رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. مصطفى أبو سعد 13 مايو، 2014 0 تعليق

البيئة الداعمة للمراهق(2) بيئة تربي على تحمّل المسؤولية



الوحيد الذي لا يفشل هو الشخص الذي لا يعمل

 «ليس من حادثة ماضية إلا وهي تعرفك الخطأ والصواب منها»

أبو حيان التوحيدي

 «لا شيء يساعد المرء أكثر من إسناد مزيد من المسؤوليات له، وإعلامه بأنك تثق به»      بوكر تي

 

البيئة الداعمة هي التي تربي المراهق على الاستقلالية وتحمل المسؤولية والاعتماد على النفس منذ الصغر.

ولكن كيف ندربه على الاستقلالية وتحمّل المسؤولية؟

التدريب على الاختيار

عندما نرجع بذاكرتنا إلى أيام مراهقتنا، كم منا من يتذكر أنه اختار بنفسه ثيابه في العيد، أو اختار ألعابه في الصغر؟ ربما قلّة من يزعم أنه كان يختار ثيابه وألعابه.

     لذا كان أول أمر يجب أن نتبعه في عملية التدريب على الاستقلالية، أن ندع المراهق يتخذ القرارات التي يراها مناسبة فيما يخصه، ثم ندفعه لتحمل نتائج هذه القرارات، فمثلا لو أعطيته مبلغا من المال، وأنفقه في وقت قصير، فليتحمل نتائج هذا الإسراع في الإنفاق، وآثار عدم التوفير والاقتصاد.

إذن فالبيئة الداعمة الإيجابية هي البيئة التي تسمح للمراهق بالاختيار، وتدربه على اتخاذ القرار، في بيئة آمنة، ولا تتدخل إلا عندما تلمس أن قرار المراهق خطأ بنسبة كبيرة، أو أن اختياره قد يجلب له الأذى والضرر.

2- التربية بالفشل

لولا مرارة الفشل ما عرف الإنسان لذة النجاح

     إن من بين أفضل أنواع التربية «التربية بالفشل» أي أن يتعلم المراهق من أخطائه ومحاولات الوصول للصواب، ومن الأدوار المهمة المناطة بالبيئة الداعمة هي تعليم المراهق إدارة الفشل، بمعنى أن ينظر إلى الفشل على أنه تجارب وخبرات تضاف إلى رصيده، وبذلك تكون ردة فعله تجاه لحظات الفشل في حياته طبيعية وضمن المستوى المتوقع، وبذلك نجنبه الإصابة بالإحباط أو الانتكاسات.

قصة لا أنساها

     ومن القصص التي لا أنساها في هذا الباب قصة فتاة ولنسمها (سارة) حضرت معي دورة في الذكاء الوجداني، كانت سارة نشيطة وفاعلة ومتفوقة، اعتادت هذه الفتاة أن تكون الأولى دائما، وفي كافة مراحلها الدراسية (الروضة، الابتدائية والإعدادية والثانوية)، حتى دخلت الجامعة ونالت درجة الامتياز في السنة الأولى، ولم تكن مفاجأة أن تكون الأولى على شعبتها الدراسية، وفي الثانية تفوقت عليها إحدى البنات، حصلت (سارة) على درجة الامتياز، ولكنها لم تكن الأولى على شعبتها بل كان ترتيبها الثاني، هل تتوقع ما الذي حصل لسارة؟

صُدمت سارة لهذه النتيجة، أغلقت على نفسها باب حجرتها، وأجهشت بالبكاء، وأصيبت بالإحباط الذي تحول إلى اكتئاب حاد ثم عزلة شديدة.

وقررت أن تترك الدراسة الجامعية، وبالفعل تركتها وجلست في بيتها سبع سنوات، لا تخرج ولا تقابل أحدا سوى أفراد عائلتها.

     قضت خمس سنوات بين النوم واليقظة بلا أي نشاط على الإطلاق ثم أقنعتها أسرتها بإدخال جهاز التلفاز لغرفتها.. واستطاعت البرامج التي بدأت تتابعها سارة أن تعيد لها الأمل وحب الحياة من جديد، وأخيرا خرجت من كهفها، والتحقت بدورة سريعة بالهيئة العامة للتعليم التطبيقي، حصلت بعدها على وظيفة عادية. قالت لي سارة: إن صديقاتها ممن كن أقل مستوى يتمتعن بوظائف أفضل ومنهن رئيسات أقسام ومراقبات.

ثم قالت: لقد أجابت الدورة على حيرة دامت سنين، لماذا فشلت ونجح غيري ممن هن أقل مستوى مني؟!

كانت سارة تتمتع بذكاء عقلي كبير، ولكن كان ينقصها القدرة على التعامل الوجداني.

والدراسات تؤكد أن الناجحين حقا في الحياة هم من يملكون مهارات وقدرات لا إدراكية بمنعى وجدانية.

والسبب في كل هذا أن سارة لم تُهيَّأْ لأن تكون في المرتبة الثانية، بل اعتادت أن تكون رقم واحد، وفي المقدمة دائما، السبب أنها لم تتعلم كيفية التعامل مع ما تراه فشلا، أو تُعِدُّه إخفاقا.

مراجعة الذات

اعتدنا دائما أن نلقي باللوم -إذا فشلنا- على الآخرين، ونحاول أن نسوغ فشلنا بسبب الظروف المحيطة بنا، وقلة منا من يتربى على مراجعة نفسه، وسؤالها أين قصرت؟

وماذا كان يجب أن تفعل؟

     ولعل التربية التي نتلقاها في البيت أو المدرسة تؤسس لمثل هذا السلوك، ومن المشاهد المألوفة في حياتنا، أنك ترى الصبي يتعثر بحجر، أو يصطدم بحائط أو كرسي والسبب واضح وبسيط، الصبي غير منتبه، لكن الأم تقوم على الفور بإنهاض الصبي، ثم تضرب الحجر، أو تشتم الحائط، لتمتص غضب الصبي أو ألمه، فينشأ الصبي على فكرة (لست أنا السبب)، ويحاول في كل مرة يخفق فيها أو يفشل أن يبحث عن شماعة يلقي عليها باللوم، لذا نجد أن البيئة الداعمة تربي المراهق على مراجعة ذاته، وتحمل مسؤولية تقصيره، وعدم إلقاء اللوم على الظروف أو الآخرين.

وهذا يظهر في طريقة السؤال:

-  أنا لم أجب عن أسئلة الامتحان بالأسلوب المطلوب.. أم الامتحان كان صعبا؟!

- أنا لم أستعد كفاية للامتحان.. أم المدرس لم يشرح لنا جيدا؟

- تأخرت عن موعد الطائرة أم فاتتني الطائرة؟!

لا تفرط في الدلال والحماية

إحاطة المراهق بالدلال الزائد والحماية المبالغة فيها من شأنه أن يشل قدراته على اكتشاف العالم من حوله، ولا تسمح له بتنمية تلك القدرات، ولا باكتساب مهارات حياتية جديدة، ولذلك لا نبالغ في موافقتنا إن قلنا: «إن الأقل من حماية  الولد أقل خطرا من الإفراط فيها».

إن الإفراط في حماية المراهق من الوقوع في الخطأ أو الإخفاق، يقضي على حب المغامرة والمبادرة لديه، وقد يصيبه بالاتكالية القصوى، والاعتماد الدائم على الغير.

والمراهق قد يفهم الحماية الزائدة على أنها انعدام لثقة الوالدين في إمكاناته وقدراته، وبالمقابل يرى أنه مرفوض من والديْنِ يمنعانه من تحقيق استقلاليته وذاته، والتعبير عن نجاحه في مراحل نموه المتعددة.

لذا كانت البيئة الداعمة الإيجابية هي البيئة التي تؤمن الطمأنينة للمراهق، وتتيح له فرص الاكتشاف، وتسمح له بمحاولة التعرف على هذا العالم الذي يعيش فيه.

وتقف موقف المراقب والموجه الذي يتدخل في حالات الخطر، ومتى أخطأ المراهق فإنه من خطئه يتعلم، ومن بعد عثرته يقوم وينهض، ومن محاولاته الخطأ يتعلم الصواب.

احترم خصوصيات المراهق وحقوقه

هناك عوالم ثلاثة يمر به الإنسان من لحظة خروجه من بطن أمه جنينا، وحتى وفاته ودخوله القبر، ولكل عالم قواعده وخصائصه وميزاته ومتطلباته.

- عالم الطفولة.

- عالم المراهق.

- عالم الكبار.

     في عالم المراهقة مطلوب منا أن نحترم خصوصيات المراهق وعالمه الخاص، فالمراهق مثلنا نحن الكبار، له أسرار وخفايا وخصوصيات قد لا يحب أن يُطلع عليها أحد، فالصواب ألا نتجسس عليه، سواء أكان ذلك بقراءة خطاباته ومذكراته، أم التنصت على مكالماته، أم التطفل عليه.

إن اقتحام خصوصيات المراهق دون إذنه تعني بالنسبة إليه إساءة وتجاوزا عليه، واعتداء على حقوقه، فينزع إلى المقاومة الدائمة والعناد والمكابرة؛ مما يترتب عليه ازدياد في المسافة بين عالمه وعالم والديه.

 

إضاءة

معلوم أن من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أن يبدأ بيمين المجلس في الشراب أو الطعام، والقصة التالية تعلمنا كيف يؤكد النبي عليه الصلاة والسلام على حقوق الآخرين، ولو كانوا أطفالا في نظرنا، ويعلمنا أن نحترم تلك الحقوق، ولا نهضمها بحجة أنهم صغار.

روى البخاري ومالك في الموطأ واللفظ له، عن سهل بن سعد الأنصاري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُتي بشراب فشرب منه، وعن يمينه غلام وعن يساره الأشياخ، فقال للغلام: أتأذن لي أن أعطي هؤلاء؟

فقال الغلام: لا والله يا رسول الله، لا أوثر بنصيبي منك أحدا، قال  فتله رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده (أي وضع الإناء في يد الغلام ليشرب منه).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك