رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عصام حسانين 29 ديسمبر، 2019 0 تعليق

التربية الاجتماعية للأطفال في ضوء الكتاب والسنة (4) مراعاة الحقوق الاجتماعية


من أهم الأسس الاجتماعية التي ينبغي أن يهتم بها الأبوان في تربية أطفالهما: التزام الحقوق الاجتماعية من حق الوالدين، والإخوة والأخوات، والأجداد والجدات، والأعمام والعمات، والأخوال والخالات، وسائر الأقارب والأرحام، والجيران، والأصدقاء، والمعلم، والضعفاء من الفقراء والمساكين وغيرهم، والمظلومين، والطريق، والوطن، ونركز في هذا المقال على الوسائل العملية المعينة لأداء هذه الحقوق.

أولاً: حق الوالدين

- أهم وسيلة تربوية في ذلك هو القدوة؛ فمن المهم جداً أن يرى الطفل الاحترام المتبادل بين أبيه وأمه، وألا يرى خلافاً؛ فإن كان من خلاف أو نقاش؛ ففي حجرة بعيدة عن الأطفال.

التوافق في التربية

- وأن يتوافقا في طريقة التربية، وأن يكون ثمة تبادل أدوار بينهما؛ فإن كان خطأ من ولد، ويتطلب أخذ موقف؛ فلابد أن يكونا جميعاً، حتى يشعر الولد بخطئه؛ فيبادر بالاعتذار وعدم العود إلى الخطأ، وإن كان في حق أحدهما، يؤنب الطرف الآخر الولد، ويدعوه إلى الاعتذار له؛ فإن اعتذر قبل عذره بشرط عدم العود.

الإحسان إلى الوالدين

- وأن يعلمه أن اللهعز وجلقد أمر ببر الوالدين، والإحسان إليهما بالقول والفعل، قال القاسميرحمه الله -: الأدب مع الوالدين: هو أن يسمع كلامهما، ويقوم لقيامهما، ويمتثل أمرهما، ولا يمشِ أمامهما، ولا يرفع صوته فوق أصواتهما، ويلبي دعوتهما، ويحرص على مرضاتهما، ويخفض لهما الجناح (أي يتواضع)، ويحسن إليهما جهده، ويبرهما، ويكرمهما في حالي عسره ويسره، ويتوخّى مسرتهما، وترويح قلوبهما، ولا يمُنَّ عليهما بالبر بهما، ولا بالقيام بأمرهما، ولا ينظر إليهما شزرا (نظرة غضب)، ولا يقطّب وجهه في وجوههما (لا يعبس)، ولا يسافر إلا بإذنهما.اهـ. (جوامع الآداب: 30).

قصص البر

- حكاية قصص البر، والأفضل في ذلك أن تحث الأم أولادها على بر أبيهم، وتحكي لهم قصص الصالحين في ذلك، والأب يحث أولاده على بر أمهم، ويحكي لهم قصص الصالحين في برهم لأمهاتهم.

حكايات الأب

- فيحكي الأب لأولاده: قصة الثلاثة الذين آواهم المبيت إلى غار، وقصة ابن مسعود مع أمه، عن أنس بن النضر الأشجعي قال: استقت أم ابن مسعود ماء في بعض الليالي؛ فذهب فجاءها بالماء؛ فوجدها قد ذهب بها النوم؛ فثبت بالماء عند رأسها حتى أصبح»، وقصة أبي هريرة رضي الله عنه مع أمه، كان إذا دخل البيت قال لها: رحمك الله كما ربيتني صغيرا؛ فتقول أمه: وأنت رحمك الله كما بررتني كبيرا، وقصة حيوة بن شريح مع أمه؛ فقد كانرحمه الله - يقعد في حلقته يُعلم الناس؛ فتقول له أمه: قم يا حيوة فألق الشعير للدجاج؛ فيقوم ويترك التعليم، وقصة محمد بن سيرين مع أمه؛ فعن حفصة بنت سيرين قالت: كانت والدة محمد بن سيرين يعجبها الصبغ، وكان محمد إذا اشترى لها ثوبًا اشترى ألين ما يجد؛ فإذا كان عيدٌ صبغ لها ثيابًا، وما رأيته رافعًا صوته عليها، كان إذا كلمها كالمصغي إليها، وقصة إياس بن معاوية لما ماتت أمه؛ فعن حميد قال: لما ماتت أم إياس بن معاوية بكى؛ فقيل له: ما يبكيك؟ قال: كان لي بابان مفتوحان إلى الجنة، وغُلق أحدهما.

حكايات الأم

- وتحكي الأم لأولادها: قصة ابن عمر- رضي الله عنهما - وقد رأى رجلاً يطوف بالكعبة حاملاً أمه على رقبته؛ فقال: يا ابن عمر أترى أني جزيتها؟ قال: لا, ولا بطلقة واحدة, ولكنك أحسنت، والله يثيبك على القليل الكثير، وقول ابن عباس –-رضي الله عنهما -: من نظر إلى أباه شزراً فقد عقّه، وقول عامر بن عبد الله بن الزبير- رحمه الله -: مات أبي، فما سألت الله - حولاً - إلا العفو عنه، وقول عطاء: لا يؤم الرجل أباه وإن كان أفقه منه، وقول عمر بن ذر لما مات ابنه، - وقد قيل له: كيف بره بك؟- قال: ما ماشيته قط بالنهار إلا مشى خلفي, ولا بالليل إلا مشى أمامي, ولا رقى سطحاً أنا تحته.

ثانياً: حق الإخوة والأخوات

     خير ما يؤسس للعلاقة الطيبة بين الإخوة والأخوات هو، العدل بينهم حتي في القُبل؛ وبذلك جاءت الأدلة، قال العلامة السعديرحمه الله-: يتعيَّن على الإنسان أن يَعدل بين أولاده، وينبغي له إذا كان يحبُّ أحدهم أكثر من غيره، أن يخفي ذلك ما أمكنه، وأن لا يفضِّله بما يقتضيه الحب من إيثار بشيء من الأشياء؛ فإنه أقرب إلى صلاح الأولاد، وبرِّهم به، واتفاقهم فيما بينهم؛ ولهذا لما ظهر لإخوة يوسف من محبَّة يعقوب الشديدة ليوسف وعدَم صبره عنه وانشغاله به عنهم، سعَوا في أمرٍ وَخيم، وهو التفريق بينه وبين أبيه؛ فقالوا: {إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ}(يوسف: 8، 9)، وهذا صريحٌ جدًّا أن السبب الذي حملهم على ما فعلوا من التفريق بينه وبين أبيه، هو تميزه بالمحبَّة.اهـ

     وعن النعمان بن بشير -رضي الله عنهما- أن أباه أتى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فقال: إني نحلت ابني هذا غلاما (أي وهبته عبدا كان عندي)؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أكلَّ ولدك نحلته مثله؟»؛ فقال:لا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرجعه (رواه البخاري)، وفي رواية له؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم»، قال فرجع فرد عطيته، وفي رواية لمسلم: «فلا تشهدني إذاً فإني لا أشهد على جور».

 

     قال الكاسانيرحمه الله-: وَفي حديث النعمان رضي الله عنه إشَارَةٌ إلَى الْعَدْلِ بَيْنَ الْأَوْلَادِ فِي النِّحْلَةِ وَهُوَ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ؛ لِأَنَّ فِي التَّسْوِيَةِ تَأْلِيفَ الْقُلُوبِ، وَالتَّفْضِيلُ يُورِثُ الْوَحْشَةِ بَيْنَهُمْ. اهـ، وقَالَ الدَّمِيرِيُّ -رحمه الله-: لَا خِلَافَ أَنَّ التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمْ أَيْ الْأَوْلَادِ مَطْلُوبَةٌ حَتَّى فِي التَّقْبِيلِ. اهـ، عن إبراهيم النخعي، قال: «كانوا يستحبُّون أن يعدل الرجل بين ولده حتى في القبل».

 

التسوية في البر

     والتسوية في البر يشمل الذكور والإناث؛ فعن الحسن قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدِّث أصحابه؛ إذ جاء صبيٌّ حتى انتهى إلى أبيه، في ناحية القوم، فمسح رأسه وأقعده على فخذه اليمنى، قال: فلبث قليلًا؛ فجاءت ابنة له حتى انتهَت إليه، فمسح رأسها وأقعدها في الأرض، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «فهلَّا على فخذك الأخرى»؛ فحملها على فخذه الأخرى، فقال صلى الله عليه وسلم : «الآن عَدلتَ» (مرسل، رواه ابن أبي الدنيا).

 

حق الأخ

     ثم يُعلم الطفل أن لأخيه حق البر عليه، وهو محبته، ومعاملته باللطف واللين والرعاية إن كان صغيراً، وباللطف والتوقير والإكرام إن كان كبيراً؛ فعن كليب بن منفعة عن جده، أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقال: يا رسول الله، من أبر؟ قال: «أمك، وأباك، وأختك، وأخاك» (رواه أبو داود)، وعن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا» (صححه الألباني في صحيح الترمذي).

 

الأدب مع الإخوة

     قال القاسميرحمه الله -: الأدب مع الإخوة من النسب: يلزم الفتى أن يتأدب معهم ويحترمهم، ويعرف أنهم أقرب الناس إليه بعد الأبوين، ويحب لهم النفع والشرف أكثر من جميع الناس؛ فأما أخوه الأكبر؛ فإنه يجعله في منزلة أبيه؛ فلا يرفع صوته عليه، ولا ينازعه، ولا يخالفه في وصاياه الجميلة، ليكسب حبه، ويسعى في منافعه، وأما الذين هم أصغر منه؛ فيواسيهم ويشفق عليهم، ولا يضربهم، ولا يشتمهم، ويلاطفهم، ويستجلب محبتهم بحسن الأخلاق، ولطف المعاملة.

 

النهي باللطف والمعروف

     وإذا رأى منهم ما لا يليق؛ فعليه أن ينهاهم باللطف والمعروف، ويعرفهم ضرره، ولا يسعى بهم عند أبيه بالفتنة؛ فتكثر الكراهة بينهم، ويألفون الشر، ويعتادونه بسببه؛ فيعود الوبال عليهم، وجلِيٌّ أن إخوة المرء هم أعوانه على سعادته وحسن حاله. اهـ. (جوامع الآداب:31).

 

حق الأخت

     ويعلّم ابنه أن لأخته عليه حقاً عظيماً من الرحمة والمحبة والشفقة، وحسن الرعاية والصحبة؛ فعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من كان له ثلاث بنات، أو ثلاث أخوات، أو ابنتان، أو أختان؛ فأحسن صحبتهن، واتقى الله فيهن فله الجنة» (رواه الترمذي).

 

وسائل عملية

     ومن الوسائل العملية في تعميق هذا الحق، أن يلعبوا جميعاً، وأن يتهادوا فيما بينهم، وأن يتعاونوا فيما بينهم علي أمرٍ ما، نحو توزيع صدقة، أو حفظ قرآن ونحو ذلك، والتأكيد دوماً علي معني الاحترام للكبير؛ فيقال للصغير: احترم أخاك الكبير، ويقال للكبير: ارحم أخاك الصغير.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك