رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وليد دويدار 30 أبريل، 2012 0 تعليق

التحذير من كبائر الذنوب- الشـــرك

 

الحمد لله الذي لا رب معبود بحق غيره، والصلاة والسلام على المبعوث بالتوحيد لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره، أما بعد:

 فقد قال أبو سفيان بن حرب لابن عباس رضي الله عنهما: إن هرقل أرسل إليه في ركب من قريش وكانوا تجّارا بالشّام -وكان هذا قبل إسلام أبي سفيان- فسأل هرقل عن النبي صلى الله عليه وسلم: «قال: ماذا يأمركم؟ قلت: يقول: اعبدوا اللّه وحده ولا تشركوا به شيئا، واتركوا ما يقول آباؤكم، ويأمرنا بالصّلاة والصّدق والعفاف والصّلة، فقال للتّرجمان: قل له: سألتك عن نسبه فذكرت أنّه فيكم ذو نسب... الحديث وفيه: «وسألتك: بما يأمركم؟ فذكرت أنّه يأمركم أن تعبدوا اللّه ولا تشركوا به شيئا، وينهاكم عن عبادة الأوثان، ويأمركم بالصّلاة والصّدق والعفاف، فإن كان ما تقول حقّا فسيملك موضع قدميّ هاتين، وقد كنت أعلم أنّه خارج لم أكن أظنّ أنّه منكم، فلو أنّي أعلم أنّي أخلص إليه لتجشّمت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه» متفق عليه واللفظ للبخاري.

      نعم إن الله تعالى قد أرسل رسله إلى خلقه بالتوحيد والنهي عن الشرك وعبادة الأوثان، والشرك أكبر الكبائر وأقبح الذنوب، وأول السبع المهلكات، وهو سب للرب تبارك وتعالى وتقدس.

      فهو سبحانه المتفرد بالنفع والضر، والعطاء والمنع، والخلق والتدبير؛ فمن علق شيئاً من هذه الأمور بغير الله فقد أشرك به، وله سبحانه الكمال المطلق الذي لا نقص فيه؛ مما يوجب تعظيمه وعدم صرف العبادة لغيره، فمن عبد غيره أو شبه هذا الغير به سبحانه فقد وقع في أعظم المهلكات وأشرك برب العباد وخالقهم، وكما قال أبو العالية: كلمتان يُسأل عنهما الأوّلون والآخرون: ماذا كنتم تعبدون؟ وماذا أجبتم المرسلين؟ فمن علم أنه مسؤول فليعد للسؤال جواباً.

أنواع الشرك:

قال ابن القيّم- رحمه اللّه: الشّرك نوعان: أكبر وأصغر.

فالشّرك الأكبر: لا يغفره اللّه إلّا بالتّوبة منه: وهو أن يتّخذ من دون اللّه ندّا، يحبّه كما يحبّ اللّه، وهو الشّرك الّذي تضمّن تسوية آلهة المشركين بربّ العالمين؛ ولهذا قالوا لآلهتهم في النّار: {تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِين إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ} (الشعراء: 97- 98) مع إقرارهم بأنّ اللّه وحده خالق كلّ شيء، وربّه ومليكه، وأنّ آلهتهم لا تخلق ولا ترزق، ولا تحيي ولا تميت، وإنّما كانت هذه التّسوية في المحبّة والتّعظيم والعبادة كما هو حال أكثر مشركي العالم، بل كلّهم يحبّون معبوداتهم ويعظّمونها ويوالونها من دون اللّه، وهو أنواع كثيرة لا يحصيها إلا الله.

وأمّا الشّرك الأصغر: فكيسير الرّياء، والتّصنّع للخلق، والحلف بغير اللّه، كما ثبت عن النّبيّ[ أنّه قال: «من حلف بغير اللّه فقد أشرك»، وقول الرّجل للرّجل: ما شاء اللّه وشئت، وهذا من اللّه ومنك، وأنا باللّه وبك، وما لي إلّا اللّه وأنت، وأنا متوكّل على اللّه وعليك، ولولا أنت لم يكن كذا وكذا»، وقد يكون هذا شركا أكبر بحسب قائله ومقصده.

من مظاهر الشرك وصوره:

للشرك صور ومظاهر كثيرة، انتشرت بين كثير من المسلمين، ومن ذلك:

1- الاستغاثة والتّوسّل بغير اللّه تعالى: قال شيخ الإسلام ابن تيميّة -رحمه الله-: من أعظم أنواع الشّرك دعاء الملائكة والأنبياء والصّالحين بعد موتهم، وعند قبورهم، وفي مغيبهم، وخطاب تماثيلهم والاستغاثة بهم، وطلب الشّفاعة منهم، وهو من الدّين الّذي لم يشرعه اللّه، ولا ابتعث به رسولاً، ولا أنزل به كتاباً، وليس هو واجباً ولا مستحبّاً باتّفاق علماء المسلمين، ولا فعله أحد من الصّحابة والتّابعين لهم بإحسان.

2- الزيارة البدعيّة للقبور: قال شيخ الإسلام ابن تيمية: هي الّتي يقصد بها أن يطلب من الميّت الحوائج، أو يطلب منه الدّعاء له والشّفاعة، أو يقصد الدّعاء عند قبره لظنّ القاصد أنّ ذلك أجوب للدّعاء، فالزّيارة على هذه الوجوه كلّها مبتدعة لم يشرعها النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ولا فعلها الصّحابة لا عند قبر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ولا عند غيره، وهي من جنس الشّرك وأسباب الشّرك.

3- الذّبح لغير اللّه والنّذر لغيره سبحانه: قال الشّيخ ابن باز-رحمه الله-: قال اللّه عزّ وجلّ: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (الأنعام: 162- 163) فأمر اللّه نبيّه أن يخبر النّاس أنّ صلاته ونسكه- وهو الذّبح- ومحياه ومماته للّه ربّ العالمين لا شريك له، فمن ذبح لغير اللّه فقد أشرك باللّه كما لو صلّى لغير اللّه؛ لأنّ اللّه سبحانه جعل الصّلاة والذّبح قرينين وأخبر أنّهما للّه وحده لا شريك له، فمن ذبح لغير اللّه من الجنّ والملائكة والأموات وغيرهم يتقرّب إليهم بذلك فهو كمن صلّى لغير اللّه، وفي الحديث الصّحيح يقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «لعن اللّه من ذبح لغير اللّه»، وقال ابن القيم –رحمه الله-: أمّا النّذر لغير اللّه تعالى فإنّه أعظم إثماً من الحلف بغيره سبحانه، وإذا كان من حلف بغير اللّه قد أشرك، فكيف بمن نذر لغير اللّه؟!

وغير ذلك من الصور والمظاهر الشركية.

أضرار الشرك:

للشرك أضرار لا حصر لها، ومن أضراره:

- أن الشرك لا يُغفر: قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا} (النساء: 116).

- حبوط الأعمال وإن كانت كثيرة: قال الله سبحانه: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} (الزمر: 65 - 66).

- الخلود الأبديّ في النّار: قال الله تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ}  (المائدة: 72)، هذا مع ما يلقاه في الدنيا من القلق والاضطراب والنّكد والخوف الدّائم والحزن اللّازم.

- والمشرك لا يجد عونا ومددا من اللّه على ما يلقاه من مصائب الأقدار؛ فإنه عدوّ للّه وللبشريّة ولنفسه الّتي بين جنبيه.

- والشرك أعظم ما عُصي الله به وهو يدعو إلى كلّ رذيلة ويبعد عن كلّ فضيلة، فعن عبد اللّه بن مسعود- رضي اللّه عنه- أنّه قال: قال رجل: يا رسول اللّه، أيّ الذّنب أكبر عند اللّه؟ قال: «أن تدعو للّه ندّا وهو خلقك» متفق عليه.

- الشرك من أعظم أسباب الخوف في الدنيا والآخرة، ويدل على ذلك قوله سبحانه: {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ} (آل عمران: 151).

فالحمد لله على نعمة التوحيد، وصلي اللهم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك