رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ شريف الهواري 22 أكتوبر، 2019 0 تعليق

البناء الدعوي وأثره في الحفاظ على المنهج (1)

 

لابُدّ في بناء الكوادر التي تحمل هذا المنهج من جوانب عدة، وهي: الجانب العلمي، والفكري، والإيماني التربوي، والدعوي الإداري المؤسسي

 

 

 

لا يخفى على أحد أن المعركة بين الحق والباطل قائمة إلى قيام الساعة، وفي كل فترة تتعدد الأساليب وتتنوع، ولا يخفى أن الباطل قد استعلى جدًا، وأن الأعداء قد تداعوا على هذه الأمة كما تداعى الأكلة إلى قصعتها؛ لذا كانت الصحوة الإسلامية المُعاصِرة حجر عثرة في طريق هذا الباطل؛ كونها تنذر بعودة الأمة من جديد، وهو ما لا يريده أعداؤها.

من هنا فقد حوربت هذه الصحوة بالعديد من الأساليب والوسائل منها:

إنتاج الأفكار القديمة

     إعادة إنتاج أفكار قديمة عفا عليها الزمن؛ فإعادة إنتاج فكر الخوارج بصناعة (داعش)، والتسويق لها، وإعطائها فُرَصًا ومساحات وإمكانيات، كي يجمعوا عليها الشباب الغيور على دينه، الذي يعاني في بلاده، وقد شُوِّهَت له صورة العلماء والدعاة؛ حتى لا يبقى له مرجعية يرجع إليها إلا هؤلاء، ولضعفه علميًا وتربويًا رضي لنفسه أن يُقاد من خلف السراديب، ثم أظهروا الأفعال المشوّهة المنفِّرة (تحريق، فظاظة، غلظة، تكفير، تفجير، تخريب ...)، ثم لما انتهى العمر الافتراضي الذي حددوه، وانتهت الصلاحية، تم القضاء على الدولة وتحويل الصراع نحو مسرح أو مسارح أخرى.

الفرق المنحرفة

تصدير الفرق المنحرفة بديلا لأهل السُنَّة على الساحة السياسية، وإطلاق العنان للمَلاحِدة ليفسدوا عقائد أهل السنة، مع إغراء شباب المسلمين الذين يعانون في بلادهم وإبهارهم.

الصوفية والعلمانية

إعداد الصوفية لتكون بديلًا مُسَالِمًا للغرب، وتصدير العلمانية والليبرالية لبلاد المسلمين، وتمكين النُّخَب العلمانية والليبرالية من الاقتصاد والإعلام والسياسة، وإيهام الناس بأن الحل إنما يكون في العلمانية والليبرالية.

الحرب الإعلامية

إدارة الحرب الإعلامية باحتراف؛ إذ كان من أثر الانفتاح الإعلامي على العالم الغربي إحباط كثير من شباب المسلمين وهزيمتهم نفسيًا.

التهديد والوعيد

التهديد والوعيد لمن تَمَسَّك بالمنهج والثوابت، وتشويه صورته وتنفير الناس منه، واتهامه بالتشدد والإرهاب، والطعن في العلماء الربانيين العاملين، وتشويه صورتهم، واتهامهم بالعمالة والخيانة وأنهم علماء سُلْطَة؛ حتى ينفر الشباب منهم.

من أعظم المهام

ولذا فإن من أعظم المهام والأولويات في هذه المرحلة الحرجة هو الحفاظ على المنهج بصفائه ونقائه؛ حتى لا يتمكن الباطل من الوصول لهدفه الأول، وهو تغييب هذا المنهج المبارك حتى يأتي النصر والتمكين الذي وعد به الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

طبيعة الطريق

     ومن خلال التعرف على طبيعة الطريق، وحقيقة الصراع، والأطوار التي مَرَّ بها الصراع؛ نجد أن بعض المراحل التي بلغ فيها الصراع أَشُدَّه رَكَّز أهل الحق على الحفاظ على المنهج وتسليمه للأجيال القادمة بصفائه ونقائه حتى لو كلفهم حياتهم، كما حكى النبي - صلى الله عليه وسلم - لنا ذلك في حديث (غلام الأخدود) (صحيح مُسلِم: 3005).

مهمّة عظيمة

ومما لا شك فيه أن الحفاظ على المنهج مهمّة عظيمة، بل من أعظم المهام وأشرفها، وهي تحتاج إلى إعداد وتأهيل وبناء، وكلّما كان هذا البناء قويًا كان أثره قويًا، وكذلك عندما يكون بناء حَمَلَة المنهج ضعيفًا يكون البناء المترتب عليهم ضعيفًا هَشًّا.

الحفاظ على المنهج

     لكن كيف يكون الحفاظ على المنهج وتسليمه بصفائه ونقائه للأجيال القادمة؟ أيكون ذلك بمجرد الولاء والانتماء؟! أم بالعواطف والغيرة عليه فقط؟! أم بالشعارات والخطب الحماسية؟! أم بغير ذلك؟؛ ولذا فنحن في السطور القليلة القادمة نوضح كيف يكون البناء القوي للشخصية التي تستطيع أن تحافظ على المنهج صافيًا نقيًّا وتبلغه لمن وراءها من الأجيال القادمة؟ وهو مقصود هذا البحث، وبالله نستعين، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا به.

جوانب البناء

     لابُدّ في بناء الكوادر التي تحمل هذا المنهج من جوانب عدة، وهي: الجانب العلمي، والفكري، والإيماني التربوي، والدعوي الإداري المؤسسي، والحقيقة أن الفصل بين هذه الجوانب إنما هو فصل نظري تقتضيه طبيعة الكتابة البحثية، أما تطبيق ذلك على الواقع فلا يمكن أن ينفرد به أحد الجوانب دون باقيها، والخلل في أحدها يستتبع خللاً في غيره، فهذه الجوانب الأربعة تمثل أركان الشخصية المؤثرة القادرة على حمل المنهج وإبلاغه، وفيما يلي نوضح المراد بكل جانب من الجوانب الأربعة وكيفية تحصيله.

أولًا: الجانب العلمي

- المراد به: العلم بالمنهج عقيدةً وشريعةً، وهذا يقتضي دراسة العقيدة دراسةً حقيقيةً، أصولًا وفروعًا وشُعبًا، مع معرفة العقائد المُخالِفة لعقيدة أهل السُنَّة والجماعة، وكذلك دراسة الشريعة دراسةً حقيقيةً، وذلك بتتبع المسائل الشرعية مسألةً مسألة، من خلال فهم السلف الصالح من الصحابة والتابعين وعلماء الأمة الربانيين.

وثمرة هذا كله تكون بخروج كوادر قادرة على حمل المنهج بصفائه ونقائه، قادرة على رد ما ليس منه ودحض الشبهات التي تلقى عليه، وكذلك سد الثغرات التي قد ينفذ منها الباطل لتشويه الصورة، مع القدرة على التأصيل والتنظير لكل مسألة في المنهج.

لوازم البناء العلمي

ومع ذلك فهناك لوازم لهذا البناء في الجانب العلمي، تتمثل فيما يلي:

العلم بالواقع

     وذلك من خلال العلم بالواقع المحيط بكافة أقسامه وفهمه جيدًا: كالعلم بالواقع الداخلي، وبتركيبة المجتمع، وثقافاته، وعاداته، وأعرافه، وطِبَاعِه، وخِصاله، وشهواته، وأهوائه، وموطن التأثير فيه؛ وذلك كله ليتسنى وضع الخطط المناسبة والبديلة للتعامل مع المجتمع، والالتصاق به بقوة، وعدم الصدام مع أيٍّ مِن مكوناته؛ فالباطل حريص على بناء حواجز بين الدعاة والمجتمع، ويعمل بشتى الوسائل على تنفيره مِن أهل الحق بكل السُّبُل.

     والعلم بالواقع الإقليمي، والمخاطر الإقليمية، والاهتمام بها؛ كي يمكن ترتيب الأولويات، والحفاظ على رأس المال؛ فإن التحرك دون دراسة جيدة للواقع الإقليمي يقوي الباطل على أهل الحق، وكذلك العلم بالواقع العالمي، ومخططاته، وعداوته للمنهج، وبرامجه، والاستفادة من ذلك في وضع الخطط المناسبة للحفاظ على الكوادر الحاملة للمنهج.

العلم بفقه المصالح والمفاسد

     وذلك لضبط حركة الكوادر على الأرض، وكيفية التعامل مع الباطل، وترتيب الأولويات، وذلك من خلال الفهم الحقيقي لأصول العلم بفقه المصالح والمفاسد، كخير الخيرين، وشر الشرين، وفقه المآلات، والموازنات، والمقارنات بين الممكن والمتاح والمأمول والمرجو، والقدرة والعجز، وجواز ارتكاب أدنى المفسدتين عند التعارض لدفع أعلاهما، وكذا تفويت أدنى المصلحتين لتحصيل أعلاهما عند التعارض، وغير ذلك.

العلم بالسُّنَن والتاريخ

وذلك للتعرف على طبيعة الطريق، وحقيقة الصراع، والتسلي بمن سار على الطريق قبلنا؛ ففي دراسةِ السُّنَن والتاريخ القريب والبعيد اطّلاع على العديد من التجارب الحقيقية للأمم، مع معرفة ما فيها من الدروس والعِبَر، والسَّعِيدُ مَن وُعِظَ بِغَيْرِهِ.

ثانيًا: البناء الفكري

     ونعني به: إبراز القضايا الفكرية المهمة والضرورية، وهي في الأصل مسائل علمية لكنها أُفرِدَت بالبحث بسبب الخلل الذي حدث فيها، والانحراف عن الفهم الصحيح لها من أبناء الصحوة المعاصرة؛ إذ كان من أعظم ما حدث من خلل بين أبناء الصحوة على الساحة عدم ضبط هذه القضايا الفكرية، مما تسبب في وجود كثير من الخلل في الواقع العملي.

توحيد الفكر وضبط الأفهام

ومعلوم أن توحيد الفكر وضبط الأفهام مِن أعظم أسباب السير الصحيح، والعمل المنضبط، وهذه القضايا هي: العمل الجماعي - السلفية ومناهج التغيير - فقه الخلاف - فقه الجهاد - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - مسائل الإيمان والكفر - الولاء والبراء.

اختيار هذه القضايا

     والسبب في اختيار هذه القضايا أنها -دون غيرها- هي القضايا الأساسية التي تمثل الفرق، وتوضح الحدود الفكرية بين الدعوة السلفية وبين غيرها من الجماعات المعاصرة العاملة على الساحة؛ فقضية العمل الجماعي للرد على من يحرم الاجتماع والتعاون على الحق، وقضية السلفية ومناهج التغيير للتفرقة بين منهج السلف في التغيير وبين منهج غيرهم كالإخوان المسلمين والجماعات المسلحة أو جماعات العنف والصِّدام، وقضية الجهاد للتفرقة بين فهم المنهج السلفي لهذه القضية وبين فهم جماعات العنف المعاصرة المنسوبة للجهاد، وقضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لضبط هذه الشعيرة دون إفراط أو تفريط، كما حصل من الإخوان المسلمين أو الجماعة الإسلامية، وقضايا الإيمان والكفر، والولاء والبراء للتفرقة بين منهج السلف وبين من يدعي منهجهم.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك