التبصرة في ذكر أحاديث ضعيفة مشتهرة
عن ثوبان] قال: قال رسول الله [: «استقيموا لقريش ما استقاموا لكم؛ فإن لم يستقيموا لكم فاحملوا سيوفكم على أعناقكم فأبيدوا خضراءهم، فإن لم تفعلوا فكونوا زراعين أشقياء وكلوا من كد أيديكم» أخرجه أحمد (5/277).
ومن طريقه الخلال في «السنة» رقم (80) ورقم (81).
وأبونعيم في «أخبار أصبهان» (1/160).
والخطيب في «تاريخ بغداد» (12/146).
وابن حبان في «المجروحين» (1/157).
والحافظ الروياني في مسنده (رقم 622) (624) وأبوالشيخ في طبقات المحدثين بأصبهان (3/6) وابن الأعرابي في المعجم (رقم 1301).
قال أبوحاتم في كتاب «المراسيل» (288):
سالم بن أبي الجعد لم يسمع من ثوبان شيئا، يدخل بينهما معدان.
قال إمام الجرح والتعديل يحيى بن معين رحمه الله: لم يسمع سالم من ثوبان.
انظر كتاب الخلال «المنتخب من العلل» (رقم 82)، وقال الإمام أحمد رحمه الله الله تعالى: سالم بن أبي الجعد لم يلق ثوبان.
انظر السنة للخلال (82).
وقال الإمام أحمد أيضا:
لم يلق ثوبان، بينهما معدان بن أبي طلحة.
انظر جامع التحصيل في أحكام المراسيل (218) للحافظ العلائي.
وكذا قال أبوحاتم كما في «تحفة التحصيل» (295).
وقال يحيى بن معين رحمه الله: سمعت خالد بن خداش قال: جاء سلام بن أبي مطيع إلى أبي عوانة فقال: هات هذه البدع التي قد جئتنا بها من الكوفة، قال: فأخرج إليه أبوعوانة كتبه فألقاها في التنور، فسألت خالدا: ما كان فيها؟ قال: حديث الأعمش عن سالم بن أبي الجعد عن ثوبان قال: قال رسول الله [: «استقيموا لقريش» وأشباهه.
وقال حنبل: سمعت أبا عبدالله قال: الأحاديث خلاف هذا، قال النبي[: «أسمع وأطع ولو لعبد مجدع».
أخرجه مسلم رقم (1837).
وقال الإمام أحمد رحمه الله: «السمع والطاعة في عسرك ويُسْرك وآثره عليك».
أخرجه مسلم رقم (1836) وفيه زيادة: «ومنشطك ومكرهك».
قال أحمد رحمه الله: فالذي يُروى عن النبي[ من الأحاديث خلاف حديث ثوبان وما أدري ما وجهه؟
وقال شيخنا رحمه الله حافظ الوقت حسنة الأيام:
حديث ثوبان هذا لا يصح من قِبَل إسناده وابن أبي الجعد لم يسمع من ثوبان؛ فهو منقطع، فإذا ثبت ضعف الحديث فلا حاجة إلى تكلف تأويله لأنه يوهم صحته.
قلت: ولحديث ثوبان شاهد ولا يُفْرحُ به من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله [ يقول: «استقيموا لقريش ما استقاموا لكم؛ فإن لم يستقيموا لكم فضعُوا سيوفكم على عواتقكم وأبيدوا خضراءهم».
شعيب بن بيان الصفار.
قال الجوزجاني: يروى المناكير.
وقال العقيلي: يحدث عن الثقات بالمناكير.
وقال الهيثمي: (مجمع الزوائد (5/228): رواه الطبراني، وفيه من لم أعرفه.
قلت: وله شاهد آخر.
أخرجه الخلال في السنة (رقم 82).
عن مهنا أنه سأل الإمام أحمد قال: «سألته عن علي بن عابس يحدث عنه الحماني عن أبي فزارة، عن أبي صالح مولى أم هانئ قالت: قال رسول الله [: «استقيموا لقريش» فقال: ليس بصحيح هو منكر.
قلت: وهذا حديث ضعيف جدا؛ لعلل عدة:
1. الحمَّاني: هو يحيى بن عبدالحميد بن عبدالرحمن الحمَّاني، ابن بشمين الكوفي، حافظ إلا أنهم اتهموه بسرقة الحديث، التقريب رقم (7591).
2. علي بن عابس الأسدي الكوفي.
ضعيف «التقريب» (4757).
3. أبوصالح واسمه باذان مولى أم هانئ: ضعيف يرسل - التقريب (634) من الثالثة.
4. وله علة قوية:
المتن منكر يخالف الأحاديث الصحيحة التي توجب السمع والطاعة لولاة الأمور وعدم الخروج أو التظاهر والمظاهرات عليهم.
فعن أبي التياح عن أنس بن مالك ] قال، قال رسول الله [: «اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة» رواه البخاري.
وعن أبي رجاء عن ابن عباس يرويه قال: قال النبي [: «من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر؛ فإنه ليس أحد يفارق الجماعة شبرا فيموت إلا مات ميتة جاهلية» رواه البخاري.
ومما جاء من حديث الشيخين رحمهما الله تعالى من طريق شعبة عن أبي التياح عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير عن أبي هريرة ] قال: قال رسول الله [: «يهلك الناس هذا الحيُّ من قريش، قالوا: فما تأمرنا؟ قال: لو أن الناس اعتزلوهم».
أخرجه البخاري رقم (3604)، ومسلم (2917)، وأحمد (2/301)، وأبويعلى رقم (6093)، وأبوعمرو الداني (189) الفتن، والبيهقي في دلائل النبوة (6/464).
هذا الحديث طعن فيه الإمام أحمد رحمه الله حيث قال ابنه عبدالله رحمه الله (2/301) عقب هذا الحديث: وقال أبي في مرضه الذي مات فيه: اضربوا على هذا الحديث؛ فإنه خلاف الأحاديث عن النبي [، يعني قوله: «اسمعوا وأطيعوا واصبروا».
قلت: هذا الضرب على الحديث من هذا الإمام الجليل الحافظ المتقن الإمام أحمد فيه نظر، وقد صححه الشيخان البخاري ومسلم رحمهما الله.
وليس من شرط صحة الحديث أن يتواطأ ويتفق أئمة الحديث ونقاده على تصحيحه؛ وذلك لأن التصحيح والتضعيف من المسائل الاجتهادية، والمجتهد قد يتعرض للخطأ لأن طبيعة البشر تقتضي عدم العصمة، وإذا وقع اختلاف بين أئمة هذا العلم في التصحيح والتضعيف فهناك قرائن ومرجحات لطالب العلم.
أما إذا اتفقوا وأجمعوا وأزمعوا وأطبقوا وتواطؤوا على صحة حديث أو ضعفه مع وضوح الأدلة فلا يسع طالب العلم إلا موافقتهم؛ فهم أهل الصنعة بلغوا الغاية العليا والنهاية القصوى والمدى الأقصى والمبتغى الأعلى والمرتقى الأنأى.
هؤلاء الرعيل الأول المتقدمون قد بلغوا في الحفظ والإتقان والجودة والضبط أقصى غاياته وحفظوا الطرق، وفتشوا أشد التفتيش ونقبوا أشد التنقيب، وأحكامهم وأقوالهم وفتاويهم أعلى الأحكام وأصحتها؛ لشدة قربهم ومعاصرتهم للرواية، وقوة قرائحهم وحفظهم مئات الألوف من الأسانيد حتى أصبح السند الذي يشذ عن أحدهم عزيزا نادرا.
قال الحافظ الذهبي رحمه الله (748): «وَجَزَمْتُ بأن المتأخرين على إياس من أن يلحقوا المتقدمين في الحفظ والمعرفة». «تذكرة الحفاظ» (3/948).
قلت: لذلك فقد شيّد المتقدمون منهجا علميا محكما دقيقا حصينا لم يُسبقوا إليه في تاريخ العلم والمعرفة في القديم والحديث فميزوا الصالح من الأحاديث للاحتجاج مما سواه في دقة بالغة وحرص عظيم ومسالك مترابطة تأصيلية رائعة في حفظ سنة النبي [.
قال أبوحاتم الرازي رحمه الله: لم يكن في
أمة من الأمم منذ خلق الله آدم أمناء يحفظون آثار نبيهم وأنساب سلفهم إلا في هذه الأمة.
انظر تاريخ دمشق (38/30).
شرف أصحاب الحديث (43) وفتح المغيث (3/4) وشرح المواهب (5/394).
لاتوجد تعليقات