التربية العسكرية الصهيونية.. صورة واقعية (1)
في حالات الحروب يحفز الأطفال على كتابة رسائل عدائية على الصواريخ الصهيونية قبل إطلاقها على المسلمين
ينشأ الطفل الصهيوني في أسرة خدمت أباً وأما في الجيش الصهيوني، ويدركان عملياً معنى الجندية والعسكرية
الهيثم زعفان كاتب وباحث متخصص في القضايا الاجتماعية والاستراتيجية
خلال العقود الثلاثة الماضية تركزت المجهودات الرسمية العربية على مواجهة القتل والإفراط في إراقة الدماء الذي حدث بناءً على التوظيف الخطأ لشروط الجهاد ومعناه من اتجاهات مختلفة، واستخدمت المؤسسات الرسمية في ذلك وسائل عدة يخشى بعضهم أن يكون قد نتج عنها تفريط بيًن في الأثر الإيجابي لمعنى فريضة نص عليها كتاب الله وسنة نبيه[ بشروطها ووظيفتها الصحيحة الصائبة وبضوابطها العلمية المقبولة والمشروعة.
تلك الفريضة التي عمد الغرب إلى محاربتها ومحاولة طمس مفرداتها من الخطاب العربي، وإحداث هالة من الرعب يتوهمها بعضهم، ويتوجس فيها الخيفة عند ذكر كلمة الجهاد، مع أنها فريضة إسلامية قد ينبني على تركها هلاك الفرد والأمة في الدنيا والآخرة.
وعلى العكس التام من ذلك الفترة ذاتها نجد الكيان الصهيوني يغرس في مواطنيه منذ نعومة أظفارهم روح العسكرية والقتل انطلاقاً من وهم صهيوني باطل مفاده أن اليهودي يتقرب إلى الله بدماء المسلمين.
تأملات تربوية عسكرية بين الواقع الصهيوني والعربي تستوقف المتأمل للعدوان الجاري على أرض غزة وبسالة المقاومة الإسلامية التي تربت تربية عسكرية صحيحة، وعلى النقيض اختفاء روح المقاومة للمحتل عند قطاع عريض من المسلمين.
أما عن الجانب الصهيوني وعلى الرغم من حبهم للدنيا وكراهيتهم للموت وجبنهم الشديد أمام العقيدة الصلبة للمسلم المجاهد، إلا أن لديهم قدرا من التشكيل التربوي العسكري الذي يدعم قتلهم للمسلمين.
وعلى هذا النحو سنحاول في هذه المقالة إلقاء الضوء على التربية العسكرية عند الصهاينة وعقد مقارنة سريعة مع ما عند المسلمين في وقتنا الحاضر.
التربية العسكرية في الكيان الصهيوني
إن الُمسلَّمة الرئيسية في التربية العسكرية الصهيونية أنها تربية عقدية، تنطلق من اليهودية المحرفة، وتستمد مرجعيتها من المطامع الصهيونية، إذاً فهي مبنية على أساس ديني، وعلى الرغم من أننا نعتقد في انحراف هذا الأساس، إلا أنه يعطي الناشئين قوة معنوية يستمدون بها تحركاتهم العسكرية في الميادين وفي الحياة العامة.
تطبيقات عملية
والتطبيقات العملية لهذه التربية العسكرية الصهيونية يمكن إيراد نماذج منها بالصور الآتية:
- التجنيد إجباري داخل الكيان الصهيوني للرجل والمرأة؛ حيث تبدأ الخدمة العسكرية عند المرأة والرجل من سن 18عاماً حتى 38 عاماً للنساء و40 عاماً للرجال، وتمتد خدمة المرأة في الجيش الصهيوني مدة عام ونصف العام، في حين يخدم الرجل لمدة ثلاث سنوات إجبارية، وشهر كل عام، فضلاً عن الخدمة الاحتياطية التي يُدعى إليها في حالات الطوارئ. إذاً فنحن أمام مجتمع عسكري ذكوراً وإناثاً، والمناخ العام داخل المحيط الصهيوني هو مناخ عسكري، والتآلف مع الوضع العسكري سواء كان شكلياً في الزي والحركات أم مضموناً في التدريب والممارسات هو تآلف دائم، اعتادت العين عليه، وتربى الوجدان في ظلاله، وبالتالى فهو بمثابة تربية عسكرية بالقدوة للمجتمع بوصفه كلا، كما أن هذه الفترة العسكرية من عمر اليهودي كافية للتكوين النفسي والعملي العسكري، ومن ثم يكون الجندي اليهودي مهيأً لتصدير ما تربى عليه عسكرياً لمن هو أصغر منه.
- الأم هي العماد التربوي داخل الأسرة والكيان الصهيوني له تعامل عسكري خاص ومتفرد مع المرأة الصهيونية؛ حيث تخدم المرأة في الجيش الإسرائيلي خدمة إجبارية؛ فالجيش الصهيوني يعد أول جيش ألزم المرأة بالخدمة العسكرية، وتمثل المرأة في الجيش الصهيوني ثلث القوات العسكرية وهذا يعطيها أهمية قصوى في الجيش ووجودها يمثل عاملاً أساسياً في قوة الجيش الصهيوني؛ فقد تم دمجهن في أفرع الجيش العسكرية مثل سلاح الطيران والمدفعية والمشاة وكافة الأقسام الأمنية والإدارية التابعة له، وعُدَّ هذا القرار من قبل المنظمات النسائية الصهيونية قراراً تاريخياً واعترافاً رسمياً بدور المرأة والمجندة داخل الجيش. كما شهد عام 1978 تخريج أول دفعة من النساء الطيارات برتبة قائد طائرة ولاسيما الطائرات من نوع (ستايلوك)، وكانت المجموعة تضم 12 فتاة وهو العام الذي شهد تخريج دورة ضابطات في سلاح المدفعية، يتولين مسؤولية إطلاق المدفعية وإصدار الأوامر للجنود لإطلاق المدفعية، هذا فضلاً عن استخدام المرأة الصهيونية في تحقيق الأهداف العسكرية وفق القواعد الاستخباراتية الصهيونية المنحلة.
وبالتالي فنحن أمام امرأة عسكرية، تكوينها النفسي ووعاؤها التربوي عسكري فكيف سينشأ أبناؤها؟.
- ينشأ الطفل الصهيوني في أسرة خدمت أباً وأما في الجيش الصهيوني، ويدركان عملياً معنى الجندية والعسكرية ودورهما في خدمة الأهداف الصهيونية، ومحاربتهم للمسلمين، ومن ثم تكون مرجعيتهم التربوية لطفلهم سائرة وفق نهج عسكري تزداد حدته كلما ازداد التدين اليهودي للأسرة، ليأتي دور التعليم ليكون مكملاًً للدور التربوي العسكري الأسري.
- المناهج التعليمية جميعها تكرس كراهية اليهودي للمسلم، وتصور المسلم بصور عكسية، وتسقط عليه الجرائم الصهيونية التي يرتكبها اليهودي، وفي ضوء ذلك يزيف واضعو المناهج الحقائق التاريخية والجغرافية من أجل إيجاد جيل من اليهود ليس لديه أدنى استعداد لمناقشة ما غرس فيه من أباطيل.
- تعمل المناهج التربوية في التعليم الصهيوني على بث روح الجندية والعسكرية وشرف القتال في سبيل العقيدة اليهودية في نفوس الطلاب، ليصير الطالب وكأنه جندي في الجيش أو على أقل تقدير يكون معداً إعداداً نفسياً جيداً للانخراط في صفوف الجيش الصهيوني.
- تقوم حضانات رياض الأطفال بتنظيم رحلات للأطفال إلى قواعد الجيش الصهيوني وتحرص الإدارات على أخذ صور تذكارية لكل طفل وهو يقف فوق دبابات الجيش، وبعد ذلك يتم توزيع رايات ألوية الجيش على الأطفال، فالصور الذهنية المطلوب رسمها في الأطفال هي إكبار الجيش وحبه وتقديره، وفي الوقت ذاته إبراز اهتمام الجيش بالطفل ليصنع معه رابطة وجدانية، يتوق الطفل من خلالها للمساهمة مع الجيش بأي شيء وهنا تأتي الخطوة التالية.
- في حالات الحروب يحفز الأطفال على كتابة رسائل عدائية على الصواريخ الصهيونية قبل إطلاقها على المسلمين، وجزء من هذا تم إبرازه إعلامياً في الحرب على لبنان.
- يتم تنظيم رحلات لطلاب المرحلة الثانوية إلى مواقع الجيش الصهيوني؛ حيث يشاهد الطلاب مناورات وتدريبات بالذخيرة الحية، هذا فضلاً عن زيارتهم إلى المواقع التاريخية التي شهدت معارك بين الجيش الصهيوني والجيوش العربية، ليربط الماضي بالحاضر، ويجعل النفس اليهودية دائماً مشتاقة لأرض المعركة.
- هناك عمليات متبادلة بين المدارس في الكيان الصهيوني وبين ألوية الجيش والوحدات المختارة؛ حيث تكلف المدارس الطلاب، وتحثهم على إرسال رسائل إلى الجنود لشكرهم على الجهود التي يبذلونها لحماية الكيان الصهيوني.
- تقوم ألوية الجيش الصهيوني بإلصاق لوحات دعائية لها في المدارس الثانوية لحث الطلاب على التطوع في صفوفها بعد تجنيدهم الإجباري للجيش.
- تتعاون المدارس الصهيوينة مع شعبة القوى البشرية في الجيش لتنظيم دورات تجنيد للطلاب خلال المرحلة الثانوية وذلك لإعدادهم لمرحلة الجيش؛ حيث يقوم الضباط والجنود بالتحدث إلى الطلاب في فصولهم الدراسية متفاخرين بما يقومون به من أجل الكيان الصهيوني، ومن أجل قضيتهم العقدية.
- قامت وزارة التعليم الصهيونية بتمويل مشروع يطلق عليه (تسافنا) ويستهدف تأهيل الضباط المتقاعدين من الجيش والمخابرات للانخراط في سلك التعليم، والضباط الذين تم تخرجهم من هذا المشروع عملوا فعلياً في المدارس والإدارات، ويدرسون للطلاب في الفصول لتزداد التنشئة العسكرية الصهيونية ثقلاً وحيوية.
إذاً فنحن أمام منظومة تربوية عسكرية متكاملة تبدأ من الطفل، وتنتهي إلى الطفل، فما واقع هذه المنظومة في عالمنا العربي؟.
وللحديث بقية إن شاء الله
لاتوجد تعليقات