رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر الشرعي 27 أبريل، 2015 0 تعليق

التأصيل الشرعي لأحداث اليمن- السديس: عاصفة الحزم قرار تاريخي وضرورة شرعية

ألقى فضيلة الشيخ عبد الرحمن السديس  إمام المسجد الحرام وخطيبه، خطبة الجمعة بعنوان (التأصيل الشرعي لأحداث اليمَن) التي تحدَّث فيها عن التأصيل الشرعيِّ لما يقعُ في اليمَن الشقيقِ من أحداثٍ والثناء على مواقف قادة التحالُف ضدَّ الأعداء كما وجَّه النصائِح والإرشادات للحُكَّام والمحكومين والعلماء ورجال الإعلام وشباب الأمة بضرورة فهم ما يُرادُ لهم وما يُكادُ لأمَّتهم ووجوب إعداد العُدَّة لمُلاقاة الأعداء والمُخرِّب ينكلٌّ في مكانِه وفيما يُحسِنُه

     وقال فضيلته: ولم تكُن بلادُ الحرمين الشريفين حرسَها الله والعهدُ بها كذلك بمعزِلٍ عن هذا كلِّه بل كانت تُسدِّد وتُقارِب وتُحاولُ جهدَها رأبَ الصدع وجبرَ الكسر ولمَّ الشمل من خلال الحلول السِّلمية والمساعِي الحوارية لعلَّ هؤلاء القوم يرتدِعُون وعن ظُلمهم وعُدوانهم يكفُّون، ولكن:

إذا كان الطِّباعُ طِباعَ سُوءٍ

                                فلا أدبٌ يُفيدُ ولا أديبُ

     وما الحِيلةُ وقد حلَّ القضاء، ونزلَ الابتِلاء وسُنَّةُ الله في الخلقِ ماضِية وحِكمتُه في البرايا قاضِية {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ}(محمد: 31)، فاشرأبَّت مرامِي العزم؛ فكانت بفضل الله وعونِه عاصفة الحزم..

قرار تاريخي

     وأضاف قائلاً: إن عاصفة الحزم قرارٌ تاريخيٌّ جاء في وقتِه وحينِه بل إنه ضرورةٌ شرعيَّة ومصلحةٌ وطنيَّة وحاجةٌ إقليميَّة وموقِفٌ شُجاع ورمزٌ وحدةٍ وتكاتُفٍ وعزَّةٍ وإخاء وتحالُفٍ وشُموخٍ وإباء ونُصرةٍ وتعاوُنٍ ووفاء وحزمٍ أتى بعد أن استنفَدَ الحليمُ جميعَ أغراضِه وطُرقِه السِّلميَّة والحزمُ في موضعِه عينُ الحكمة والصواب، مشددا على أهمية التأصيل الشرعي للمسألة؛ حيث قال: غيرَ أن من الأهمية بمكانٍ تأصيلَ هذه القضية بالرؤية الشرعيَّة التي تُبيِّنُ الأُسس والمُنطلَقات التي ترتكِزُ عليها من النصوص والقواعِد والمقاصِد الشرعيَّة. لقد جاء هذا القرارُ الشُّجاعُ العظيمُ درءًا للمفاسِد الكُبرى وتحقيقًا للمصالِح العُليا ودفعًا للباغِي الغادِر الصائِل ورفعًا للضرَر والعُدوان الحاصِل مُراعِيًا مقاصِد الشريعَة في حفظِ الضرورات الخمس الدين والنفس والعقل والمالِ والعِرض وتحقيقِ الأمنِ والاستِقرار جاء لنُصرةِ جارٍ مضُوم وشعبٍ مكلُوم وشرعيَّةٍ مسلُوبة ومُقدَّراتٍ منهُوبة وردعٍ للانقلابيِّين الإرهابيِّين وصدٍّ للظالِمين المُعتَدين المدعُومين من أجندَاتٍ خارِجيَّة وأطماعٍ عُدوانيَّةٍ في المنطِقة بأسْرِها فكم هي الشُّرور والأخطار والآثارُ السلبيةُ والأضرار التي ستنتُجُ وتحصُلُ لبلاد الحرمين الشريفين ولليمَن الشقيقِ وللمنطقة العربية والإقليمية وحتى للعالَم أجمع جرَّاء زعزعَة الأمن والاستِقرار؟!

نصرة المظلوم

     وتساءل فضيلته: ماذا سيحدُثُ لو لم تقِف المملكةُ هذا الموقِفَ الشُّجاعَ ضدَّ من أعلنُوا عن مكنُون نواياهم من اختِلال أمنِ الحرمين الشريفين في مكَّة المكرمة والمدينة النبوية المُنوَّرة مهدِ الوحي ومنبَع الرسالة ومثوَى رسولِ الهُدى صلى الله عليه وسلم  فهي مركزُ القوة وقِبلةُ العالَم. إن المملكة وإخوانَها الذين شارَكوها هذا الموقِف الشُّجاع تأسَّوا بنبيِّ الهُدى صلى الله عليه وسلم  عندما بلغَه أن الرُّوم يُعِدُّون العُدَّة لغزوِه فلم ينتظِرهم حتى يغزُوه، بل جهَّز جيشَ العُسرة وخرجَ إليهم فألقَى اللهُ الرُّعبَ في قلوبِ أعدائِه الله أكبر.

     وأكد أن ما تقوم به المملكة هو من باب نصرة المظلوم والأخذ على يد الظالم؛ حيث قال: لقد بادَرت المملكةُ المحروسةُ مُبادرةً تاريخية سيكتُبُها التاريخُ بمِدادٍ من ذهب لنُصرة المظلُوم والأخذ على يدِ الظالِم حتى يكُفَّ عن ظُلمه ويرتدِع تحقيقًا لقولِ صلى الله عليه وسلم : «انصُر أخاكَ ظالِمًا أو مظلُومًا»، فقال رجُلٌ: يا رسولَ الله أنصُرُه إذا كان مظلُومًا أفرأيتَ إذا كان ظالِمًا كيف أنصُرُه؟  قال: «تحجِزُه أو تمنَعُه من الظُّلم فإن ذلك نصرُه» متفق عليه.

العون والإغاثة

     وقد قال المولَى جل وعلا: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ۖ فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ ۚ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا ۖ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ }(الحجرات: 9).

     وقال أيضاً: ولقد كان من أهمِّ مُنطلَقَاتِ هذا القرارِ الحكيم المُوفَّق مدُّ يدِ العون والغوثِ لإخواننا في يمَن الإيمان والحِكمة الذين طلبُوا العونَ والمُساعَدَة من إخوانهم وأشقَّائِهم وتحقيقًا لواجِبِ الأُخُوَّة والنُّصرة {وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ}(الأنفال: 72)، واليمَنُ جزءٌ عزيزٌ وبلدٌ شقيقٌ غالٍ على نفوسِ المُسلمين جاءَت نصوصُ الشريعة في بيان مكانتِه وحكمةِ أهلِه عبرَ التأريخ يقول صلى الله عليه وسلم : «أتاكُم أهلُ اليمَن هم أرقُّ أفئِدةً وأليَنُ قلوبًا الإيمانُ يمانٍ والحكمةُ يمانيَّة» متفق عليه.

تعزيز الأمل

     فأنَّى لهؤلاء البُغاة أن يعتَدوا عليهم؟ كيف وقد خبَرَ الجميعُ أنهم لا تكُفُّهم المُفاوضَاتُ عن الجَهَالات ولا الحِواراتُ عن الضلالات فكان أمرُ الله النافِذ {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ}(الحج: 39).

     وأشار إلى موقف المملكة الساعي إلى تعزيز الأمن والسلم في المنطقة؛ حيث قال: ومن ثوابِتِ بلاد الحرمين المحروسة أنها لا تدعُو إلى الحرب والاعتِداء ولا تنطلِقُ من طائفيَّةٍ وأهواء بل تقِفُ مواقِفَ الحكمة والحلمِ وتسعَى إلى تعزيزِ الأمنِ والسِّلمِ الدوليَّيْن وحينما يأتي دورُ العَزْم والحَزْم والجَزْم والحَسْم فإنها تُبادِرُ لإغاثة الملهُوفين ورفع الظُّلم عن المظلُومين وردِّ البُغاة الظالِمين المُعتَدين؛ مما يُوجِبُ على الجميع دعمُها ومُؤازرَتُها وتأييدُها، وأمنُ بلاد الحرمين الشريفين خطٌّ أحمر لا يُمكن تجاوُزُه ولا يُتسامَحُ مع كلِّ من أرادَ النَّيلَ منه كائنًا من كان.

ولعلَّها رسالةٌ حاسِمةٌ لكلِّ من تُسوِّلُ له نفسُه العبَثَ بأمنِ بلاد المُسلمين ومُقدَّراتهم وفي استِمرارها درسٌ بليغٌ حتى تُحقِّقَ أهدافَها وآثارَها في تعزيزِ الأمن والسِّلم للبلاد والعباد.

النصر المبين

     وتفاءل فضيلته بأن يكون وراء هذه الحملة يسر ونصر وفخر للأمة؛ حيث قال: إننا لنتفاءَلُ بإذن الله بانبِلاجِ صُبحِ النَّصر المُبين في كل مكانٍ على الضِّرابِ والآكام لاسيَّما لإخواننا في اليمَن الأبِيَّة هاتِفين صبرًا صبرًا إن مع العُسر يُسرًا ومع اليُسر فتحًا ونصرًا وستبرُقُ بين بوارِقِكم بوعدِ الله تباشِيرُ النصر وسيُسطِّرُ التأريخُ بمِداد البُطولةِ ملاحِمَ العزَّة والفخر، ولقد أثبَتَت هذه البلادُ المُبارَكة أنها أكثرُ ما تكونُ تلاحُمًا وأشدُّ ما تكونُ تماسُكًا في الأزمَات والمُلِمَّات؛ فالبغيُ مهما زمجَرَ فإلى تتبِيرٍ وزوال ومهما دمدَمَ فإلى غُبورٍ ودَوال، وستظلُّ بلادُ الحرمين -بإذن الله- حِصنًا حصينًا تتهاوَى على صلابتِه سِهامُ الحاقِدين وصخرةً صلْدًا تتحطَّمُ على منعتِها مطارِقُ المُعتَدين {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}(يوسف: 21).

وحدة الصف

     وأكد فضيلته ما حققته الحملة من وحدة الصف؛ حيث قال: وإن من بشائرِ النصر بحمدِ الله ما تحقَّق من وحدة الصفِّ والقوةِ في الحقِّ والتحالُف والتوافُق فالحمدُ لله أن جمعَ لنا العقيدةَ والتوحيد والحرمين والسنَّة والأمنَ والمنَعَة وواجِبُنا جميعًا في مواقِف الفتن والنوازِل ووسط هذه العواصِف القواصِف أن نزرعَ الثقةَ في أنفُسنا تجاهَ مواقِف وُلاة أمرِنا وعلمائِنا، وأن يكون الجميعُ يدًا واحدةً وفي خندقٍ واحدٍ لخدمةِ الدين ثم الوطن والأُخُوَّة الإسلامية في كل مكانٍ؛ لنُفوِّتَ الفرصةَ على العدوِّ الذي يتربَّصُ بنا الدوائِر. فإلى قائِدنا المُوفَّق ووليِّ أمرِنا المُسدَّد وإخوانِه قادةِ التحالُف الميامِين بورِكتم وبُورِكَت مساعِيكم الحازِمة، لقد رفعتُم الرؤوس، وأبهَجتم النفوس، وحزَمتم العمل، وأعدتُم الأمل، ووقفتُم مواقِف العزَّة والكرامة والإباء، سِيرُوا على بركةِ الله والأمةُ من ورائِكم وإنها بإذن الله معكم صُبُرٌ في الحرب صُدُقٌ عند اللقاء

التوعية والتوجيه

     وحث فضيلته العلماء على أن يقوموا بدورهم في توعية الأمة بأهمية مثل هذه المواقف؛ حيث قال: يا علماء الأمة ودُعاتَها استنهِضُوا الهِمَم والعزائِم، وبشِّروا بالنصر الدائِم، رسِّخوا العقيدةَ الإيمانيَّة الصحيحة لدى النشء والأجيال في ارتِكازٍ على العلم المتين والفِكر المُتأصِّل المَكين؛ ليتحصَّنوا من الفتن والشِّعارات الزائِفة، ويستوعِبُوا الأحداثَ الجارِية، ويستقرِئوا الآثار الآتِية، وإلى أشقَّائِنا في اليمَن السعيد, أنتم من القلوبِ في السُّويدَاء ومن العيُون في المُقَل، ما يُفرِحُكم يُفرِحُنا وما يُحزِنُكم يُحزِنُنا

الاتحاد ووحدة الصف

     فاللهَ اللهَ في الاتحاد واجتِماع الكلمة ووحدة الصفِّ وتفويتِ الفُرصة على الأعداء المُتربِّصين والانقلابيِّين الإرهابيِّين {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}(آل عمران: 103)، {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ  وَاصْبِرُوا  إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}(الأنفال: 46)، وغدًا نفرحُ بيمَن النصر والعزَّة بإذن الله {وَيَوْمَئِذ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللهِ يَنْصُرُ مَن يَشَآءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} (الروم: 4-5).

إلى الجنود

     ووجه كلمة إلى الجنود قائلاً: إلى أبطالِنا الأشاوِس وجنودِنا البواسِل أقوَى صُقور وأعظم نُسُور من أثلَجُوا الصُّدور هنيئًا لكم الجهادُ والرِّباطُ في حمايةِ الثُّغور، ويا بُشراكُم بعظيمِ الثوابِ والأُجور، ألا فاعلَموا بكل يقينٍ وقناعةٍ أن النصرَ صبرُ ساعة وها هي ذي بشائرُ النصر تعبِقُ وتفُوح وراياتُه خفَّاقةٌ تُرفرِفُ وترُوح فاثبُتوا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}(الأنفال: 45)، وإلى ذوِي شُهدائِنا الأبرار صبرًا واحتِسابًا فهنيئًا لجنودِنا المُجاهِدين شرفُ الشهادة في سبيلِ الله ثم بالدفاعِ عن أمنِ الحرمين الشريفين وهذا وِسامُ العزِّ والفخر والشرَف وتاجُه اللألاء، ولن يُحرَموا -بإذن الله -من المولى- سبحانه- فضلَه ونوالَه وما أعدَّه للشُّهداء في سبيلِه، ثم لن يعدَموا من وُلاتِهم تشجيعَهم وذوِيهم ولا من المُسلمين دعواتِهم الصالِحة.

احذروا الشائِعات

     وحذر فضيلته من الشائعات، قائلا: احذَروا الأراجِيفَ والشائِعات فإنها بلايا تجتذِبُ المنيَّات {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ}(النور: 15)، ويا رِجال الإعلام اللهَ اللهَ في صدقِ الكلمة وتحرِّي الحقيقة فالحاجةُ ماسَّةٌ مع كثرةِ الإعلام المأجُور إلى وضعِ ميثاقِ شرفٍ عالميٍّ يُضبَطُ فيه مسارُ الإعلام الجديد لمُواجَهة الشائِعات المُغرِضات ودحضِ الأكاذِيب والافتِراءات والأمةُ جميعًا مُطالبةٌ بالعودة إلى الله والتوبة إليه ونُصرة دينِه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}(محمد: 7)، وعلينا بالدعاء الدعاء والضراعة إلى الله سبحانه حتى يُحقِّق الله النصرَ والتمكينَ بمنِّه وكرمِه.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك