رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: أبو عمر حاي الحاي 15 يناير، 2012 0 تعليق

التحذير من جريمة التشـــهـــير(1)

 

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، أما بعد: فإن من أجمل وأروع ما يتحلى به المسلم هو خلق الستر، فالمسلم الحق يستر ولا يفضح ولا يشهر، فإن التشهير خلق مذموم، بل هو جريمة، لذلك فقد أحببت ناصحاً لنفسي وإخواني المسلمين وأخواتي المسلمات توضيح هذا الأمر المحرم في شرعنا وبيانه.

أولاً: تعريف الجريمة في اللغة:

       وردت الجريمة والجرم في اللغة بمعنى التعدي والذنب، ومنه قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ}(الأعراف:40).

       وقال النبي صلى الله عليه وسلم : «إن أعظم المسلمين جرماً من سأل عن شيء لم يحرّم، فحرم من أجل مسألته» متفق عليه رواه البخاري (6859)، ومسلم (2358).

       كما وردت كلمة «جرم» وما اشتق منها في كتاب الله تعالى في واحد وستين موضعاً، تتفق على أن الجريمة انحراف عما وضعه الله تعالى لعباده من حدود، ويدخل في ذلك الشرك والنفاق والذنوب والمعاصي والآثام التي يقترفها الإنسان، أو بمعنى آخر الجريمة هي: كل عصيان لله تعالى، وهذا ما استنبطه فقهاء الإسلام عند تعريفاتهم للجريمة، كما سيأتي بيانه في السطور التالية إن شاء الله.

ثانياً: تعريف الجريمة في الاصطلاح الفقهي:

عرف فقهاء الشريعة الإسلامية الجريمة بعدة تعريفات، أذكر منها:

1- هي محظورات شرعية زجر الله عنها بحد أو تعزير.

2- هي فعل ما نهى الله تعالى عنه، وعصيان ما أمر الله تعالى به.

3- هي إتيان فعل محرم فعله، أو ترك فعل محرم تركه نصت الشريعة على تحريمه والعقاب عليه.

4- هي الواقعة المنطبقة على أحد نصوص التجريم إذا أحدثها إنسان أهل للمسؤولية الجنائية.

5- هي فعل غير مشروع صادر عن إرادة جنائية يقرر له القانون عقوبة أو تدبيراً احترازياً.

6- هل كل عمل أو امتناع ضار، له مظهر خارجي، يحظره القانون ويفرض له عقاباً، ليس استعمالاً لحق ولا قياماً بواجب، ويأتيه إنسان أهل لتحمل المسؤولية الجنائية.

تعريف التشهير:

أولاً: تعريف التشهير في اللغة:

التشهير مصدر شهر يشهر تشهيراً من الشهرة، والشهرة في اللغة تطلق على معانٍ عدة منها:

1- الوضوح: جاء في معجم مقاييس اللغة: الشين والهاء والراء أصل صحيح يدل على وضوح في الأمر، والشهرة وضوح الأمر.

2- الفضيحة: جاء في لسان العرب: والشهرة الفضيحة، وجاء في تاج العروس: وأشهرت فلاناً: استخففت به وفضحته وجعلته شُهْرةً.

3- التشنيع: جاء في لسان العرب: الشهرة ظهور الشيء في شُنعة حتى يشهره الناس.

4- الإعلان: جاء في المعجم الوسيط: شهره شهراً وشهرة: أعلنه وأذاعه.

5- جاء في المبسوط: التشهير: ذهاب ماء الوجه عند الناس.

6- جاء في مقدمة مختصر خليل: «وحيث قلت خلاف، فذلك للاختلاف في التشهير»، قال صاحب (مواهب الجليل) شارحاً قول العلامة خليل بن إسحق المالكي: «يعني أن الشيوخ إذا اختلفوا في تشهير الأقوال، يريد وتساوى المشهرون في الرتبة، فإنه يذكر القولين المشهورين أو الأقوال المشهورة ويأتي بعدها بلفظة خلاف، إشارة إلى ذلك، وذكر رحمه الله في شرحه: «ان تشهير ابن رشد مقدم على تشهير ابن بزيزة».

7- جاء في تكملة المجموع شرح المهذب: «يشهر أمره: أي يكشفه للناس ويوضحه، والشهرة الوضوح».

8- جاء في كشاف القناع: «أقل ما يجب على القوادة التي تفسد النساء والرجال، الضرب البليغ، وينبغي شهرة ذلك بحيث يستفيض في الناس والرجال لتجتنب، وإذا أركبت القوادة دابة وضمت عليها ثيابها، ليأمن كشف عورتها، ونودي عليها هذا جزاء من يفعل كذا وكذا، أي يفسد النساء والرجال، وكان من أعظم المصالح، قاله الشيخ ليشتهر ذلك ويظهر».

9- جاء عن بعض الباحثين المعاصرين تعريفات عدة للتشهير، أذكر منها:

التشهير: إظهار الشخص بأمر معين، يكشفه للناس ويظهر خباياه، فيشمل ما كان بحق، كالحدود والتعزيرات، وما كان بغير حق، كالبهتان والغيبة.

التشهير: هو إذاعة السوء عن شخص أو جهة كمجلة أو مدرسة أو دائرة أو مكتبة أو غير ذلك.

التشهير: هو إشاعة السوء عن إنسان بين الناس.

التشهير: التماس الأخطاء وتحريف الكلم وتأويل النصوص، من أجل التشهير والتنقيص.

التشهير: هو إذاعة السوء عن شخص أو طائفة أو جهة.

التشهير: هو تصريح مكتوب أو مطبوع، يقصد به إيذاء سمعة شخص ما، باستخدام الصور والإشارات أو بث الأخبار، ويمكن أن يكون المذياع والتلفاز من وسائل نقل هذه الأشياء المسيئة للسمعة.

التشهير: هو إقدام شخص طبيعي أو معنوي على إصدار كلام مكتوب باليد أو مطبوع بالآلة، يتضمن تهجماً على أحد الأشخاص أو إحدى المؤسسات، يمس سمعتها، بهدف تشوييها والتشهير بها.

التشهير: هو إقدام شخص طبيعي أو معنوي على كتاب ما يتضمن مساً بسمعة شخص طبيعي أو معنوي بهدف تشويهها.

الألفاظ ذات الصلة بالتشهير:

في عالم التشهير، ثمة ألفاظ تدور في فلكه وتتصل به إما بشكل مباشر أو غير مباشر، وفيما يلي أهم هذه الألفاظ:

أولاً: القذف:

والقذف كما عرفه أهل اللغة: الرمي بالحجارة، والتقاذف: الترامي، وقذف المحصنة: سبها ورميها بالزنا.

وأما تعريف القذف في الاصطلاح الفقهي، فقد عرفه الفقهاء بعبارات مختلفة، ولكنها تكاد تكون متفقة في المعنى العام على النحو التالي:

أ- عرفه الحنفية بأنه: «الرمي بالزنا».

ب- عرفه المالكية بأنه: «نسبة آدمي مكلف غيره حراً عفيفاً مسلماً بالغاً أو صغيرة تطيق الوطء لزنا أو قطع نسب مسلم».

ج- عرفه الشافعية بأنه: «الرمي بالزنا في معرض التعيير لا الشهادة».

د- عرفه الحنابلة بأنه: «الرمي بزنا أو لواط أو شهادة به عليه ولم تكتمل البينة».

فمن الكتاب العزيز قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}(النور:23).

       ومن السنّة ما رواه أبوهرير رضي الله عنهأن رسول الله صلى الله عليه وسلمقال: «اجتنبوا السبع الموبقات، قيل: يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات» رواه البخاري (2615) ومسلم (89).

وأما الإجماع، فقد أجمعت الأمة على أن القذف جريمة كبرى.

       وصلة القذف بجريمة التشهير وثيقة جداً، على اعتبار أن المشهرين بالآخرين قلما تخلو ألفاظهم من قذف المشهر بهم بألفاظ تمسهم في أعراضهم وسمعتهم وذواتهم، وهذا ملاحظ ومشاهد كثيراً خاصة في بعض المجالس والمنتديات والمواقع الالكترونية وساحات الحوار في شبكة الانترنت.

ثانياً: السب والشتم

- السب عند أهل اللغة: الشتم، والتساب: التشاتم والتقاطع.

- أما الشتم:  فهو قبيح الكلام وليس فيه قذف، والشتم السب، والتشاتم التساب، المشاتمة: المسابة،  ورجل شتامة: كثير الشتم، فالسب والشتم على هذا النحو بمعنى واحد في اللغة.

- أما في الاصطلاح الفقهي: فالسب والشتم الرمي بغير الزنا ونفي النسب سواء أكان محصناً أم غير محصن.

       والسب والشتم محرمان في شريعة الإسلام، وقد تضافرت الأدلة على تحريم الاعتداء على الآخرين بالسب والشتم وتشويه سمعتهم من خلال ذلك، ومن هذه الأدلة:

1- قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً}(الأحزاب:58).

2- قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ}(الحجرات:11).

قوله صلى الله عليه وسلم: «سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر» رواه البخاري(48)، ومسلم (64).

فهذه النصوص الشريفة وأمثالها في الكتاب والسنّة تدل دلالة واضحة على تحريم إيذاء المسلم، سواء أكان ذلك بالفعل أم بالقول أم نحو ذلك مما يلحق الضرر بالآخرين وبسمعتهم.

       وصلة السب والشتم بجريمة التشهير لا تختلف كثيراً عن صلة القذف بها، حيث إن كثيراً من المشهرين، لا يتورعون عن إطلاق العنان لألسنتهم بالسب والشتم ضد من يخالفونهم في الرأي، أو ضد من يحدث بينهم وبينه سوء تفاهم حتى لو على أمور تافهة من أمور الدنيا الفانية، وهذا يكثر بشكل خاص في ساحات الحوار في الإنترنت، والتي تعد مرتعاً خصباً لمثل هذه الجوانب السيئة في حياة الأمة، وفي الغالب من تصدر منه مثل هذه الألفاظ يتكلم تحت أسماء مستعارة حتى لا ينكشف أمره بين الناس.

ثالثاً: الغيبة والنميمة:

- الغيبة في اللغة: أن يتكلم خلف إنسان مستور بما يغمه لو سمعه، فإن كان صادقاً سمي غيبة، وإن كان كاذباً سمي بهتاناً.

- والغيبة في الاصطلاح: عرفها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: «أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ذكرك أخاك بما يكره، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته» رواه مسلم (2589).

- والنميمة في اللغة: نمنم الشيء رقشه وزخرفه، والرجل نم ونمام أي: قتات والاسم النميمة.

- والنميمة في الاصطلاح: نقل الحديث بين الناس على وجه الإفساد، والنمام هو الذي يتحدث مع القوم فينم عليهم فيكشف ما يكره كشفه سواء كرهه المنقول عن أو المنقول إليه أو  الثالث، وسواء كان الكشف بالعبارة أو بالإشارة أو بغيرهما.

       والغيبة والنميمة من الخصال الذميمة ومن الكبائر العظيمة التي حرمتها الشريعة الإسلامية بسبب ما تنطويان عليه من أضرار وأخطار اجتماعية وعائلية وما يحدث بسببهما من تقاطع وتدابر بين الأفراد في المجتمع.

       وصلة الغيبة والنميمة بجريمة التشهير أن كثيراً من مرضى القلوب يستغلون مجالس الناس ومنتدياتهم بذكر عيوب من يكرهون وفضحها، ونقل الكلام بين الناس على وجه يفرق جمعهم ويشتت شملهم، ويهتك أستارهم، ويفشي أسرارهم مما يورث الضغائن ويجدد العداوة بين أبناء الأمة، فكأن الغيبة والنميمة وسيلة من وسائل التشهير وخطوة أولى نحوه.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك