رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عبدالقادر علي ورسمه 13 أكتوبر، 2015 0 تعليق

التدخل الروسي في سوريا تقاسم أدوار مع أمريكا أم عودة إلى نظام التحالفات؟

في وقت ازدادت فيه أزمة النازحين السوريين تفاقما ولم تستطع الدول الأوربية إخفاء فشله في حل هذه المشكلة التي كانت تستدعي أن يتشاور العالم في أسباب هذا التهجير القسري الذي يعانيه الشعب السوري منذ ما يزيد على أربعة أعوام، وبينما كان العالم الذي ينتظر قرب الحل الذي كانت تبشر به الدول الغربية دخل الدب الروسي في المعادلة من باب الحفاظ على نظام بشار الأسد سيئ السمعة وبدأ بتشكيل تحالفات عسكرية في المنطقة ظنا منه أن بإمكانه استعادة دور الاتحاد السوفيتي السابق في المنطقة، ورغم هذا الدخول الذي يبدو مفاجئاً إلا أن المواقف الغربية ولاسيما الأمريكية السابقة كانت تعطي بعض الدلالات لما سيؤول إليه الأمر من التراخي الذي قد أعطى ضوءا أخضر لروسيا في بسط يدها وعمل ما تراه مناسبا لمصالحها؛ لأن سيد البيت الأبيض لا يريد أن يخسر إتمام صفقته التاريخية مع إيران؛ ولذلك فإن حلفاء إيران عليهم أن يتحركوا لتحقيق مآربهم في المنطقة.

     وهذا التراخي الأمريكي والغياب العربي قد أوصل الوضع في المنطقة أن تصبح مرتعا للمليشيات الطائفية التي تشعل نيرانها الحرب من اليمن إلى الشام، وتمكنت إيران دفع روسيا في أتون الحرب بصفة شريك استراتيجي وتحييد أمريكا إن لم تكن بتنسيق معها؛ ولذلك فإن المنطقة العربية تحتاج إلى استراتيجية جديدة للتعامل مع كل هذه الأوراق المبعثرة التي لن يكون حلها سهلا، كما أنه من المؤكد أن تورط روسيا في هذه الحرب المفتوحة سيكون له نتائج كارثية لمستقبلها، ويبدو أنها لم تعي دروس حرب أفغانستان السابقة.

إبادة الشعب

     وعلينا أن نؤكد أن القوى الدولية لا تهمها قضية المدنيين والأزمات الإنسانية التي يتعرض لها الشعب السوري، وأن أكثر ما يهمها مصالحها، وقد تكون روسيا آخر من يفكر في المدنيين وحقوقهم كما يؤكد الكاتب الصحفي والمحلل السياسي جمال خاشقجي؛ حيث يقول «الروس قبيحون في حروبهم، لا يعيرون حقوق الإنسان قيمة. إنهم يحرقون الأرض ومن عليها من أجل القضاء على مقاتل واحد، هذا ما فعلوه في أفغانستان، فهجَّروا خمسة ملايين أفغاني من بلادهم خلال عام واحد، فأصبحوا أكبر عدد للاجئين من جنسية واحدة، واحتفظوا بهذا الرقم البائس حتى انتزعه السوريون منهم وكذلك فعلوا في الشيشان، جعلوا أعلى غروزني سافلها، وما لم يمنعهم قوي قادر، فسيكررون للأسف الجرائم ذاتها على مقربة منا...!».

الموقف الأمريكي

     وأما عن موقف الأمريكان من هذه المجازر التي يرتكبها النظام السوري يقول الكاتب (هاري هاجوبيان) في مقال له: «والواقع أننا إذا أردنا تحليل الموقف الأمريكي فيجب النظر إلى الاعتبارات السياسية وليس الإنسانية, فتجربة التدخل العسكري الأمريكي في العراق وأفغانستان مازالت ماثلة أمام صناع القرار في البيت الأبيض مما يعني خوف واشنطن من خوض تجربة عسكرية جديدة غير مأمونة العواقب, أما على الجانب الإنساني فإن الولايات المتحدة لن تتدخل أبداً لنُصرة الشعب السوري في مواجهة نظام قمعي لا يتوانى عن قتل الآلاف مقابل البقاء في السُلطة».

إنقاذ الأسد

     حاول الرئيس الروسي (فلادمير بوتين) تأكيد دفاعه عن بشار الأسد ونظامه حتى يقول للعالم إنه يريد محاربة الإرهاب؛ حيث قال: «علينا أن نعترف أن لا أحد سوى القوات المسلحة للرئيس (السوري) يقاتل فعليا الدولة الإسلامية» وبدأت قواته في توجيه ضربات جوية للمعارضة في الأسبوع نفسه تأكيدا لدفاعه عن نظام الأسد المترنح وإسكات الأصوات التي كانت تكرر يجب أن يرحل دون أن تفعل شيئا، ولنا أن نتساءل هل هذه الضربات الروسية تستطيع أن تهزم (داعش)؟ وهل تتمكن من أن تحفظ لبشار الأسد كرسيه؟ وما الذي تحققه الدبلوماسية الروسية من هذه التحركات الدموية للدبلوماسية الروسية، وفي هذا يذهب الكاتب المتخصص في الشؤون الروسية سامر إلياس: إلى أن الضربات الروسية تضعف المعارضة الديمقراطية والمعارضات المعتدلة، وتقوي المتشددين في محاولة لتكرار أقاويل النظام بأن أساس الأزمة في سوريا حرب بين متطرفين إسلاميين ونظام علماني. ولكن الواضح أن موسكو لن تستطيع فرض حل يعود بسوريا إلى ما قبل مارس 2011، يثبت مواقع الأسد، أو يضمن لها وجودا مستقرا في قاعدة طرطوس، أو قواعدها الجديدة التي شرعت ببنائها تحضيرا للضربة الحالية.

     ويضيف: ومن المؤكد أن الكرملين لن يستطيع مواصلة سياسة الهروب إلى الأمام، وافتعال أزمات خارجية، للتغطية على مشكلاته الداخلية وتراجع الاقتصاد، ولا سيما أن التدخل في سوريا سوف يزيد عزلة روسيا دوليا، وسيؤدي إلى تراجع فرصها في بناء علاقات شراكة قوية مع البلدان العربية والعالم الإسلامي، بينما لا توجد ضمانات تؤكد قدرة روسيا على إنقاذ نظام الأسد.

استراتيجية عربية

     ومن المؤكد أن الأمر يحتاج إلى استراتيجية عربية وإسلامية لإنقاذ سوريا وشعبها من المحرقة الإيرانية الروسية، ومما لا شك فيه يتطلب الأمر من دولة عربية محورية تقود هذا التحرك، وقد يتطلب الأمر إلى توحيد موقف الدول العربية المحورية كالسعودية ومصر التي يبدو موقفها ضبابيا في الفترة الأخيرة؛ ولذلك تتطلب هذه الاستراتيجية إلى وضوح وعدم الاختفاء وراء التصريحات الغامضة، وهذا ما فعلته المملكة العربية السعودية حيث قال وزير الخارجية السعودي عادل الجبير من على منصة الأمم المتحدة: إنه «لا مستقبل للأسد في سوريا»، مضيفا أن «هناك خيارين أمامه يتمثل الأول في عملية سياسية يتم من خلالها تشكيل مجلس انتقالي ورحيل الأسد، والآخر عسكري ينتهي أيضا برحيله»، وعن موقف السعودية يقول الكاتب جمال الخاشقجي: الدولة مدركة ومقاومة للمشروع الإيراني، وما حصل يمثل «التحدي الأكبر»، ولن تستطيع أن تتحمل انتصارا إيرانيا هناك يستلب منها قلب العروبة النابض.

صفقة روسية إيرانية

     إنه ليس احتلالا روسيا، إنها صفقة روسية إيرانية. لقد عجز بشار عن الانتصار، لم تسعفه إيران و(حزب الله) على رغم شراسة مقاتليهم، طائرات النظام «غبية» لا تستطيع أن تقتل غير مدنيين ببراميلها المتفجرة، فاستفزعوا بالروس. إنها شراكة بين القوم، ومن الجهالة أن يعتقد أحد أن الوجود الروسي الحربي في سوريا سيكون على حساب إيران، لقد صرح بوتين بوضوح أن مشاركته ستكون جوية فقط، إنهم جميعا يقفون في غرفة عمليات واحدة، هذا يقصف بقنابله الذكية ويوفر لهم صورا فضائية، وهم يتحركون على الأرض للفتك بالثورة السورية، إنهم يفعلون ما لم نفعل.

     ويقول أيضا: ستقاوم السعودية كل ذلك، أتوقع أنها ستتحرك أولا ديبلوماسيا لتشكيل موقف عربي رافض للتدخل الروسي يؤسس موقفا دوليا، ثم تصعّد في دعمها المقاومة، ولكنها أراض خطرة، تشكيل موقف عربي سيختبر صدق بعض من تحالفاتها كانت ترجو لو لم تضطر إلى اختباره، مصر مثلا متحمسة للعدوان الروسي، إعلامها لا يخفي ذلك، ولكن لا يمكن صدور قرار من الجامعة العربية من دون مصر، ولن تقبل السعودية أن تقف حليفتها بدعم غير مسبوق مع الخصم الروسي، والسعودية -لمن لا يعرفها- لا تحب التهديد والوعيد إن لم تكن قادرة عليه، فلم تهدد يوما بإلقاء إسرائيل في البحر، أو إحراق نصفها، لذلك إصرار الجبير على استخدام عبارة «العمل العسكري» يعني أن السعودية مستعدة للمواجهة.

     وعليه يجب أن نعي أن المرحلة القادمة تتطلب منا وعيا كاملا وقراءة متأنية فضلا عن ترشيد المجتمع بالتعامل مع المرحلة بواقعية بعيدا عن التخذيل ونشر التحليلات غير الدقيقة التي تهدف إلى بث الرعب وتضخيم قدرات العدو التي لا تستند إلى معلومات علمية وتقارير ثابتة، ومن المؤكد أن خطورة المرحلة تحتاج إلى أن نكون حذرين جدا حتى لا نلدغ من الجحر نفسه مرة أخرى.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك