رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.وليد عبدالوهاب الحداد 13 يونيو، 2016 0 تعليق

البعــد الاقتصـادي لشهر رمضـان (2)

تعرضنا في المقالة السابقة إلى الأهمية الاقتصادية لشهر رمضان، فهو شهر التميز والإبداع، وشهر التقاط الأنفاس والراحة النفسية، وشهر البركة ونماء المال، وشهر تخفيض الكلفة الاجتماعية على الدولة والمجتمع، ونكمل في هذه المقالة بقية العوامل الاقتصادية:

الجود والكرم

     عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: «كان رسول صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة» رواه البخاري، ومعنى الجود في الشرع: إعطاء ما ينبغي لمن ينبغي، وهو أعظم من الصدقة، والريح المرسلة هي العاصفة السريعة التي أرسلها الله، ومع ذلك فالرسول صلى الله عليه وسلم  أسرع بالخير في رمضان من هذه الريح المرسلة.

     ويقول الشيخ ابن جبرين: الصدقة في هذا الشهر تضاعف فيه أضعافا كثيرة، ويقول الشيخ ابن فوزان: الصدقة في رمضان أفضل من الصدقة في غيره؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سماه شهر المواساة، ولذلك في هذا الشهر يتسابق المسلمون على إخراج صدقاتهم وزكواتهم.

     ومن القصص المؤثرة جدا التي سمعتها من الأخ د.عبدالرحمن السميط -رحمه الله- أن كويتيا كفل إحدى البنات اليتيمات التي توفي والداها بسبب المرض، حتى وصلت في الدراسة إلى المرحلة الثانوية، وحصل لها الشيخ على بعثة لدراسة الطب، ودرست الطب ثم تفرغت بعد ذلك لعلاج أهل قريتها وحمايتهم من الأمراض، قصة تثير الدموع والفرحة في آن واحد.

      ومرة تبرع أحد الإخوة لبناء ملجأ أيتام في الفلبين منذ 15 سنة بقيمة 25 ألف دينار، كل سنة كان يدفع 5 آلاف دينار حتى اكتملت الـ 25 ألفا، وتحول هذا الملجأ مع مدرسته ومسجده إلى قرية كاملة أصبح يلجأ إليها المسلمون لتعلم القرآن وتعاليم الإسلام، ولقد زرته بنفسي، وطلبت أن أسمع ترتيل الطلبة للقرآن من خلال حفظهم، وسمَّعوا لي بصوت عال قراءة رائعة كأن مشاري العفاسي موجود بيننا، وعندما سألتهم لماذا اخترتم قراءة العفاسي؟ فقالوا لأنه من الكويت وهذا مركز بنته الكويت، فهنيئا لمن بنى هذا المركز الأجر العظيم،  فانظروا إلى الأثر الاقتصادي العظيم، وسد حاجات الناس، وبناء المساجد والملاجئ والمستشفيات، فالحمد لله رب العالمين.

 

الشعور بالتجديد

     هذا الشهر يعطي الإنسان المسلم الفرصة لتكفير الذنوب، وأن يعود مولودا جديدا، فعن أبي هريره -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله[: «الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر» رواه مسلم، وعن أبي هريرة أيضا رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه» رواه البخاري، وقوله[: «من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه»، فلنتصور هذا الشعور الرائع، أن تشعر بأنك ولدت من جديد، وأنك خال من الذنوب، فهذه الميزة تجعل الكثير منا يرجع عن الأخطاء في حياته، سواء كانت على مستوى حياته الاجتماعية، أم على مستوى العمل، أم على مستوى العبادة؛ ولذلك يقال: إن أثر العبادة يظهر بعد رمضان؛ فإذا استمر الإنسان على المعاصي والذنوب وأخطائه نفسها فلا أثر لعبادة رمضان عليه والعكس صحيح، وموضوع التجديد شيء أساس لدينا -نحن مفكري الإدارة-؛ إذ لدينا مناهج نحاول بها إقناع الأفراد بالتجديد من خلال الإجازات، وتغيير نوعية العمل وغيرها، ولكنها -ولله الحمد- تأتي مع رمضان بوصفها ميزة إلهية لهذا الشهر الفضيل؛ فيتجدد الإنسان تلقائيا، ويشعر بشعور جديد، ويستعد من أجل إنتاجية أكبر، وتميز في العمل، وتجديد في العطاء.

انتعاش الأسواق

     يستعد المسلمون للاحتفال بالعيد بشراء الملابس الجديدة والمتميزة؛ فتنتعش الأسواق وتزيد المبيعات، بل إن هناك منتجات وخدمات تعمل في رمضان فقط؛ لما لهذا الشهر من بركة البيع وزيادته، وأيضا هناك مؤسسات تبيع نصف منتجاتها أو خدماتها في رمضان، وهو شهر تنمو فيه المبيعات دون الحاجة إلى ميزانيات إعلانية؛ بل فقط ببركة هذا الشهر العظيم.

     هذه بعض المميزات والأبعاد الاقتصادية لهذا الشهر الفضيل، وهي أكبر من ذلك بكثير، ولكن هذا ما ينتج عنه عقلنا القاصر في فهم النصوص الشرعية، وهي عموما بحاجة إلى بحث واستقصاء وزيادة علم؛ فأسأل الله العلي القدير أن تكون هذه المقالة مفتاحا لزيادة البحوث في هذا الباب والحمد الله رب العالمين.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك