رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عصام حسانين 31 ديسمبر، 2019 0 تعليق

التربية الاجتماعية للأطفال في ضوء الكتاب والسنة (7) حـق الأقـارب


تكلمنا في المقال السابق عن حق الوالدين والإخوة والأخوات، ونتناول في هذا المقال -إن شاء الله- حق الأجداد والأقارب؛ فمما ينبغي أن يربي عليه الطفل قولاً وفعلاً، معرفة حق أجداده وأقاربه؛ فيُعلّم أن الأجداد والجدات بمنزلة الآباء والأمهات، ويجب لهما من البر والإحسان ما يجب لهما، قال الله -تعالى-: {واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام}(النساء: 1)،  قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: يقول: اتقوا الله الذي تساءلون به، واتقوا الله في الأرحام فصِلُوها. (تفسير الطبري).

     وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللّهِ مَنْ أَحَقّ بِحُسْنِ الصّحْبَةِ؟ قَالَ: «أُمّكَ، ثُمّ أُمّكَ، ثُمّ أُمّكَ، ثُمّ أَبُوكَ، ثُمّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ». رواه مسلم، قال النووي -رحمه الله-: قال أصحابنا: يستحب أن تقدم في البر الأم، ثم الأب، ثم الأولاد، ثم الأجداد والجدات، ثم الإخوة والأخوات، ثم سائر المحارم من ذوي الأرحام، كالأعمام، والعمات، والأخوال والخالات، ويقدم الأقرب فالأقرب. اهـ شرح صحيح مسلم.

 القدوة العملية

     ويكون ذلك بالقدوة العملية بأن يرى الطفل من والديه برهما بالجد والجدة، من طيب القول وحسن الفعل مما عَلّماه من حق الوالدين على أولادهما، وهذا لعمري من أنجح وسائل التربية في غرس حق الوالدين في نفس الطفل؛ فقد جرت سنة الله -تعالى- أن الجزاء من جنس العمل، وأن المرء كما يعمل يجازى، ويعلّم أيضاً أن للأقارب حقاً في البر والصلة الأقرب فالأقرب، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : «ثم أدناك أدناك».

ذوو رحمه الواجب صلتهم

     قال الجزائري -رحمه الله-: إن المسلم يلتزم لأقاربه وذوي رحمه الآداب نفسها التي يلتزمها لوالديه وولده وإخوته؛ فيعامل خالته معاملة أمه، وعمته معاملة أبيه، وكما يعامل الأب والأم، يعامل الخال والعم في كل مظهر من مظاهر طاعة الوالدين وبرهما والإحسان إليهما؛ فكل من جمعتهم وإياه رحم واحدة من مؤمن وكافر، هم من ذوي رحمه الواجب صلتهم، وبرهم والإحسان إليهم؛ فيصلهم وإن قطعوه، ويلين لهم وإن قسوا معه وجاروا؛ فيوقر كبيرهم، ويرحم صغيرهم ويعود مريضهم، ويواسي منكوبهم، ويعزي مصابهم. اهـ. من منهاج المسلم بتصرف.

الزيارة والسؤال

     والوسائل العملية هنا تكون بالقدوة أيضًا مثل: الزيارة والسؤال، وصلة الرحم الفقيرة بالنفقة، قال صلى الله عليه وسلم : «إن الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم اثنتان: صدقة وصلة» رواه النسائي، وقال صلى الله عليه وسلم : «تهادوا تحابوا»، ومن ذلك: توقير الكبير ورحمة الصغير، وبذل النصيحة برفق ولين، ومشاركتهم الأفراح والأحزان، وعيادة مرضاهم، واتباع جنائزهم، وإصلاح ذات البين وتقريب القلوب.

الحذر من الحديث السلبي

     ثم الحذر الحذر من الحديث السلبي أمام الطفل عن أحدٍ من الأقارب؛ فإن هذا يورث الكراهية، وقد يؤدي إلى ضعف الصلة أو قطعها، وإن من الآباء -هداهم الله- من يورث أولاده الكراهية تجاه فلان، ويأمره بعدم صلته، وهذا لا يجوز؛ لأن الهجر- زجراً - في أمر دنيوي لا يكون فوق ثلاث، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ، يَلْتَقِيَانِ؛ فَيُعْرِضُ هَذَا، ويُعْرِضُ هَذَا، وخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

تحريم التَّهاجر

     قال العلامة ابن باز – رحمه الله - : وقد جاءت في هذا المعنىُ أحاديث عدة، كلها دالة على تحريم التَّهاجر، وأن الواجب الصلح فيما زاد على الثلاثة أيام، أما الثلاثة فأقل فلا بأس؛ لأنها قد تقع بين الناس الشّحناء، وقد تقع خصومات يضطر الإنسانُ إلى بعض الشيء، لكن ما زاد على الثلاث يحرم.

خطرٌ عظيمٌ

     وفي الحديث الصحيح يقول صلى الله عليه وسلم : «تُعرض الأعمالُ على الله في كل اثنين وخميس؛ فيغفر الله لكل مسلمٍ، إلا رجلًا كانت بينه وبين أخيه شحناء؛ فيقول الله: «دعوا هذين حتى يصطلحا»؛ فهذا خطرٌ عظيمٌ، المغفرة؛ فالواجب على المؤمن والمؤمنة الحرص على صفاء القلوب، وعدم التَّهاجر؛ فإذا كان ولابدّ؛ فلا يزد على ثلاثة أيام، وما زاد يحرم، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام.اهـ، ويجب عليه أيضاً أن يربي طفله على صفاء قلبه، ولاسيما أقاربه وأرحامه.

ثالثًا: حق الجار

     للجار حق عظيم في الإسلام أوجبه الله -تعالى- في آية الحقوق العشرة، قال الله -تعالى-: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا}(النساء: 36).

ما زال جبريل يوصيني بالجار

     قال الشيخ السعدي -رحمه الله- في تفسيره: (وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى)، أي: الجار القريب الذي له حقان: حق الجوار وحق القرابة؛ فله على جاره حق وإحسان راجع إلى العرف. و كذلك الْجَارِ الْجُنُب، أي: الذي ليس له قرابة، وكلما كان الجار أقرب بابًا كان آكد حقًّا؛ فينبغي للجار أن يتعاهد جاره بالهدية، والصدقة، والدعوة، واللطافة بالأقوال والأفعال، وعدم أذيته بقول أو فعل.اهـ، وقال صلى الله عليه وسلم : «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه». متفق عليه، والوسائل العملية في ذلك أن يري الطفل من والديه أداء هذه الحقوق.

للجوار حق وراء الأخوة

     قال القاسمي -رحمه الله-: للجار حق وراء ما تقتضيه الأخوة، أن يبدأه بالحسنى، ويعينه إذا استعانه، ويقرضه إذا استقرضه، ويعوده في المرض، ويعزيه في المصيبة، ويقوم معه في العزاء، ويهنئه في الفرح، ويظهر الشركة معه في سروره، ويصفح عن زلاته، ويهديه من فضل ما يجد، ويستر ما ينكشف له من عوراته، ولا يسمع فيه كلاماً، ويغض بصره عن حرمته، ويتلطف لولده في كلمته، ويرشده إلى ما يهمه من أمر دينه ودنياه.اهـ (جوامع الآداب: 47).

أعط كل ذي حق حقه

     وألا يؤذه بأي نوع من أنواع الأذى، من ضرب، أو شتم، أو ضوضاء، أو صياح أطفال، أو دبيب أقدام، إن كان يسكن تحته، أو بغيظٍ من ولدٍ لولده بطعام أو لباس، ولاسيما إن كان فقيراً ونحو ذلك، قال النبي صلى الله عليه وسلم : «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذِ جاره» الحديث. متفق عليه، والأصل الجامع في ذلك هو وصية الله -تعالى- التي وصّى بها، وقوله صلى الله عليه وسلم : «فأعط كل ذي حق حقه». الحديث . رواه البخاري.

 

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك