رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر الشرعي 4 أبريل، 2016 0 تعليق

التحـذير مـن العجلـة- الشيخ الثبيتي: استِعجالُ النصر دون التمكُّن من أسبابِه جهلٌ بسُنن الله

أخطرُ صُور الاستِعجال المذمُوم على الإنسان: إيثارُ العاجِلِ على الآجِلِ، والاستِغراقُ في مُتَع الحياة الدنيا، والغفلةُ عن الآخرة

من الاستِعجال المذمُوم: الاندِفاعُ في ترويجِ الشائِعات، واتهام الأبرياء دون تثبُّت

ألقى فضيلة الشيخ عبد البارئ بن عواض الثبيتي - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: (التحذير من العجلة)، تحدَّث فيها عن الاستِعجال والتحذير منه، مُبيِّنًا أن العجلَة قسمَان: أحدِهما: محمُودٌ، وهو المُسارعةُ في الخيرات وأعمال البرِّ، والثاني: مذمُومٌ، وقد بيَّن صُورَه وكيفية علاجِه في ضوء الكتاب والسنة، وكان مما جاء في خطبته:

     قدَّر الله الأقدار، وجعلَ لكل شيءٍ من مخلُوقاته أجلاً، قال سبحانه: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا}(الفرقان: 2)، وقال: {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ}(الرعد: 38)، وقدَرُ الله لا تُحِلُّه العجَلةُ قبل وقتِه، ولا يُوقِعُه الطلبُ قبل أوانِه، قال الله تعالى:  {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}(الطلاق: 3)، واستِعجالُ المطَالِبِ والأماني جِبِلَّةٌ إنسانيَّة، وفِطرةٌ بشريَّة، قال الله تعالى: {خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَل}، ومن عظيمِ حلمِ الله، وواسِعِ رحمتِه: أن استِعجالَ البشر لا يُغيِّرُ قضاءَه وقدرَه وأحكامَه، قال الله تعالى: {وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ}((الكهف: 58).

العجلة المذمومة

     والعجَلةُ المذمُومة ما كان في غير طاعةٍ، وهي من أسلِحة الشيطان في نفسِ ابنِ آدم، عاقبتُها الخسارة، ومآلُها الندامة، فعن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : «التأنِّي من الله، والعجَلَةُ من الشيطان»، وقال عمرُو بن العاصِ رضي الله عنه : «لا يزالُ الرجلُ يجنِي من ثمرَةِ العجَلَة الندامةَ».

إيثارُ العاجِلِ على الآجِلِ

     وأخطرُ صُور الاستِعجال المذمُوم على الإنسان: إيثارُ العاجِلِ على الآجِلِ، والاستِغراقُ في مُتَع الحياة الدنيا، والغفلةُ عن الآخرة، قال الله تعالى: {كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ}(القيامة: 20، 21)، فنعيمُ الآخرة نعيمٌ مُخلَّدٌ دائِمٌ، لا يشُوبُه كدَرٌ ولا ألَمٌ، ولا يقطَعُه قاطِعٌ، قال الله تعالى: {فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا}(النجم: 29).

الاندِفاعُ في ترويجِ الشائِعات

ومن الاستِعجال المذمُوم: الاندِفاعُ في ترويجِ الشائِعات، واتهام الأبرياء دون قال الله تعالى: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ}(النور: 15).

، الألسُنُ تتلقَّى الأقوال، وتتقاذَفُ التُّهَم بلا تردُّد. يمرُّ القولُ على الآذان، وتستقبِلُه بلا وعيٍ، وينسَابُ بلا عقلٍ، قبل أن يتأمَّلَه القلبُ ويُعرَضُ على ميزان الشرعِ، {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ}(النور: 15).

     الحماسُ وفَورَةُ العاطفة الجيَّاشة دون ضابِطٍ صُورةٌ من الاستِعجال المذمُوم، الذي لا يخدمُ قضايا الأمة، يقول أُسامةُ بن زيد رضي الله عنه : بعثَنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى الحُرَقَة، فصبَّحنا القومَ، فهزَمناهم، ولحِقتُ أنا ورجلٌ من الأنصار رجُلاً منهم، فلما غشِينَاه قال: لا إله إلا الله. فكفَّ الأنصاريُّ، فطعنتُه برُمحي حتى قتلتُه، فلما قدِمنا بلغَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ، فقال: «يا أُسامة! أقتلتَه بعدما قال: لا إله إلا الله؟!»، قلتُ: كان مُتعوِّذًا. فما زالَ يُكرِّرُها حتى تمنَّيتُ أني لم أكُن أسلمتُ قبل ذلك اليوم.

الجَورُ في الأحكام والتسرُّع فيها

     من العجَلَة - عباد الله -: الجَورُ في الأحكام والتسرُّع فيها، ولاسيماً في المسائِلِ الكِبار، وهذا يقُودُ إلى التسرُّع والتساهُل في دماءِ المُسلمين؛ لأن سفكَ الدمِ بغير حقٍّ أمرٌ عظيمٌ، ووبالٌ أليم، قال الرسولُ صلى الله عليه وسلم : «لو أنَّ أهلَ السماء وأهلَ الأرض اشترَكوا في دمِ مُؤمنٍ لأكبَّهم الله في النار».

التجرُّؤُ على الفُتيا

التجرُّؤُ على الفُتيا، واستِعجالُ التصدُّر قبل النُّضوج والرُّسُوخ في العلمِ سُوءُ سيرةٍ، ومزلَقٌ ومهلَكةٌ، وأيسرُ الناسِ على الفُتيا أقلُّهم علمًا، يقولُ بعضُ السلَف في زمانِه: «ولبَعضُ من يُفتِي ها هنا أحقُّ بالسَّجن من السُّرَّاق».

استِعجالُ النصر

استِعجالُ النصر دون التمكُّن من أسبابِه جهلٌ بسُنن الله، قال الله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ}(البقرة: 214).

 ذلك أن النصرَ أمرٌ متروكٌ لله - سبحانه -، يجعلُه على يدِ من يشاءُ من عبادِه.

العجَلَةُ في القضاءِ

     العجَلَةُ في القضاءِ والحُكمِ والفصلِ بين الناسِ إفسادٌ لحياتهم، وتضييعٌ لحقوقِهم، يقول عليّرضي الله عنه : بعثَني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمَن قاضِيًا، فقلتُ: يا رسول الله! تُرسِلُني وأنا حديثُ السنِّ ولا علمَ لي بالقضاء؟! فقال ر: «إن اللهَ سيهدِي قلبَك، ويُثبِّتُ لسانَك، فإذا جلسَ بين يدَيك الخصمَان، فلا تقضِيَنَّ حتى تسمَعَ من الآخر كما سمِعتَ من الأول، فإنه أحرَى أن يتبيَّن لك القضاء». قال: فما زلتُ قاضِيًا، أو ما شككتُ في قضاءٍ بعد.

الاستِعجالُ في الدعاء

     والاستِعجالُ في الدعاء من موانِعِ إجابة الدعاء، وقد يدعُو الداعِي وتتأخَّرُ الإجابةُ لحكمةٍ يعلمُها الله -تعالى- فينتهِزُ الشيطانُ الفُرصةَ، ويُوسوِسُ للمُسلم أن يترُك الدعاءَ، قال صلى الله عليه وسلم : «يُستجابُ لأحدِكم ما لم يعجَل، يقول: دعوتُ فلم يُستجَب لي»، قال أحدُ السَّلَف: يُخشَى على من خالَفَ وقال: قد دعوتُ فلم يُستجَب لي، أن يُحرَمَ الإجابة ومقام مقامها من الادخار والتكفير، تلك - عباد الله - صُورٌ من الاستِعجال المذمُوم.

العجلة المحمودة

أما العجَلَةُ في السَّير إلى رِضا الله -تعالى- والمُسارَعة في الخيرات فمنقبةٌ محمُودة، وسِمةُ جميعِ الأنبياء: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِين}(الأنبياء: 90).

     ، وكان موسى -عليه السلام- يُسارِعُ إلى ما يُرضِي الله من الأعمال والأقوال، فيقول: {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى}(طه: 84)، وعن أم سلَمَة قالت: «لما نزلَت: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ}(الأحزاب: 59)، خرجَ نساءُ الأنصار كأنَّ على رؤوسِهنَّ الغِربان من الأكسِية».

الاستِعجالُ المذمُومُ داءٌ، والتأنِّي ومعرفةُ أثره دواء، قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم للأشجِّ رضي الله عنه : «إن فيك خصلَتَين يُحبُّهما الله: الحِلمُ، والأناة»، وقال أحدُ السَّلَف: «ومن تأنَّى وتثبَّتَ تهيَّأَ له من الصوابِ ما لا يتهيَّأُ لصاحبِ البديهَة».

علاج الاستعجال المذموم

يُعالَجُ الاستِعجالُ المذمُومُ بالرُّجوع إلى الوحيَين وأهلِ العلم في النوازِل والفتن، قال - سبحانه -: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ}(النساء: 83).

 ومن التُّؤدَة: استِشارةُ العُقلاء وأهل العلم، وعدم التفرُّد بالرأي، وضبطُ النفس، قال تعالى:{فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ}(الأحقاف: 35).

ضبطُ اللسان والانصِرافُ عن فُضولِ الكلامِ حصانةٌ من بوائِقِ الاستِعجال المذمُوم.

ومن علاجِ الاستِعجالِ المذمُوم: تقديمُ حُسن الظنِّ، والكفُّ عن الخَوض في نيَّات المُسلمين، قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : «إياكُم والظنَّ؛ فإن الظنَّ أكذبُ الحديث».

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك