رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ شريف الهواري 29 أكتوبر، 2019 0 تعليق

البناء الدعوي وأثره في الحفاظ على المنهج (2)

 

استكمالا لما بدأنا الحديث عنه في المقال السابق عن أهمية الحفاظ على المنهج بصفائه ونقائه؛ حيث يعد ذلك من أعظم المهام والأولويات في هذه المرحلة الحرجة حتى لا يتمكن الباطل من الوصول لهدفه، وحتى يأتي النصر والتمكين الذي وعد به الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، وقلنا إنه للحفاظ على هذا المنهج المبارك، لابُدّ من بناء الكوادر التي تحمل هذا المنهج من جوانب عدة، وهي: الجانب العلمي، والفكري، والإيماني التربوي، والدعوي الإداري المؤسسي، وتحدثنا عن البناء العلمي والفكري، واليوم نتحدث عن البناء الإيماني التربوي.

     ونعني بالبناء الإيماني التربوي الانتقال بالجانب العلمي -عقيدةً وشريعةً- إلى واقع عملي متحرك، وهذا يكون بترسيخ العقيدة الصحيحة في القلوب لتكوين الطاقة اللازمة لتحقيق الشريعة، وهو ما يعني التزام موجب الأمر والنهي في جميع مجالات الحياة؛ مما يستوجب ضبطًا للظاهر والباطن في العبادات والمعاملات والسلوك؛ ولذا فقد ركَّز النبي صلى الله عليه وسلم في تربيته للصحابة في مَكَّة على الإيمان بالله واليوم الآخر؛ فهذا أصل كل ما سيأتي بعد ذلك، ويُعايِن ذلك مَن تدبر القرآن المَكِّي ونظر في القضايا التي يعالجها والفرق بينه وبين ما نزل في المدينة.

الوقاية والعلاج

ومن خلال البناء الإيماني المتميز، يمكننا الوقاية والعلاج، وهذا يتحصل بالأمور التالية:

ترويض النفس وتأهيلها

- أولاً: الاهتمام بترويض النفس وتأهيلها وتربيتها وتحقيق التزكية الدائمة لها، وذلك من خلال التصفية، والتخلية، والتحلية، مع المُحاسَبة، والمُجاهَدة المستمرة، كي ننجح في إلجامها بالإيمان.

تحقيق المُتابَعة الدائمة

- ثانيًا: الحرص على تحقيق المُتابَعة الدائمة في جميع شؤوننا لقُدْوَتنا وأُسْوَتنا صلى الله عليه وسلم ، والحذر من تقديم شيء على سُنَّتِه صلى الله عليه وسلم ، من عادات، أو أعراف، أو تقاليد، أو شهوات، أو أهواء، وذلك بأن نحرص أن نتعلم كيف كان صلى الله عليه وسلم في إيمانه، وفي عباداته فَرْضها ونَفْلها، ومعاملاته، وأخلاقياته، وسلوكياته في ليله أو نهاره، في بيته، ومع جيرانه، وأرحامه، وباقي المسلمين، وكيف كان تواضعه، ولينه، ورحمته، وحِلْمه، وصبره، وفي رِفْقِه، وعَدْله، وتَعَهُّده لقلبه ولسانه، وفي رضاه وغضبه، وفي سرَّائه وضَرَّائه، وفي ذِكْره، وشكره، ودعائه، وتَضَرُّعه، ومُنَاجَاته.

فقه سد الذرائع

ثالثًا: الحرص على تعلم فقه سد الذرائع، لنأخذ بأعلى معدلات الحيطة والحذر، ولنغلق منافذ الشياطين إلينا.

لزوم غرز العلماء

رابعًا: لزوم غرز العلماء -من الربانيين العاملين- واسترشادهم لنأمن السير في الطريق، قال -تعالى-: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا} (النساء: 83).

تعميق روح المُمَانَعَة

خامسًا: الحرص على تعميق روح المُمَانَعَة لمواجهة ما بيَّتَه الباطل حولنا من وسائله الهدامة، والإغراء، والإبهار، والتزيين، والتسهيل لوسائل الضلال والانحراف والانحلال، وغير ذلك.

رابعًا: البناء الإداري المؤسسي

     ونعني به توظيف الجهود والطاقات والإمكانات والكوادر، كي نصل إلى ما نريد في أقل وقت وبأقل تكلفة؛ فمن خلال البناء العلمي والفكري والإيماني التربوي، يمكننا أن نصل إلى شخصية متكاملة في نفسها، لكنها تحتاج - في التكامل مع غيرها ولعملها معه عملًا جماعيًا منظمًا- إلى تعلم فن العمل في فريق واحد، وهذا ما نعنيه بالبناء الإداري المؤسسي؛ إذ المراد منه توظيف الجهود والطاقات والإمكانات والكوادر، كي نصل إلى ما نريد في أقل وقت وبأقل تكلفة.

العمل الجماعي

     ولا يخفى أن العمل الجماعي هو الذي يحفظ العمل الإسلامي من الارتباط بأشخاص؛ إذ إن الدعوة المرتبطة بشخص واحد دعوة فاشلة ومنقطعة؛ تمرَض بمَرَضه، وتُسافِر بسَفَره، وتُعتَقل باعتِقَاله، وقد تَنحرِف بانحرافه، بل تموت بموته. أما الدعوة المؤسسية فالعمل فيها لا يرتبط بأشخاص مهما بلغوا من المكانة، وإنما هي عمل من خلال فريق في جميع المجالات الدعوية، والأجيال تتواصل، فكل جيل يُسلم جيلا.

فوائد عدة

     كما أن البناء الإداري لحَمَلَة المنهج يحقق العديد من الفوائد منها: الدمج بين خبرة أهل السبق وحيوية الشباب، والدفع بالدماء الجديدة باستمرار، والتربية النوعية المستمرة، واستثمار التخصصات المتنوعة والاستفادة منها؛ ولذا فإن تكوين فريق عمل ناجح ونشيط ومؤمن بالقضية وقادر على العمل يقود المؤسسة نحو القمة.

نجاح فريق العمل

ولكي ينجح الفريق لا بد من أمور عدة:

- تحقيق الشورى الشرعية التي أمر بها الله -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ}(آل عمران: 159)، {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} (الشورى: 38).

- تأهيل الكوادر إداريًا، وتعلم فن الإدارة من مصادرها، مع ربطها بالمنهج.

- الحرص على الدمج بين خبرة أهل السبق وحيوية الشباب، والدفع دائمًا بالدماء الجديدة.

- الاهتمام بالمميزين، وصقلهم، والاهتمام بهم، والترقي بهم من خلال البناء العلمي والفكري والإيماني والتربوي، جنبًا إلى جنب مع البناء الإداري، وتعلم فن الإدارة.

- وضوح الرؤية والهدف عند فرق العمل جميعها، وهدف الدعوة هو تعبيد الخلائق لله -عَزَّ وَجَلَّ- من خلال إيجاد المسلم الحقيقي، ثم الطائفة المؤمنة، ثم تَعاوُن هذه الطائفة فيما بينها للقيام بالواجبات الكفائية من خلال عمل جماعي منظم، حتى يتحقق لها التمكين بفضل من الله -عَزَّ وَجَلَّ.

- استشعار المسؤولية وتَحَمُّلها، والعمل لها بقوة.

- الحذر من العواطف، والمجاملات، والمحسوبيات؛ فإذا وقع منها شيء كان الانهيار السريع للعمل، وحصول التنافر، والتحاسد، والتباغض بين أعضاء الفريق.

- تنمية المهارات الخاصة والارتقاء بها، والحرص على تعلم فن التواصل مع الآخرين، والارتقاء بمهارات الابتكار، والتطوير المستمر.

- الاستعداد للعمل لنصرة دين الله -عَزَّ وَجَلَّ- تحت أي ظرف، وفي أي مكان، وبأي إمكانيات متاحة.

- الاهتمام ببث روح الجدية، والإيجابية، والتحذير من السلبية، والعشوائية، والفوضوية.

- المُتابَعة المستمرة لأعضاء فريق العمل، وتَفَقُّد أحوالهم الخاصة للاطمئنان على استقرارهم المادي والاجتماعي؛ لعظيم ما فيه من أثر على العمل.

- مراعاة جوانب الترفيه المباح لتجديد النشاط؛ فالعمل الإداري مُنْهِك ومُرْهِق، وحتى لا يحدث ملل.

- الحرص على شكر من أحسن وأتقن، مع تذكيره بالإخلاص وعظيم الأجر والثواب.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك