التربية الاقتصادية وتعميق الإحساس بالمسؤولية
إن الفرد المسلم مسؤول عن المجتمع الذي يعيش فيه؛ فهو جزء منه، والجزء لا ينفصل عن الكل، والغاية العليا هي سعادة الكل، وربط القلوب بأواصر المحبة والأخوة.
والمسؤولية في الإسلام لا تقتصر على الفرد فقط، بل تتعداها إلى الأسرة والمجتمع والدولة. والمسؤولية سلوك وشعور يغرسه المربّي الفاضل في أعماق أبنائه من خلال إحساسه بالمسؤولية تجاه أبنائه وتجاه أسرته، وتجاه مجتمعه.
وبتربية المسؤولية عند الطفل، يستطيع أن يسير على قدميه، لا على أقدام الآخرين. والمربّي الناجح لا يسلب طفله مسؤوليّاته بل يكلّفه بها، ويعينه على إنجازها، صانعاً له بذلك نجاحاً صغيراً يقوده إلى نجاح كبير. وليحذر الأب أن يكلّف ولده بما ينوء به ظهره الصغير، أو بما لا يفهمه عقله الغرير. ومن أهم جوانب المسؤولية الواجب تربيتها عند الطفل، مسؤوليته تجاه أمتّه، وتجاه الإنسانية كلها. فعلى الأب أن يغرس في ولده هذا الشعار: (أنا لأُمتي، وأُمتي لي). وهذا الشعار: (سعادتي في إسعاد الناس).
والتربية الاقتصادية تستنبط روح المسؤولية من وحي القرآن دستور البشرية جمعاء، ومن تطبيق السنة الشريفة لهذه القوانين الربّانية. فالمسؤولية واجب الجميع؛ حيث يتمُّ غرسها في نفوس الناشئة والمتعلِّمين؛ حيث يتربَّى في دواخلهم حِسُّ المسؤولية، وأنهم يتحمَّلون نتائج أعمالهم وأقوالهم وأحوالهم أمام أنفسهم ومجتمعهم وأمام ربِّهم يوم العرض الأكبر؛ فكل إنسانٍ حافظ مُؤتمن، وتقع عليه مسؤولية صلاح ما التزم به في دينه ودنياه ومتعلقات ذلك. قال رسول الله[: «أَلاَ كُلكمْ رَاعٍ، وكُلكُمْ مَسؤولٌ عَنْ رَعيته. فالأمِيرُ الذي على الناسِ راعٍ، وهو مسؤولٌ عَنْ رَعِيته. والرجلُ رَاعٍ على أهلِ بيتِه، وهو مسؤول عنهمْ. والمَرأَةٌ رَاعيةٌ على بيتِ بَعْلها ووَلَدِه، وهي مسؤولةٌ عنهم. والعبدُ رَاعٍ على مالِ سيدِه، وهو مسؤول عنه. أَلَا فكُلكم راع، وكُلكم مَسؤولٌ عن رَعيته».
«قال العلماء: الراعي هو: الحافظ المؤتمن الملتزم صلاح ما قام عليه، وهو ما تحت نظره».
والأبناء لا يكونون تحت أنظار آبائهم فقط، وهم محيط دائرتهم الصغرى، بل تتسع حلقة الدائرة ليكونوا الأبناء تحت أنظار معلميهم ومجتمعاتهم؛ فالإصلاح والتربية واجب الجميع، وإن اختلف الدور في التطبيق من مرب إلى قدوةٍ إلى مرشدٍ إلى واعظٍ، وفقاً لتعدد مشارب استقاء التربية، وإن كان العاتق الأكبر يقع على كاهل الأبوين، بصفتهما الأرضية الأولى لغرس البذار، والحاضنة الأولىلتربية الأبناء، ولا يقتصر الأمر على أساليب التربية فقط أو السلوك المعتاد للآباء تجاه أبنائهم، فهناك أيضاً ما يُعرف بالطباع المكتسبة عن طريق الوراثة، كالجود والكرم، ويشير الباحثون إلى وجود مؤسسات اجتماعية عديدة، تقوم بأداء تلك المهمة الكبرى، تتمثل في الأسرة والأقران والمؤسسة التعليمية، والدينية، والسياسية والإعلامية، فضلاً عن مؤسسات المجتمع المدني الأخرى.
وتجدر الإشارة إلى أن ثمة تفاوت في الأهمية النسبية لدور كل منها، ومدى نجاحه في إتمام المهام المنوطة به عبر الأفراد في مراحلهم الارتقائية المتنوعة؛ فالأسرة على سبيل المثال، أكثرها تأثيرا في المراحل الارتقائية المبكرة، بيد أن تأثير المؤسسة التعليمية يزداد إبان مرحلة الطفولة المتوسطة والمتأخرة، في حين يصبح الأقران أكثر تأثيراً أثناء مرحلة المراهقة، أما المؤسسات الأخرى، الدينية والإعلامية والسياسية، فإن تأثيرها يتراوح صعودا وهبوطا بوصفها نتيجة لعوامل متعددة عبر هذه المراحل. وتكمن أهمية التربية الاقتصادية هنا من خلال تربية الأبناء تحت إشراف آبائهم، ومربِّيهم، ومُعلميهم، على أن أجسادهم وعقولهم وأموالهم أمانة لديهم وهم مسؤولون أمام الله عنها، وعليهم الحفاظ على أجسادهم قوية سليمة، فيتناولون طيبات ما رزقهم الله من دون إسراف أو تقتير.
قال تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ ۖ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}(البقرة: 172).
ويبتعدون عن كل ما حرم الله عليهم من أنواع الطعام التي تضر بأجسادهم.
قال -تعالى-: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ۚ ذَٰلِكُمْ فِسْقٌ ۗ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ ۚ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۚ فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ ۙ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}(المائدة: 3).
فإعداد الطفل للحياة الاجتماعيةمن خلال تأديب نفسه وتصفية روحه عن طريق التعلّيم المستمر، التوجيه الدائم وفق منهج إسلامي أصيل، يغرس في نفس الناشئ صلات المودة ووشائج التآخي.
لاتوجد تعليقات