في البيت مِن الأبوين، والصبر عن المعاصي ووسائلها لا الانجراف وراء أهواء الطفل؛ فلن يزيد الأمر إلا سواءً وانحرافًا، مع محاولة إشباعه بالمباح مِن أنواع الملاهي، وإشاعة جو الحب والألفة في البيت والحذر مِن فقدان ذلك، فسوف يبحث عنه في مكان آخر.

- والاقتراب مِن الطفل والاستماع له مهم جدًا، وكذا الاهتمام بمعرفة مَنْ يُجالس ويصاحب؛ لئلا تكون مفاسد، ولنعلم أن أثر التربية في السنين السابقة سيظهر الآن وسنجد خيرًا -إن شاء الله.

- وينبغي السماح له باللعب، وتركه وما يحب مِن اللعب واللهو المباح حتى يحب القراءة والتعلم.

     يقول الغزالي -رحمه الله-: «وينبغي أن يُؤذن له بعد الانصراف مِن الكُتاب أن يلعب لعبًا جميلاً، يستريح إليه مِن تعب المكتب؛ بحيث لا يتعب في اللعب، فإن منع الصبي من اللعب وإرهاقه إلى التعلم دائمًا يُميت قلبه، ويُبطل ذكاءه، ويُنغص عليه العيش، حتى يطلب الحيلة في الخلاص منه رأسًا» اهـ.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك