رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. محمد كامل الشريف 25 يوليو، 2019 0 تعليق

التربية السليمة ودورها في بناء شخصية الطفل

 

روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «تجدون الناس معادن، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا...». والرسول - صلى الله عليه وسلم - يلفت أنظارنا في هذا الحديث إلى أهمية الفروق في الشخصية، والقدرات، والثقافة في تحديد المستوى الذي يبلغه المسلم؛ من حيث تحقيقه للإسلام في حياته حتى يكون من خيار المسلمين.

     وإن صفات شخصية الإنسان من حيث النضج والتوازن من أهم ما يجعل الإنسان من الخيار في الجاهلية؛ إذ قبل أن يتحرر الإنسان من الجاهلية، ويدخل في الإسلام، لن يكون لمعتقداته الضالة الفضل في جعله من الخيار؛ فالكفر كله ملة واحدة، إنما هي سلامة الشخصية الإنسانية من العيوب النفسية والخلقية عموما التي يميز بين خيار الناس وغيرهم في الجاهلية؛ فعنصر الإيمان ما زال غائبا، ومن ثم تكون الأهمية للعناصر الأخرى، وهذا يساعدنا على إدراك أهمية التربية السليمة، وأهمية الاستفادة من مكتشفات العلوم النفسية والاجتماعية الحديثة من أجل صياغة شخصيات أولادنا (صبية وبنات)؛ بحيث تكون شخصيات ناضجة متوازنة سليمة من العيوب؛ مما يجعل أولادنا أهلا لأن يكونوا من الخيار بين المسلمين.

فبمجرد الإسلام يتحقق للإنسان الحد الأدنى من الخيرية، لكن حتى يكون المرء من خيار المسلمين تلزمه عوامل أخرى أكثرها عوامل نفسية وعوامل ثقافية.

وبلغة الحياة اليومية نقول: إن قوة الشخصية هي من مستلزمات بلوغ درجة الخيار.

     إن للتربية السليمة دورا كبيرا في تقوية شخصيات أولادنا، كما أن للأخطاء التربوية أثرا بالغا في جعل شخصياتهم هشة هزيلة ومهزوزة؛ لذا علينا أن ندرك أن أي بحث يعلمنا كيف نحافظ على شخصيات أولادنا؛ بحيث تنشأ قوية متزنة، وأقرب ما تكون إلى الطمأنينة.

إن أي بحث كهذا إنما هو بحث في صميم التربية الإسلامية؛ لأننا جميعا -آباء وأمهات- نحب لأبنائنا وبناتنا أن يكبروا ليكونوا من خيار المسلمين.

وواضح أن خيار المسلمين أحسنهم تطبيقا للإسلام، وأحسنهم التزاما به.

وهذا يعني أن العوامل النفسية وغير النفسية تجعل الإنسان من الخيار حتى لو كان في الجاهلية.

هذه العوامل لها دور في تحديد مدى قدرة هذا الإنسان على تحقيق الإسلام في نفسه؛ فمما عاب الله به على آدم - عليه السلام - عندما وقع في المعصية أنه كان ضعیف العزم فقال-تعالى-: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} (طه:115).

والعزم صفة نفسية تتجلى فيها قدرة الإنسان على مقاومة هواه إن أمره بما يضره.

     وهذه الصفة من أهم صفات الشخصية الناضجة المتوازنة المطمئنة؛ ذلك أن المسلم الذي ملأ الإيمان قلبه لن يقدر على العمل الصالح، وعلى اجتناب ما حرم الله في كل أحواله أو أغلبها إن كان يعاني من الخلل في شخصيته؛ إذ قد يجعله هذا الخلل أكثر ضعفا أمام شهواته، وأكثر عرضة للوقوع في المعاصي، وإن كان إيمانه سيجعل نفسه تلومه على هذه المعاصي.

ومثل هذا المؤمن الضعيف لن يكون مؤهلا لدرجة (الخيار) التي حدثنا عنها نبينا - صلى الله عليه وسلم - بالقدر نفسه الذي يكون فيه المؤمن القوي مؤهلا لها

     وسنتناول -إن شاء الله- في حلقات كيفية توظيف المفاهيم النفسية المعاصرة لنستعين بها على تربية أولادنا وإعدادهم لدرجة الخيار، ولنستعين بها في ترسيخ الإيمان في قلوبهم؛ بحيث يصمدون أمام الهجمات الثقافية التي تتعرض لها أمتنا، ولنستعين بها أيضا في تذليل الصعاب أمامهم حتى يلتزموا بدينهم، ويحققوه على أرض الواقع عملا صالحا ظاهرا على كل مستوى؛ إذ لما يئس أعداء هذه الأمة من انتزاعها من دائرة الإيمان، لم ييأسوا بعد من إخراجها من دائرة الالتزام والتطبيق.

 

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك