رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: سحر شعير 10 أبريل، 2018 0 تعليق

التربية الإيمانية وأثرها في تعامل أطفالنا مع المال


قال الله -تعالى-: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} (الفرقان: 67)؛ في رحاب الإسلام تتميز عملية التربية بالتوازن والشمول؛ فلا إفراط ولا تفريط؛ حتى ينشأ الطفل نشأة صالحة سوية، ليس فقط في العقيدة والأخلاق، بل أيضًا في السلوكيات المنضبطة بأحكام الشريعة الإسلامية ومبادئها، ومن أهمها السلوك الاقتصادي للطفل، وطريقة تصرفه في المال؛ من حيث الإنفاق والكسب والادخار والاستثمار.

أهمية التوجيه الأسري للطفل تجاه المال

     تؤدي الأسرة دوراً بارزاً في تنشئة الأطفال تنشئة اقتصادية سليمة؛ فينشأ الطفل على الأفكار الصحيحة نحو المال، ويتدرب على حسن إدارته، والتوازن في الإنفاق بين الإفراط والتفريط، وهذه القيم يتعلمها الطفل ويتدرب عليها من خلال الأسرة؛ حيث يتجسّد أمامه (القدوة الاستهلاكية) من خلال سلوك الأم والأب معاً، وكلّما تمّ غرس هذه القيم مبكراً، كلّما كانت أنفع للأبناء وأثبت في سلوكهم، وأبرزها: فإذا شَبَّ الولد على هذه القيم وطبّقها في جوانب حياته، كان فرداً مستقيماً منضبطاً بشرع الله في معاملاته كلها ومنها الاقتصادية.

متى أبدأ بتربية طفلي اقتصادياً؟

     يبدأ الطفل بمعرفة مفهوم المال منذ بداية تعلّمه الكلام، ويزداد إدراكاً لقيمة المال في سنّ الروضة؛ فيفهم عملية تبادل القيمة (المال في مقابل سلعة معينة)، وهنا تبدأ التربية الاقتصادية من خلال تدريبه على الشراء والحساب والادخار، ثم إفهامه أن إهدار المال لا يقتصر على الطريقة المباشرة أي الصرف العشوائي، بل يشمل سلوكياتنا داخل المنزل، مثل عدم إطفاء الأنوار باستمرار في الأماكن غير المستخدمة فيها، وعدم ترشيد استهلاك الطاقة أو الغاز أو المياه، وكذلك السفه في استهلاك الأدوات المدرسية أو شراء الحلوى أكثر من الحاجة.

التربية الإيمانية

لا شك أن هناك علاقة قوية بين التربية الإيمانية والتربية الاقتصادية للطفل؛ حيث تتولد في نفوس أبنائنا بعض المفاهيم الإيمانية ذات الطابع الاقتصادي، منها على سبيل المثال: 

- إن المال الذي معنا ملكٌ لله، وهو -سبحانه وتعالى- الذي يرزقنا - تعالى- ويهب لنا هذا المال؛ لذلك يجب أن نحب الله ونعبده؛ لأنه صاحب هذا المال.

- إنّ هناك ملائكة تراقب تصرفاتنا ومنها الاقتصادية والمالية؛ ولذلك يجب أن نتجنب أن تسجل الملائكة في سجلاتنا شيئا لا يرضاه الله. 

- إنّ هناك آخرة سوف نقف فيها أمام الله -سبحانه وتعالى- ليحاسبنا عن هذا المال من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟

- إن النقود التي في أيدينا وسيلة نهيئ بها لأنفسنا حياة كريمة، ونستغني بها عن الاحتياج للآخرين، ونتعفف بها عمّا في أيدي الناس، ونتقرب بإنفاقها في وجوه الخير إلى الله -تعالى- وليست غاية في ذاتها.

- إنّ هناك الكثير من الأشياء العظيمة لا تستطيع النقود أن تشتريها، وهناك أشياء لا تباع ولا تقدّر بمال، مثل الفضيلة والشرف والصدق.

     وهذه المفاهيم الإيمانية الاقتصادية تنمي عند الأولاد منذ الصغر: الرقابة الذاتية، والخشية من الله والخوف من المساءلة في الآخرة؛ فإذا شَبَّ الولد على هذه القيم وطبقها في جوانب حياته، كان فرداً مستقيماً منضبطاً بشرع الله في كل معاملاته ومنها الاقتصادية، ويعتمد عليه فيما بعد لإدارة اقتصاد بيته واقتصاد بلده على أسس إيمانية.

عزيزي المربي، إليك أهم المحاور التي نحتاج لغرسها في نفوس الأبناء وتدريبهم عليها، لكي يكون سلوكهم الاقتصادي ومفاهيمهم نحو المال والإنفاق صحيحة منضبطة:

التوسط والاعتدال

     تربية الأبناء على التوسط والاعتدال في الإنفاق: فهذه هي الصورة التي ارتضاها الله -تعالى- لنا، قال -تعالى-: {وآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا،إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا} (الإسراء:27،26) وأرشدنا إليها في القرآن الكريم، ومدح عباده المحافظين عليها، قال -تعالى-: {الَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً}(الفرقان:67)، وعن ابن عباس رضي الله عنه: «من أنفق درهماً في غير حقه فهو سرف».

ومن ناحية أخرى يجب أن نربيهم على القناعة والتقشف وقت الأزمات، وأن هذا كله بقدر الله -سبحانه وتعالى-، وَنَقُصُّ عليهم كيف كان سلوك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقت الأزمات، عن جابر بن عبد الله الأنصاري -رضي الله عنهما- قال: لما حفر النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه الخندق أصابهم جهد شديد حتى ربط النبي - صلى الله عليه وسلم - على بطنه حجراً من الجوع) – رواه الإمام أحمد.

البركة في الرزق

- تعويدهم على الربط بين الأخلاق الفاضلة والبركة في الرزق: تتضمن التربية الاقتصادية غرس كثير من القيم الأخلاقية مثل: الصدق والأمانة، والاعتدال والقناعة، والوفاء وحسن المعاملة والسماحة والبشاشة وطلاقه الوجه، كما نحذرهم من السلوكيات المنهي عنها شرعاً ومنها: الإسراف والتبذير، والبذخ، والغش والتدليس، وكل أنواع الاعتداء على أموال الناس.

كذلك نبين للأبناء أن الالتزام بالأخلاق الفاضلة له أثر مباشر في تحقيق البركة في الأرزاق وتحقيق الأمن النفسي، والرضاء الذاتي، فضلا عن الثواب العظيم المدخر لنا يوم القيامة.

الكسب الحلال

-تعويد الأبناء على العمل والكسب الحلال الطيب: من أهم عناصر التربية الاقتصادية الصحيحة للأبناء، تعويد الطفل على قيمة العمل والكسب الحلال الطيب من عمل يده خلال فترات الأجازات، وهذا يتطلب من والديه وإخوته الكبار تدريبه على بعض الأعمال التي تناسب سنه، ومن ثم يتعود على تملك المال الخاص ومعرفة قيمته، وتنظيمه بين الادخار، والتصدق، وحفظ باقي المال وتنميته.

ادخار الفائض

- ادّخار الفائض لوقت الحاجة والفقر:  من الأهمية أن نربي أولادنا على أن الله -سبحانه وتعالى- هو الباسط والمقدر للأرزاق، أحياناً يكون هناك سعة في الرزق، وأحياناً يكون هناك ضيق في الرزق؛ وتأسيساً على ذلك فإن العاقل لا يسرف وقت السعة، بل يدّخر لوقت الحاجة؛ فإن ذلك وقاية للإنسان من الحاجة والفقر، وقد كان من دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -: «وأسألك القصد في الفقر والغنى».

ترتيب الأولويات

- الإنفاق بحسب الأولويات: وهي الضروريات؛ فالحاجيات؛ فالتحسينات؛ فعندما يطلب الولد شيئا في مجال الكماليات وهو في الوقت نفسه محتاج إلى شيء آخر في مجال الضروريات؛ فنعطي الأولوية للضروريات، ونبين له أن هذا أولى من ذاك.

الإنفاق في الخير

- تدريب الأبناء على الإنفاق في أوجه الخير ابتغاء مرضاة الله -تعالى-: لهذه الخطوة أكثر من فائدة؛ فمنها تخليص الطفل من الشح والبخل، وهذا لا يكون إلا بالقدوة والتدريب العملي، وأيضاً تعويده على أخلاق التكافل وكرم النفس وحب العطاء، ومن أروع ما يروى في ذلك: عن عروة بن الزبير قال: «أدركت سعد بن عبادة، ومنادٍ ينادي على أطمة - صخرة على باب بيته- من أحب شحماً ولحماً فليأت سعدا، ثم أدركت ابنه قيسا ينادي بمثل ذلك قال: وكان سعد بن عبادة يقول: اللهم هب لي حمدا، وهب لي مجدا، لا مجد إلا بفعال، ولا فعال إلا بمال، اللهم إنه لا يصلح لي القليل، ولا أصلح عليه»– رواه الطبراني.

الاتجاهات الخطأ

     وأخيراً عزيزي المربي: لنتذكر أنّ اتجاهات الأبناء الخطأ تجاه المال، كانت وماتزال سببا رئيساً في الانحراف سواء كان السبب يرجع إلى وفرة المال في أيديهم بلا رقيب، فضلا عن رفقاء السوء من المبذرين، الذين يزينون لهم إنفاق هذا المال في طرق الغواية والفساد، وكذلك شدة التقتير والحرمان قد تؤدي إلى السلوك المنحرف، الأمر الذي يجعلنا نهتم أشد الاهتمام بالتربية الاقتصادية المبكرة للأبناء،حتى يشبوا راشدين و يكونوا من عوامل ازدهار أمتهم -إن شاء الله تعالى.

 

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك