التربية الأخلاقية في مرحلة الطفولة (2) أسس البناء الأخلاقي
هناك أسس خمسة يقوم عليه البناء الأخلاقي ذكرها صاحب كتاب: (منهج التربية النبوية للطفل) وهي: خلق الأدب وخلق الصدق وكتم السر والأمانة سلامة الصدر، ونتناول في مقال اليوم الحديث عن خُلُق الأدب، والأدب معناه في اللغة: التهذيب والتأديب، يقال: أَدَبَ الولد: أي وجّهه إلى محاسن الأخلاق والعادات الحميدة.
وقال ابن حجر -رحمه الله-: «والأدب: استعمال ما يُحمد قولاً وفعلاً، وعُبِّر عنه بأخذ مكارم الأخلاق، وسئل الجنيد عن الأدب فقال: «حُسن العشرة»، وهذا يبرز لنا أهمية تأديب الصغير؛ ليحسُن ظاهره وباطنه.
اهتمام السلف بالأدب
ولذلك اهتم السلف بالأدب، قال علىِّ - رضي الله عنه - في قوله- تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} الآية: (التحريم:6)،: «علموهم وأدبوهم»، وعن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه - قال: «أدّب ابنك، فإنك مسؤول عنه، ماذا أدّبته؟ وماذا علمته؟ وهو مسؤول عن برك، وطواعيته لك»، وقال الإمام مالك: «كانت أمي تعممني، وتقول لي: اذهب إلى ربيعة، فتعلم من أدبه قبل علمه»، وعن وكيع قال: «قَالَتْ أُمُّ سُفْيَانَ (الثوري الإمام) لِسُفْيَانَ: اذْهَبْ فَاطْلُبِ الْعِلْمَ حَتَّى أَعُولَكَ أَنَا بِمَغْزَلِي فَإِذَا كَتَبْتَ عَدَدَ أَحَادِيثَ فَانْظُرْ هَلْ تَجِدَ فِي نَفْسِكَ زِيَادَةً فَاتَّبِعْهُ وَإِلا فَلا تَتَّبِعْنِي». أدب الإملاء 109
ورحم الله أم سفيان وابنها فقد خرّجت للأمة الإمام الثوري -أمير المؤمنين في الحديث والعلم والورع والعبادة-؛ فلتكن الأمهات كأم مالك وسفيان أو تقترب منهم في حسن التوجيه والرعاية الإيمانية، وقال أحد السلف لابنه: «يابنى،لأن تتعلم باباً من الأدب أحب إلىّ من أن تتعلم سبعين باباً من أبواب العلم».
الآداب النبوية
ومن الآداب النبوية نذكر ما يلي:
الأدب مع الوالدين
فيُعلَّم احترام الأبوين، ولا يُعوّد أن ينادي أحدهما باسمه، ولا يمشي أمامه، ولا يجلس قبله، ولا يأكل قبله، وأن يقول لهما قولاً حسناً كريماً، ولا يتسبب في سبهما؛ بأن يسب أحداً بأبيه مثلاً فيسبّه المستبُّ بأبيه؛ وهذا من أكبر الكبائر كما قال - صلى الله عليه وسلم-، عن أبى هريرة - رضي الله عنه - أنه أبصر رجلين فقال لأحدهما: «ما هذا منك؟ فقال: أبى، فقال: لا تسمه باسمه، ولا تمشِ أمامه، ولا تجلس قبله» الأدب المفرد. سنده صحيح. (صحيح الأدب المفرد).
الأدب مع العلماء
قد رفع الله - تعالى - من منزلة العلماء الذين يعملون بعلمهم، ويعلمونه للناس؛ فقد جعلهم رؤساء الناس، ومرجعاً لهم في حالة الأمن والخوف، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، وإنما ورثوا العلم فمن أخذ به أخذ بحظ وافر». رواه أبو داود. وصحَّحه الألباني في (صحيح أبي داود) (٣٦٤١)؛ لأن العلماء يُنيرون للناس طريقهم كما أن القمر ينير الكواكب، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «ليس من أمتى من لم يجل كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا حقه». حسن. (صحيح الجامع) 5443، وقال يحيى بن معاذ: «العلماء أرحم بأمة محمد - صلى الله عليه وسلم - من آبائهم وأمهاتهم. قيل: وكيف ذلك؟ قال: لأن آباءهم وأمهاتهم يحفظونه من نار الدنيا، وهم يحفظونهم من نار الآخرة».
قصة ابن عباس - رضي الله عنه
ومما يعلم للطفل قصة ابن عباس في طلبه العلم، وفيها ما فيها من همة عالية وأدب مع العلماء رفيع، عن عكرمة قال: «قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: «لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت لرجل من الأنصار: هلم فلنسأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنهم اليوم كثير»، فقال: واعجباً لك يا ابن عباس، أترى الناس يفتقرون إليك وفي الناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من فيهم، قال: «فتركت ذاك وأقبلت أسأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كان يبلغني الحديث عن الرجل فآتي بابه وهو قائل فأتوسد ردائي على بابه يسفي الريح علي من التراب فيخرج فيراني»، فيقول: يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جاء بك؟ هلا أرسلت إلي فآتيك؟ فأقول: «لا، أنا أحق أن آتيك»، قال: فأسأله عن الحديث، فعاش هذا الرجل الأنصاري حتى رآني وقد اجتمع الناس حولي يسألوني، فيقول: «هذا الفتى كان أعقل مني». رواه البيهقى.
مجالس العلماء
ويعلم إذا حضر مجالس الكبار (أي من العلماء) فليكن حريصاً على أن يسمع أكثر من أن يتكلم، عن سمرة بن جندب - رضي الله عنه - قال: «لقد كنت على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غُلاماً، فكنت أحفظ عنه، فما يمنعني من القول إلا أن ها هنا رجالاً هم أسن مني» رواه البخارى ومسلم، وإذا صار يعي ويميز فإنه يُحضره مجالس العلم والسماع كما كان السلف يفعلون، ورجح العلماء ذلك في تحمل الصبي للحديث.
الأدب مع الكبير
لابد وأن يُربى الطفل على احترام الكبير وتوقيره، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويوقر كبيرنا». ( صحيح الجامع 5445 )، كما رأينا في حديث سمرة، كيف لم يتكلم في وجود الكبار، وليكن حريصاً على الاستفادة من علمهم وخبرتهم.
الأدب مع الإخوة
على الوالدين أن يشيعا في البيت جو الحب والوُد، والتوقير والاحترام، وأن يحترم الصغير الكبير، ويعطف الكبير على الصغير، وأن يكون عادلاً في ذلك، وكذا في هبته وقُبلته وثنائه حتى يحافظ على أواصر المحبة والقرب بين الإخوة.
الأدب مع الجيران
وهذا ما يجب أن يؤكده الوالدان لأولادهم. فإن الله -تعالى- جعل حقاً للجار وإن كان كافراً، وجعل - صلى الله عليه وسلم - إكرامه من علامة الإيمان. قال صلى الله عليه وسلم : «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره». رواه البخاري ومسلم.
فيحافظ على شعوره، ولا يؤذه بأىّ نوع من أنواع الأذى، وليُوصل إليه المعروف، ويحتمل منه الجفوة أو الإساءة، وليقدم إليه يد المساعدة،وليحفظه في حريمه؛ فإن من أعظم الذنوب عند الله -تعالى- الزنا بحليلة الجار كما قال - صلى الله عليه وسلم .
أدب الاستئذان
وهذا مما يجب على الوالدين أن يأمرا أولادهما به، وأن يعوّد الولد الاستئذان داخل البيت، ويُمتحن فيه، ولاسيما في وقت القيلولة وقبل صلاة الفجر وبعد صلاة العشاء، وألا يفتح باباً مغلقاً إلا بإذن، ويُعلم كيفية الإذن. وكذا عند دخول بيوت الآخرين، وألا يدخل بيتاً ليس فيه أحد، ولا يفتح باب البيت إلا لمن استأذن وعرّف نفسه.
أدب الطعام
قالوا وصدقوا: تناول الطعام عورة، يُبدي شخصية الإنسان؛ لذلك لابد من الاهتمام بأدب الطعام، وعدم التهاون فيه، فيكون التعليم الصحيح لطريقة الأكل، والدربة عليها،والثواب أو العقاب عند التنفيذ حتى تكون الطريقة الصحيحة له عادة إذا بلغ مبلغ الرجال، وصار يخالط الناس، عن عُمَرَ بنِ أَبي سلَمَة -رضي اللَّه عنهما- قَالَ: قَالَ لي رسولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «سَمِّ اللَّه، وكُلْ بِيَمِينكَ، وكُلْ مِمَّا يَلِيكَ». متفقٌ عَلَيهِ.
وإن نسى أن يذكر الله في أوله فليقل باسم الله أوله وآخره، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ -تَعَالَى-، فَإِنْ نَسِيَ أَنْ يَذْكُرَ اسْمَ اللَّهِ -تَعَالَى- فِي أَوَّلِهِ فَلْيَقُلْ بِسْمِ اللَّهِ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ». صححه الألباني في صحيح أبي داود، وحتى لا يستحل الشيطان الطعام، وإذا فرغ من طعامه حمد الله -تعالى-، وألا يعيب طعاماً، ولا يبادر إلى الطعام قبل غيره، ولا يُحدق إلى الطعام وإلى من يأكل، ولا يُسرع في الأكل، ويمضغ الطعام مضغاً جيداً، ولا يوالي بين اللقم، ولا يلطخ ثوبه ولا يديه، ويقبّح عنده كثرة الأكل، وأن يقنع بالطعام الخشن.
أدب مظهر الطفل
مظهر الطفل له أهمية كبرى، وهو عنوان شخصيته، وعنوان بيته أيضاً، فما هو إلا مرآة لأسرته، ولها أثر في تعايشه مع أبناء مجتمعه، كما أن له علاقة باستقرار الأسرة وعدم استقرارها؛ فالبيت الذى تسوده حالة نفسية جيدة، ينعكس على مظهر طفلهم أمام الناس، أما البيت الذى تسوده المشكلات والاضطرابات النفسية؛ فيؤثر بالسلب والإهمال على مظهر الطفل، لذلك لابد من إعداد البيت جيداً لاستقبال الأطفال حتى ينشؤوا نشأة سوية صحيحة.
وقد بيّن صلى الله عليه وسلم طريقة حلاقة شعر الصبي؛ بحيث يكون مظهره جميلاً. فعَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - «رَأَى صَبِيًّا قَدْ حُلِقَ بَعْضُ شَعَرِهِ وَتُرِكَ بَعْضُهُ، فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ، وَقَالَ: «احْلِقُوا كُلَّهُ أَوْ اتْرُكُوا كُلَّهُ» رواه أحمد وصححه الألباني في الصحيحة (1123)، وكذا بيّن ما يلبسه؛ فحرم على الذكور الذهب والحرير، والمعصفر والمزعفر، وعَنْ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ( نَهَى عَنْ الْقَزَعِ ) قيل لنافع: ما القزع؟: قال: «أن يحلق بعض رأس الصبي ويترك بعضه». رواه البخاري ومسلم.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: رَأَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَيَّ ثَوبَينِ مُعَصفَرَينِ فَقَالَ: «إِنَّ هَذِهِ مِن ثِيَابِ الكُفَّارِ فَلا تَلبَسهَا»، وفي رواية: «أَأُمُّكَ أَمَرَتكَ بِهَذَا؟ قُلتُ: أَغسِلُهُمَا؟ قَالَ: بَل احرِقهُما» رواه مسلم، وكذا لا يجوز لُبس ما هو من خصائص الكفار، ولا التشبه بالكفار والفجار؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «ومن تشبه بقوم فهو منهم». رواه أحمد بسند صحيح.
لاتوجد تعليقات