التحريش بين المسلمين
التحريش هو إثارة العداوة والبغضاء وتأليب النفوس بعضها على بعض ليحدث الشجار والخلاف والشقاق، وكل تحريش وراءه الشيطان يذكيه؛ ولذلك أخبرنا رسولنا - صلى الله عليه وسلم - بذلك فقال: «إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم»، وكان ذلك بعد انتشار التوحيد ودخول الناس أفواجا في دين الله؛ فيئس الشيطان أن يغويهم بالشرك ولكن بقي أن يحرش بينهم حتى يفرق بينهم، ويزيل الأخوة والولاء والمحبة فتدخل الجاهلية، وتتحول الخصومات إلى حروب طاحنة واستباحة الدماء!
يقول جابر رضي الله عنه: «كنا في غزاة فكسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار» هذا كان منه لعبا في عرفه مداعبة لكن في عرف الآخر عيب كبير، فتداعى بعضهم إلى بعض، وجاء الشيطان ليحرش بينهم فقال المهاجري: يا للمهاجرين، وقال الأنصاري: يا للأنصار بدأت عملية التحريش فسمع ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: «ما بال دعوى الجاهلية، دعوها فإنها فتنة»، فحاول عبدالله بن سلول -كبير المنافقين- إغراء الأنصار ليقعوا بالمهاجرين تحت شعارات ظاهرها إسلامية! فعملية التحريش تأتي في النفس ليتعصب بعضهم ويتحزب لقبيلة أو لأرض أو إقليم أو جنس أو لسان، ثم يتفرقون ويصبح كل حزب بما لديهم فرحون.
ولا يمكن أن يجتمع أهل شرك وتوحيد، وأهل بدعة وسنة، لحصول خلط الحق بالباطل! ولذلك كلما سعى اليهود والمنافقون والأعداء دخل الشيطان لزيادة نصرة النفس والهوى، قال تعالى: {كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهَُ} (المائدة:64).
ولقد فعل شاس بن قيس (يهودي) عندما رأى الأوس والخزرج متآلفين ومتحابين ومجتمعين فغاظه ذلك، فجلس معهم ثم ذكر يوم بعاث (أي حروب كانت بين الأوس والخزرج قبل الإسلام)، وسرد قصائد، فتنازعوا وتفاخروا حتى تواثب رجلان من المسلمين، فكل منهم أثار حمية الجاهلية فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فخرج إليهم قائلا: «أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم»، فعرفوا أنها نزعة شيطانية ثم تصافحوا وبكوا، واجتمعوا مرة أخرى. ولما جاءت جارية صفية -رضي الله عنها- إلى عمر الفاروق فقال: إن صفية تحب السبت، وتصل اليهود؛ فبعث إليها يسألها فقالت: أما السبت فلم أحبه منذ أن أبدلني الله به الجمعة، وأما اليهود فإن لي منهم رحما فأنا أصلها، ثم قالت للجارية: ما حملك على ما صنعت؟ فقالت الشيطان، قالت اذهبي فأنت حرة!
التحريش قد يقع على الولاة وأحيانا على العلماء من السفاء والجاهلين، وقد تعرض لذلك شيخ الإسلام ابن تيمية لما أودع السجن. والتحريش يقع في أمور كثيرة، منها: الحياة الزوجية ولذلك جاء في الحديث: «ليس منا من خبب امرأة على زوجها»، والتخبيب هو الإفساد والنميمة وإثارة الطرفين على بعضهما، وإيغار الصدور ودفع إلى الخلع والمطالبة بالطلاق، وانظر إلى القضايا في المحاكم وتخريب البيوت بسببها!
والتخريب قد يقع بين الأصدقاء والإخوان وحدث ذلك مع إخوة يوسف عليه السلام: { وَجَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي} (يوسف:100).
والتحريش يقع بين المدير والمرؤوسين، ويقع بين الموظفين فيما بينهم فيؤذي الأخ أخاه، ويحفر له ونحو ذلك. والتحريش باب من أبواب الإثم، وهو تحقير وهجران واعتداء ومشاجرات وسوء ظن وتجسس، وفيه استباحة المسلم عن طريق الغيبة والنميمة والسباب.
والمحرش لا يكون صادقا؛ فقد دخل رجل على سليمان بن عبدالملك والإمام الزهري جالس، فقال سليمان: بلغني أنك وقعت فيَّ، وقلت كذا وكذا، فقال الرجل: ما فعلت ولا قلت، فقال سليمان: إن الذي أخبرني صادق أنا أثق بالمخبر، فقال الزهري -رحمه الله- لا يكون النمام صادقاً.
فالواجب على المسلم أن يقول التي هي أحسن، ويحسن الظن بالمسلم، ويعتذر إليه إن أخطأ، ويقبل المسلم عذر أخيه، ويسعى لإصلاح ذات البين بكل ما أوتي من حكمة وحنكة ودعاء.
لاتوجد تعليقات