التبصرة في ذكر أحاديث ضعيفة مشتهرة (4)حكم المظاهرات
روي عن عمر بن الخطاب ] قال: «شرح الله صدري للإسلام فقلت: الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى، فما في الأرض نسمة أحب إلي من نسمة رسول الله [، قلت: أين رسول الله [؟ قالت أختي: هو في دار الأرقم بن الأرقم عند الصفا، فأتيت الدار وحمزة في أصحابه جلوس في الدار، ورسول الله [ في البيت، فضربت الباب فاستجمع القوم فقال لهم حمزة: ما لكم؟ قالوا: عمر، قال فخرج رسول الله [ فأخذ بمجامع ثيابه ثم نثره نثرة فما تمالك أن وقع على ركبته فقال: «ما أنت بمنته يا عمر؟».
فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ فكبر أهل الدار تكبيرة سمعها أهل المسجد. فقلت: يا رسول الله ألسنا على الحق إن متنا وإن حيينا؟ قال: «بلى والذي نفسه بيده، إنكم على الحق إن متم وإن حييتم». فقلت: ففيم الاختفاء؟ والذي بعثك بالحق لتخرجن فاخرجناه في صفين حمزة في أحدهما وأنا في الآخر، لنا كديد ككديد الطحين حتى دخلنا المسجد، فنظرت إليّ قريش وإلى حمزة فأصابتهم كآبة لم يصبهم مثلها».
تخريج هذه الحكاية
هذه الحكاية أو القصة هي عند أبي نعيم كما في كتابة «حلية الأولياء» (1/40).
وآفتها: إسحق بن عبدالله بن أبي فروة.
وصفه الأئمة بالكذب وأنه متروك.
كما نعته يحيى بن معين: إسحق بين أبي فروة لا شيء كذاب. الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (20/228).
وقال عنه البخاري: إسحق بن عبدالله بن أبي فروة تركوه. قال النسائي في «الضعفاء الصغير» (20): متروك الحديث.
وقال الدارقطني: متروك. انظر الضعفاء والمتروكين (94).
وقال ابن حبان: كان يقلب الأسانيد ويرفع، وكان أحمد بن حنبل ينهى عن حديثه.
قال ابن أبي حاتم: سمعت أبا زرعة يقول: إسحق بن أبي فروة ذاهب الحديث متروك الحديث.
وكذلك عن ابن أبي حاتم. قال يحيى بن معين: إسحق بن أبي فروة: كذاب، لا شيء، كذاب وعنده أيضا: بالإسناد إلى عمرو بن علي الصيرفي أنه حدثه بأن إسحق بن أبي فروة متروك الحديث.
انظر الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (2/000228).
وقال ابن عدي في ترجمة إسحق هذا وهي مطولة إسحق بن أبي فروة هذا ما ذكرت هاهنا من أخباره بالأسانيد التي ذكرت فلا يتابعه أحد على أسانيده ولا على متونه وسائر أحاديثه.
ومما يدل على وهاء نكارة هذه الحكاية: تبويب الإمام الحافظ البخاري رحمه الله في الجامع الصحيح (رقم 3865) ورقم (3864) كتاب مناقب الأنصار:
إسلام عمر رضي الله عنه
وساق البخاري رحمه الله حديث ابن عمر عبدالله رضي الله عنهما قال: لما أسلم عمر ] اجتمع الناس عند داره وقالوا:
صبأ عمر - وأنا غلام فوق ظهر بيتي فجاء رجل عليه قباء من ديباج، فقال: قد صبأ عمر، فما ذلك فأنا له جار، قال: فرأيت الناس تصدعوا عنه فقلت: من هذا؟ فقالوا: العاص بن وائل.
وهي عند البخاري رحمه الله في الصحيح (رقم 3864) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
وأورده الحافظ أبوالحجاج المزي كما في تحفة الأشراف (رقم 6743)، من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: بينما هو في الدار خائفا يعني عمر ] إذ جاءه العاص بن وائل السهمي وعليه حلة حبرة وقميص مكفوف بحرير وهو من بني سهم وهم حلفاؤنا في الجاهلية وفقال: ما بالك؟ قال: زعم قومك أنهم سيقتلونني إن أسلمت. فخرج العاص فلقي الناس قد سال بهم الوادي، فقال: أين تريدون؟ فقالوا: نريد عمر بن الخطاب الذي صبأ، قال: لا سبيل إليه فكرَّ الناس.
وذكر الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى (البداية والنهاية 3/81)، قصة إسلام عمر ] وإسنادها حسن لأن ابن اسحاق صرح بالتحديث فانتفت شبهة تدليسه.
قال ابن إسحق: وحدثني نافع مولى ابن عمر عن ابن عمر قال: لما أسلم عمر قال: أي قريش (نقل للحديث) فقيل له: جميل بن معمر الجمحي، فعدا عليه فقال له: أعلمت يا جميل أني أسلمت ودخلت في دين محمد [؟
قال: فوالله ما راجعه حتى قام يجر رداءه واتبعه عمر، واتبعته أنا حتى إذا قام على باب المسجد صرخ بأعلى صوته:
يا معشر قريش، وهم في أوديتهم حول الكعبة: ألا إن ابن الخطاب قد صبأ.
قال: يقول عمر من خلفه: كذب، ولكني أسلمت وشهدت أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وثاروا إليه فما برح يقاتلهم ويقاتلونه حتى قامت الشمس على رؤوسهم.
قال: وطلح فقعد، وقاموا على رأسه وهو يقول: افعلوا ما بدا لكم فأحلف بالله أن لو كنا ثلاثمائة رجل لقد تركناها لكم أو تركتموها لنا. قال: فبينما هم على ذلك إذ أقبل شيخ من قريش عليه حلة حبرة وقميص موشي حتى وقف عليهم، فقال: ما شأنكم. فقالوا: صبأ عمر.
قال: فمه، رجل اختار لنفسه أمرا فماذا تريدون؟! أترون بني عدي يسلمون لكم صاحبكم هكذا؟ خلوا عن الرجل.
قال: فوالله لكأنما كانوا ثوبا كشط عنه، فقلت لأبي بعد أن هاجر إلى المدينة: يا أبت من الرجل الذي زَجَرَ القوم عنك بمكة يوم أسلمت وهم يقاتلونك؟
قال: ذلك أي بني العاص بن وائل السهمي.
قلت: بعد أن تبين «الضعف الشديد لهذه الحكاية: مظاهرة عمر وحمزة رضي الله عنهما، لا يجوز الاحتجاج بها في جواز المظاهرات كما احتج بها الشيخ عبدالرحمن عبدالخالق.
حكم المظاهرات
مما لا شك ولا امتراء فيه أن مسألة المظاهرات والخروج على الحاكم المسلم من النوازل العظام والأمور الجسام؛ لما يترتب عليها من آثار عظيمة ونتائج خطيرة.
لذلك فإن الحق والصواب أنه ليس في دين الإسلام مظاهرات وخروج على الحاكم المسلم الظالم الفاسق. هذا الذي استقر عليه مذهب السلف الصالح الذين يرون عدم الخروج والمظاهرات على الحاكم الفاسق الظالم وهم جمهور أهل السنة والجماعة والمحدثين.
قال الحافظ أبوزكريا النووي رحمه الله تعالى: قال جماهير أهل السنة من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين: لا ينعزل بالفسق والظلم وتعطيل الحقوق ولا يجوز الخروج عليه بذلك. انظر شرح صحيح مسلم (12/470-471).
أحاديث تصرح بتحريم الخروج على الحاكم المسلم ولو جار
1- عن عبدالله بن مسعود ] قال: قال رسول الله [: «إنكم سترون بعدي أثرة وأمورا تنكروها» قالوا: ما نفعل يا رسول الله؟ قال: «أدوا إليهم حقهم وسلوا الله حقكم».أخرجه البخاري: كتاب الفتن.
ومن وصاة النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين الصبر على جور الأئمة.
كما جاء من حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي [: قال: «من كره من أميره شيئا فليصبر؛ فإنه من خرج عن السلطان شبرا مات ميتة الجاهلية». أخرجه البخاري: كتاب الفتن.
وأخرج مسلم: أن سلمة بن يزيد الجعفي سأل رسول الله [ فقال: يا بني الله! أرأيت إن قامت علينا أمراء يسألونني حقهم ويمنعونني حقنا فما تأمرنا؟! فأعرض عنه، ثم سأله فأعرض عنه ثم سأله في الثانية في الثالثة؛ فجذبه الأشعث.
وعن عبادة بن الصامت ] قال: «دعانا النبي [ فبايعناه، فقال فيما أخذ علينا: أن بايعناه على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثره علينا، وألا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرا بواحا، عندكم من الله فيه برهان». أخرجه البخاري (كتاب الفتن - رقم: 6647)، باب قول النبي [: سترون بعدي أمورا تنكرونها.
وفي كتاب الأحكام (رقم: 6774) باب كيف يبايع الإمام، ومسلم كتاب الإمارة رقم (1709) باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية وتحريمها في المعصية، والنسائي: كتاب البيعة، باب البيعة على القول بالعدل رقم 4153، 4514، وأحمد رقم 15226 - 22192.
فهم الصحابة:
لقد ظهرت فتن حالكة دامسة كقطع الليل المظلم عندما استشهد أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه.
وظهرت الفرق الضالة المنحرفة الزائغة وتولى وتقلد أمور المسلمين بعض الخلفاء كيزيد بن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهم، فامتنع أكثر الصحب رضي الله عنهم عن منا بذته بالسيف، بل بايعوه، ومن أروع وأسطع وأنور الأدلة عدم ذهاب وانضمام الصحابة لخروج الحسين ] ونصحوه بالرجوع والعدل عن رأيه كما قال له ابن عباس رضي الله عنهما: يا بن عم إني أتخوف عليك في هذا الوجه الهلاك، وإن أهل العراق قوم غدر فلا تغترن بهم. انظر البداية والنهاية (8/173).
ونصحه ابن الزبير وابن عمرو وأبوسعيد الخدري والفرزدق. انظر رسالتي: من المسؤول عن قتل الحسين ]؟
المعقول: ومن الأمور المعقولة في مفاسد الخروج وأوضاره وأضراره:
أن الخروج غالبا ما يؤدي إلى سفك الدماء وقتل الأبرياء وانتهاك وهتك الأعراض والسرقات وتهديم الأمصار وتعطيل الحقوق، وهذه أعظم المفاسد التي حرم الشرع المطهر الاعتداء عليها وسد كل ذريعة في التطاول عليها، فحفظ الكليات الخمس من المقاصد والمصالح.
وأما ما يقع من ظلمهم وجورهم بتأويل سائغ أو غير سائغ فلا يجوز أن يزال لما فيه من ظلم وجور، كما هو عادة أكثر النفوس تزيل الشر بما هو شر منه، وتزيل العدوان بما هو أعدى منه، فالخروج عليهم يوجب من الظلم والفساد أكثر من ظلمهم، فيصبر عليه كما يصبر عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ظلم المأمور والمنهي في مواضع كثيرة كقوله تعالى: {وَأمُرْ بالمعروف وانْهَ عن المنكر واصبر على ما أصابك} (لقمان: 17)
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى:
وقل من خرج على إمام ذي سلطان إلا كان ما تولد على فعله من الشر أعظم مما تولد من الخير كالذين خرجوا على يزيد بالمدينة وكابن الأشعث الذي خرج على عبدالملك بالعراق، وكأبي المهلب الذي خرج على ابنه بخراسان وكابن مسلم صاحب الدعوة الذي خرج عليهم بخراسان أيضا، وكالذين خرجوا على المنصور بالمدينة المنورة والبصرة وأمثال هؤلاء، وغاية هؤلاء. إما أن يغلَبوا، وإما أن يغلِبوا ثم يزول ملكهم فلا يكون لهم عاقبة؛ فإن عبدالله بن علي وأبا مسلم هما اللذان قتلا خلقا كثيرا، وكلاهما قتله أبوجعفر المنصور، وأما أهل الحرة وابن الأشعث وابن المهلب وغيرهم هزموا فلا أقاموا دينا ولا أبقوا دنيا، والله تعالى لا يأمرنا إلا بما يحصل به صلاح الدين وصلاح الدنيا.
منهاج السنة النبوية (4/527-528).
وتأمل يا أخي - زادك الله حرصا وعلما وفقها وتمسكا بفهم السلف الصالح - ما حفظته عائشة أم المؤمنين عن النبي [ أنه قال:
«خصال ست ما من مسلم يموت في واحدة منهن إلا كان ضامنا على الله أن يدخله الجنة:
1. رجل خرج مجاهدا فإن مات في وجهه كان ضامنا على الله.
2. ورجل تبع جنازة، فإن مات في وجهه كان ضامنا على الله.
3. ورجل عاد مريضا، فإن مات في وجهه كان ضامنا على الله.
4. ورجل توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج إلى المسجد لصلاته، فإن مات في وجهه كان ضامنا على الله.
5. ورجل أتى إماما لا يأتيه إلا ليعزره ويوقره، فإن مات في وجهه كان ضامنا على الله.
6. ورجل في بيته لا يغتاب مسلما ولا يجر إليهم سخطا ولا نقمة، فإن مات كان ضامنا على الله».
حديث صحيح:
أخرجه أحمد (5/241)، والطبراني.
لاتوجد تعليقات