رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: السعيد صبحي العيسوي 8 أبريل، 2014 0 تعليق

التأصيل العلمي وضوابطه ومسالكه- لماذا ننادي بالتأصيل العلمي؟


طرح قواعد التحصيل العلمي من تراث السلف رحمهم الله, برصد جادتهم, وتأمل سبيلهم في نيل العلم الشرعي

 ابتلانا الله برؤية أقوام من المقلدة, رفعوا أولئك النَّفر المختلطين, وظنوهم علماء ربانيين, وهم أبعد ما يكون عن العلم والربانية

  

إنَّ الحمد لله؛ نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله؛ فلا مضلَّ له، ومن يضُلل؛ فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (آل عمران:102).

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (النساء:1).

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} (الأحزاب:70-71). أما بعد:

فإنَّ الواقع اليوم يشهد انطلاقة كبرى, واندفاعا نحو السِّباق العلمي, والإبداع فيه, ما لم يكن معهوداً في الأيام الماضية, مذكرا بحال السَّلف الصَّالح من بعض الوجوه.

كما نلاحظ حركة دؤوبة لبعث تراث الأقدمين وعلومهم, محققةً تارة, ومختصرةً أخرى, ومقربةً ثالثة. فكان لا بدَّ من ترشيد هذا السِّباق, وتأطيره؛ ليتسنى للطالب اللحاق؛ نصيحةً لطلاب العلم وراغبيه, وتقصيراً لأعمار ناشديه.

ثم الناظر في المشهد الحالي وانصراف بعض المنتسبين إلى طلب العلم إلى التسطيح الفكري, والاندفاع نحو سفسطة السياسة بتأويل ونحوه, ليدرك أن ذلك منذرٌ بجيل منضوٍ يكثر فيه التعالم والادعاء, وقد بدت بوادره.

لذا كان العزم بإذن الله تعالى في تخصيص ركن لهذا الموضوع وطرح قواعد التحصيل العلمي من تراث السلف رحمهم الله, برصد جادتهم, وتأمل سبيلهم في نيل العلم الشرعي, سائلاً المولى تبارك وتعالى النفع بها.

-  ولا زال أهل العلم والمربون والمعتنون بطلاب العلم يحضُّون على التأصيل؛ وذلك لأمور عدة:

-  أنَّ السَّائر في دروب العلم المتشابكة بدون التأصيل, كالهائم في ليل طويل بدون دليلٍ؛ وتعترضه المخاطر, وقد يسير في غير السَّبيل.

وعلى النقيض حال من ألزم نفسه التأصيل, فتراه يسير في خطته, ويلمح ويتابع بين الحين والآخر معالم طريقه, وينظر في إنجازاته ومكتسباته, وكذا في أخطائه وتقصيره, فلا يقر له قرار, ولا يستقر به حال, حتى يصل إلى مبتغاه ومناه.

-  أنَّ تجديد الدِّين إنما يبدأ بتجديد العلم, ولا شك أنَّ ذلك يحتاج إعدادا وتربيةً لا يحتاج إليها آحاد الناَّس.

فالذين يناط بهم مشروع تجديد الدِّين وإعادة رسومه, ليسوا كمن أعدَّ لما دون ذلك, وليس من ربي ليقود كمن ربي لينقاد, فقد ساروا على الجادة المطروقة, التي سلكها النبلاء على مرِّ العصور تربيةً وتعليماً, ولم يتعلَّلوا بضعف التدريس وقلة محاضن التعليم, أو مشاغل الكسب؛ بل سلكوا طريق العصامية, ونَبَوا عن رفقة البطالين.

-  أنَّ العلم الشَّرعي والتفقه في الدِّين ليس سهل المنال لكل راغب, وليس متناً أو كتاباً يحفظه الطالب, ولا كأس ماء يشربُه مريدُه, فيصبح عالماً معمَّماً, فكان الاعتماد على تأصيل التلقي, والسير على درب السابقين في التحصيل, فكما أن للسَّلف طُرُقاً لتقرير العقائد, وتبيين الأحكام الشَّرعية, فإن لهم طرقاً ومناهج لتحصيل العلوم, وتأصيل الطلاب, وهذا يتضح جلياً عند الاطلاع على تراجمهم, وكتبهم التي ألفوها لتنشة طلاب العلم وتيسير سبل نيله.

-  ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى في منظومته:

وبعد فالعلم بحور زاخرةٍ

                                       لن يبلغ الكادح فيه آخره

لكنَّ في أصوله تسهيلا

                                       لنيله فاحرص تجد سبيلاً

اغتنم القواعد الأصولا

                                       فمن تفته يحرم الوصولا

-  أنَّ التَّأصيل العلمي يساعد على تنشئة طالب العلم تنشئةً متوازنةًمستقرةً عبر مراحل مرسومة, وقد قيل: «إنَّ الانسياب الموزون وليد المركز الثاَّبت».

فالبدايات المستقرة والمتقنة والمرتبة تخرج طالب علم مستقراً ومتزناً علمياً وعملياً, وتقيه المزالق والعثرات, فكما أن البناء يبدأ بخارطة, فكذلك الطالب لا بدَّ له من خارطة يحسن تصورها.

فسامة النهاية من سامة البداية وقوتها, وإن الساعي في طريق العلم بدون تخطيط ولا منهج ساعٍ في وأد نفسه؛ بل في إجهاض مسيرة الراَّسخين.

-  أنَّ فتح باب التأصيل هو عينه قطع الطريق على المتعالمين.

فإن المتعالمين جروا على أمتهم ويلات, وعلى تاريخهم من مخازٍ, ينبو عنها الأريب, ويستعيذ منها الحكيم.

فشتان بين عالمٍ متأصِّل رباَّه العلماء, وتأدبَّ بآدابهم, وهضم علومهم, وبين خنفشاري ولهان, يرجح بلا مرجح, ويتكلم بغير خِطام ولا زمام, فلا دليل يفهمه, ولا قاعدة يتقنها, كلُّ العلوم لديه سهلة, وكلُّ الحلول لديه مقنعة.

وأقرب وصف له كقابض على قطعة ثلج في حرِّ الرَّمضاء, وقد سالت من فروج أصابعه, غُرَّ بأشباح المعارف, وزجَّ به أشباه الطلاب.

فكم ترى في كتاباتهم وثنايا سطور صفحاتهم وفلتات ألسنتهم من (قلنا), و(حققتها), و(أفتينا بكذا), و(أنا...وأخواتها)... بما لا يتطلبه سياق الكلام واتساقه.

ناهيك عما تراه عينك من تأسُّد بعض طلاب العلم (الفوضويين) أصحاب العلوم التكميلية, ممن ملكوا زمام الخطابة, وكذلك رجال المحافل, وما أحدثوه من فوضى وإسهال الفتوى, فبتَّ تسمع شاذ الفتاوى ومستنكرها! مما هو أقرب إلى الخبط والزلَّل.

-  أنَّ فاقد التأصيل في تلقي العلوم الشرعية يحصل له التَّلفيق والتَّناقض, وينعكس ذلك على مسالكه العلمية والمنهجية فيما بعد, فتراه متخبطاً في الفتوى, محتطباً في أرض السباع.

وقد ابتلانا الله برؤية أقوام من المقلدة, رفعوا أولئك النَّفر المختلطين, وظنوهم علماء ربانيين, وهم أبعد ما يكون عن العلم والربانية. ومع اختلاط المصطلحات وتداخلها, عدَّ بعض الطلاب شذوذهم تحقيقاً وتخليطهم ترجيحاً.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك