رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عصام حسانين 18 نوفمبر، 2019 0 تعليق

التربية الاجتماعية في مرحلة الطفولة


إن من أخطر جوانب التربية الملقاة على عاتق الوالدين التربية الاجتماعية، تلكم التربية التي تنقل الطفل انتقالاً سلسلاً من مجتمع الأسرة الخاص إلى المجتمع العام الذي هو جزءٌ منه، ولا بد له منه؛ لأنه مخلوق اجتماعى يجتمع بغيره متأثراً ومؤثراً، ومَثَلُ الأسرة في ذلك مثل الجسر الذي يعبر عليه إلى مجتمعه، فهي تلقنه منذ نعومة أظفاره دينه ولغته، وعادات مجتمعه، وسلوكه، وحب الانتماء إليه، وحقوق أفراده.

     وموطن الخطورة في هذا المنحى التربوي ما يترتب عليه من آثار، فإما أن يتم هذا العبور بسلام، وإما أن يتعثر، وقد يصل إلى صدمة اجتماعية فصدمة نفسية بآثارها السيئة من فوبيا المجتمع من مدرسة وأصدقاء؛ ومن ثمّ الانطواء والعزلة هروباً وخوفًا، لذلك لابد من حرص الأبوين على عبور الطفل من مجتمعهما الخاص إلى المجتمع العام بسلامة وأمان، ومن هنا كان تناول هذا الجانب التربوي بشيء من التفصيل.

المقصود بالتربية الاجتماعية

     تكاد تجتمع عبارات الباحثين على أن المقصود بالتربية الاجتماعية: السبل والوسائل التي تؤدي إلى تقوية روابط التعاون بين أفراد المجتمع بما يحقق الحب والتراحم والتعاطف؛ ليعيش المجتمع حياة كريمة، آمنة مطمئنة، وهذا يتطلب في التربية منذ النشأة الأولى توجيه الطفل بأنه عضو في مجتمع، وأنه جزء منه.

الوعي بالذات

     وتستهدف كذلك تنمية وعي الفرد بذاته، وتنمية مهاراته في العلاقات الاجتماعية، وقدرته على تحمل المسؤولية واتخاذ القرار، وتنمية وعيه بمجتمعه، والتغيرات التي تطرأ عليه، وتحديد إمكاناته وأدوارها الاجتماعية، والمسؤوليات المناطة بهذه الإمكانات والأدوار، ولكي يحصل ذلك فلابد من مباشرة المهارات الاجتماعية واستمرارها وتنميتها من حسن التواصل، والاندماج؛ بحيث يكون عضوًا عاملاً نافعًا في مجتمعه، محبًا له، حريصًا عليه وعلى نفعه.

وسائل التربية الاجتماعية

     الوسيلة هي التي يتوصل بها إلى الهدف، والوسائل التي توصلنا إلى التربية الاجتماعية الرشيدة هي: (القرآن الكريم - السنة النبوية) وكلاهما وحي - ما جاء عن الصحابة -رضي الله عنهم- ومن تبعهم بإحسان - والتجارب وهي خير مُعلّم، ويقصد بها: البحوث والدراسات التي يقوم بها علماء الاجتماع، وتجارب المربين العقلاء العلماء.

القرآن الكريم

     القرآن الكريم هو كلام الله -تعالى- تكلم به على الحقيقة على ما يليق بكماله وجلاله عزوجل، أوحى الله -تعالى- به إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - تبيانًا لكل شيء مما يحتاجه الناس من حلال وحرام وغيره، وفيه الهدى والسداد، والنور، والرحمة، والشفاء، والبشرى للمؤمنين؛ فهو بذلك منهاج حياة، ومن جعله أمامه وإمامه قاده إلى حياة السعادة في الدنيا، والفوز والفلاح في الآخرة؛ لأنه من لدن حكيم خبير، {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}(الملك:14)، وفي القرآن أمرٌ للوالدين بإحسان تربية أولادهم، وإنجائهم من النار بالتأديب والتهذيب، وأمرٌ للأولاد بالإحسان إلى الأبوين، وبصلة الأرحام، {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا} الآية: الإسراء :26، والأقارب هم الإخوة والأخوات، والأعمام والعمات، والأخوال والخالات ثم أدناك أدناك.

الفقراء والمساكين

     وأمر القرآن بصلة المسلمين المعوزين من الفقراء والمساكين؛ بل وجعل حقاً مالياً على الأغنياء وهو الزكاة يُعطونه للفقراء وبقية الأصناف الثمانية الذين ذكرهم الله -تعالى- في آية سورة التوبة، وجعل مجتمع المسلمين مجتمعاً واحداً كالنفس الواحدة فقال: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} الحجرات:10، وقال -تعالى- : {ولا تقتلوا أنفسكم...} النساء: 29، {ولا تلمزوا أنفسكم..} الحجرات : 11.

موالاة إيمانية

وجعل موالاة إيمانية للمؤمنين في أيَّ مكان: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} المائدة :55-56.

التعارف والاجتماع

     وأمر بالتعارف والاجتماع؛ فقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} الحجرات:13، قال العلامة السعدي -رحمه الله -: «يخبر -تعالى- أنه خلق بني آدم، من أصل واحد، وجنس واحد، وكلهم من ذكر وأنثى، ويرجعون جميعهم إلى آدم وحواء، ولكن الله -تعالى- بث منهما رجالاً كثيرًا ونساء، وفرّقهم، وجعلهم شعوبًا وقبائل أي: قبائل صغارًا وكبارًا، وذلك لأجل أن يتعارفوا، فإنهم لو استقل كل واحد منهم بنفسه، لم يحصل بذلك، التعارف الذي يترتب عليه التناصر والتعاون، والتوارث، والقيام بحقوق الأقارب، ولكن الله جعلهم شعوبًا وقبائل، لأجل أن تحصل هذه الأمور وغيرها، مما يتوقف على التعارف، ولحوق الأنساب، ولكن الكرم بالتقوى، فأكرمهم عند الله أتقاهم، وهو أكثرهم طاعة وانكفافًا عن المعاصي، لا أكثرهم قرابة وقومًا، ولا أشرفهم نسبًا، ولكن الله -تعالى- عليم خبير، يعلم من يقوم منهم بتقوى الله ظاهرًا وباطنًا، ممن يقوم بذلك، ظاهرًا لا باطنًا، فيجازي كلاً، بما يستحق، وفي هذه الآية دليل على أن معرفة الأنساب، مطلوبة مشروعة؛ لأن الله جعلهم شعوبًا وقبائل لأجل ذلك.اهـ

محاسن الأخلاق

     وأمر القرآن بجميل الشمائل ومحاسن الأخلاق، من ذلك: القول الحسن للناس، قال -تعالى-: {وقولوا للناس حسنًا}، قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله -: «أي : كلموهم طيبا، ولينوا لهم جانبا، ويدخل في ذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالمعروف، كما قال الحسن البصري في قوله: (وقولوا للناس حسنا) فالحسن من القول : يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويحلم، ويعفو، ويصفح، ويقول للناس حسنا كما قال الله، وهو كل خلق حسن رضيه الله». اهـ، وقال القرطبي - رحمه الله -: «وهذا كله حض على مكارم الأخلاق، فينبغي للإنسان أن يكون قوله للناس لينا، ووجهه منبسطا طلقا مع البر والفاجر، والسني والمبتدع، من غير مداهنة، ومن غير أن يتكلم معه بكلام يظن أنه يرضي مذهبه; لأن الله -تعالى- قال لموسى وهارون: فقولا له قولا لينا، فالقائل ليس بأفضل من موسى وهارون، والفاجر ليس بأخبث من فرعون، وقد أمرهما الله -تعالى- باللين معه» اهـ.

عبادات جماعية

     وأمر القرآن بعبادات تؤدى مع الجماعة، يجتمع فيها المسلم بإخوانه المسلمين على طاعة الله، ويتعاون معهم على البر والتقوى من صلاة وصيام وزكاة وحج وجهاد وأمر بمعروف ونهى عن منكر وغير ذلك مما يؤصل للعلاقات الاجتماعية السليمة، ويكون المسلم عضواً نافعًا، صالحًا مصلحًا في مجتمعه.

التشريعات في المعاملات

     وكذا التشريعات في المعاملات التي تقوم على القِسط الذي شرعه الله -تعالى- من بيع وشراء وقرض حسن، ووكالة وكفالة، وقبول الأمانات، والوفاء بالعهود والعقود وإيفاء الكيل والميزان وغير ذلك، تشريعات كلُّها عدل ورحمة، ومحبة وتراحم، وشفقة وإحسان، تجعل المجتمع المسلم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم .

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك