رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عصام حسانين 9 ديسمبر، 2019 0 تعليق

التربية الاجتماعية في مرحلة الطفولة (4) تعويد الطفل سنة السلام

 

تكلمنا في مقالين سابقين عن أمرين من أسس التربية الاجتماعية التي جاءت عنه صلى الله عليه وسلم وهما اصطحاب الطفل إلى المسجد، واصطحاب الطفل إلى مجلس الكبار، ونستكمل بقية هذه الأسس بالحديث عن تعويد الطفل سُنَّة السلام، وعيادة الطفل إذا مرض، واختيار الطفل أصدقاءً له.

     السلام هو تحية الإسلام،  وهو خير التحية، وهو تحية الله لأهل الجنة، وتحية الملائكة لهم، وتحيتهم فيما بينهم، وهو دعاء ومعناه: الأمان من الله لكم ورحمته عليكم وبركاته،  وفيه ثواب عظيم؛ فعن عمران بن الحصين -رضي الله عنهما- قال‏:‏ جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فقال‏:‏ السلام عليكم، فرد عليه ثم جلس؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «عشر»، ثم جاء آخر؛ فقال‏:‏ السلام عليكم ورحمة الله، فرد عليه فجلس؛ فقال‏:‏ ‏«عشرون‏»‏، ثم جاء آخر؛ فقال‏:‏ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فرد عليه فجلس، فقال‏:‏ “ثلاثون” ‏‏‏(‏رواه أبو داود والترمذي وقال‏:‏ حديث حسن‏‏‏)‏‏.، وهو مفتاح الكلام مع الناس، وفيه إشاعة للمودة والرحمة بين أفراد المجتمع.

تعليم الطفل

     فيُعلّم الطفل أنه إذا مرّ على مجلس قوم ألقى عليهم السلام، وإذا حيّاه أحد بتحية ردّ بأحسن منها؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يسلم الراكب على الماشي، والماشي على القاعد، والقليل على الكثير».رواه البخاري ومسلم، وفى رواية للبخاري: «والصغير على الكبير»، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم :‏ أي الإسلام خير‏؟‏ قال‏:‏ ‏«‏تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف‏»‏‏.‏ ‏‏متفق عليه‏، ويكون هذا بالتطبيق العملي من الأب؛ فإذا مرّ على أحد ألقى عليه السلام؛ وبذلك يتعلم الطفل من أبيه سنة السلام.

سنة غائبة

    ومن السنة الغائبة: السلام على الأطفال الصغار؛ فعن أنس رضي الله عنه «أنه مرّ على صبيان فسلّم عليهم، ثم قال: إن النبى صلى الله عليه وسلم مرّ على صبيان؛ فسلم عليهم». رواه البخاري ومسلم، وعن ثابت قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزور الأنصار؛ فيُسلِّم على صبيانهم ، ويمسح رؤوسهم ، ويدعو لهم»، صحيح. رواه ابن حبان، وصححه الألباني في صحيح الجامع، قال ابن بطال – رحمه الله –: في السلام على الصبيان تدريبهم على آداب الشريعة....  أ.هـ

التسليم على الوالدين

     ويُعلّم إذا دخل على والديه أن يُسلِّم؛ فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يابُني إذا دخلت على أهلك فسلم، يكن بركة عليك، وعلى أهل بيتك». رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، وإذا كان السلام يجعل الألفة بين أفراد المجتمع؛ فأولى وأجدر أن يجعلها في البيت الذي يشيع فيه السلام، وأنعم بها وسيلة تُدرّب الطفل على الاندماج في المجتمع بسهولة ويسر.

الأساس الرابع: عيادة

 الطفل إذا مرض

     عن أنس رضي الله عنه : «أَنَّ غُلَامًا مِنَ اليَهُودِ كَانَ يَخدُمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ؛ فَمَرِضَ؛ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَعُودُهُ؛ فَقَعَدَ عِندَ رَأسِهِ؛ فَقَالَ: أَسلِم؛ فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِندَ رَأسِهِ؛ فَقَالَ لَه: أَطِع أَبَا القَاسِمِ رضي الله عنه ؛ فَأَسلَمَ؛ فَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَقُولُ: الحَمدُ لِلَّهِ الذِي أَنقَذَهُ مِنَ النَّارِ». رواه البخاري؛ فيا له من إحسان عظيم منه صلى الله عليه وسلم ، ولين جانب، وحرص علي هداية الناس! كانت  نتيجته أن أنقذ الله هذا الغلام اليهودي من النار برسول الله صلى الله عليه وسلم و الحمد لله.

زيارة الكبير للصغير

     ونتعلم منه زيارة الكبير للصغير، ولاسيما وأن في هذه  الزيارة تخفيفاً من آلامه، وتقوية لهذا الحقّ الأخوي، الذي عظّمه الإسلام عند الطفل، قال صلى الله عليه وسلم :  «وإذا مرض فُعده». الحديث. رواه مسلم، ومن العمل الحسن: اتفاق الوالد مع بعض أصدقائه الفضلاء لزيارة طفله إذا مرض، واصطحاب طفله معه عند زيارة مريض؛ فيتعلم هذا الحق الاجتماعي بالقدوة.

الأساس الخامس: اختيار الطفل أصدقاءً له من الأطفال

      كان صلى الله عليه وسلم في صباه يلعب مع الصبيان؛ فقد جاء في خبر شق صدره صلى الله عليه وسلم أن أخاه من الرضاعة - وهو مسترضع في بني سعد- جاء يجري إلى أبويه يقول: «ذاك أخي القرشي قد أخذه رجلان عليهما ثياب بيض؛ فأضجعاه فشقا بطنه؛ فهما يسوطانه (أي يضربان بعضه ببعض ويحركانه). تهذيب سيرة ابن هشام ص 44 ، وكان صلى الله عليه وسلم يمرّ على الصبيان وهم يلعبون؛ فعن يعلى العامري رضي الله عنه أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى طعام دُعوا إليه؛ فإذا حسين مع غلمان يلعب في السِّكَّة (الطريق)، قال: «فتقدَّم النبي صلى الله عليه وسلم أمام القوم، وبسط يديه؛ فجعل الغلامُ يفِرُّ هاهُنا وَهاهُنا، ويضاحِكُه النبي صلى الله عليه وسلم حتَّى أخذه (أمسكه)؛ فجعل إحدى يديه تحت ذقنِه، والأخرى في فأس (وسط) رأسه؛ فقبَّلَه وقال: حُسَيْن منِّي، وأَنا من حُسَيْن، أحبّ اللَّه من أحبَّ حُسَيْناً». رواه ابن ماجه وحسنه الألباني.

سنة اجتماعية ثابتة

    وهذه سنة اجتماعية ثابتة؛ لأن الإنسان كائن اجتماعي، لابد له من اجتماعه بغيره، لذلك فعلى الوالدين أن يُحسنا اختيار صحبة ولدهما، وإن وُفقا في ذلك؛ فقد وُفقا للخير؛ لأن المرء على دين خليله، أي: على عادته وطريقته، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المرء على دين خليله؛ فلينظر أحدكم من يخالل». أخرجه أبو داود وحسنه الألباني في صحيح أبي داود.

صفة الصديق الصالح

     ومن هذا الحديث الشريف نأخذ – أيضاً - صفة الصديق الصالح المناسب لأطفالنا؛ فلابد أن يكون على عادته وطريقته، فكل إلف يميل إلى إلفه، والطيور في جو السماء على أشكالها تقع، وهذا سيكون من خلال المسجد ومكتب تحفيظ القرآن؛ فيتخذ صاحباً له في حفظ القرآن وطلب العلم، ويتعاون معه على ذلك، وأن يكون من أسرة محافظة مشابهة في التربية والاهتمام؛ فالولد ينشأ على ما عوّده أبواه.  وكذلك الأم تفعل مع ابنتها.

وسائل اللهو المباح

     ومن الأهمية بمكان أن يهيئ لهم وسائل اللعب واللهو المباح؛ فاللعب ربيع الطفولة، وفيه تدريب عملي على الروابط الاجتماعية، وننبه هنا على أمر مهم وهو أنه قبل أن يبحث الأب عن الصديق لطفله، لابد وأن يكون صديقاً وفياً له، يقوم تجاهه بواجبين: واجب الأبوة، وواجب الصداقة ؛ فيتصابى له، ويلعب معه ، وهذا مع الأيام سيسهل من مهمة التربية والتوجيه في كل مرحلة عمرية يمر بها الطفل، وكذلك الأم تفعل مع ابنتها، مع الدعاء بالصلاح؛ فإنه من الله -تعالى-.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك