رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.وليد عبدالوهاب الحداد 8 يونيو، 2016 0 تعليق

البعــد الاقتصـادي لشهر رمضـان (١)


أكثر شهر يهتدي فيه غير المسلمين وتقل فيه المشكلات الاجتماعية والحوادث المرورية هو شهر رمضان؛ مما يخفض الكلفة الاقتصادية ويزيد الروابط الاجتماعية

 

شهر رمضان من أعظم شهور السنة للمسلمين وفيه يقول الله تعالى: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان}(البقرة: 185)، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : «إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين»، رواه البخاري، وفيه قال: «من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه»، والأحاديث كثيرة في هذا الباب سنتعرض لها تباعا في مقالتنا هذه، ومن الفوائد العظيمة لهذا الشهر البعد الاقتصادي الذي يغفل عنه كثير من المسلمين، وقد أحببت أن ألقي الضوء عليه وأوضحه لنبين عظمة هذا الدين وفوائده الاقتصادية والإدارية في جميع شرائعه: 

1- شهر رمضان هو شهر الراحة والتقاط الأنفاس وإعادة النشاط والتخفيف من ضغوط العمل، وبالطبع ليس المقصود هنا التخفيف من النشاط البدني والإنتاجية، بل إن هذا الشهر شهد أعظم انتصارات المسلمين؛ فهو شهر انتصار المسلمين في معركة بدر الكبرى، وأيضا فتح مكة الكبير وغيرها من الانتصارات المهمة، والمقصود فيه الراحة النفسية، فالعبادة والبعد عن الطعام تخفف من التوتر. 

     وعندما كنا طلبة في أميركا درَّسنا دكتور اسمه (مانزي)، وكان رئيس مجموعة الموارد البشرية في شركة (كوداك)، فكان أول درس لنا معه هو تعلم (اليوجا) في أول ساعات الصباح، وعندما سألناه عن السبب قال: لإخراج جميع السلبيات من تفكيركم ولمساعدتكم على اتخاذ القرارات الصائبة، وعندها قلنا له: نحن المسلمين عندنا صلاة الفجر وقراءة القرآن تساعدنا على التخلص من السلبيات والتركيز واتخاذ القرارات، وقس عليه شهر رمضان فهو شهر كامل لكامل شهور السنة، ويساعد العاملين على التخلص من ضغوط العمل، وتعد ضغوط العمل المشكلة الكبرى في الاقتصاد الياباني والأميركي، وتسبب عديدا من الأمراض، وفي اليابان ينتحر عشرة آلاف شخص سنويا بسبب ضغوط العمل، وتنفق الولايات المتحدة أكثر من 300 مليار دولار سنويا لمعالجة أمراض ضغوط العمل للعاملين؛ فهو المرض الأول في هذه الاقتصاديات، ولنتصور الحجم الذي يوفره ماديا رمضان على المسلمين بالتخفيف من هذه الضغوط والراحة النفسية الذي يجلبها هذا الشهر للعاملين. 

الذكر والصلاة

2- في هذا الشهر العظيم يكثر المسلمون من ذكر الله والصلاة، فعن النبي صلى الله عليه وسلم «من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه»، وورد عن السلف والأئمة الأربعة ومنهم الإمام الشافعي الذي كان يختم القرآن ستين مرة في هذا الشهر الفضيل، ومعلوم كما ذكرنا أن قراءة القرآن وكثرة الذكر والصلاة تعطي الراحة والطمأنينة والقدرة على اتخاذ القرارات والبركة، ولقد جربت هذا بنفسي؛ فاليوم الذي أصلي فيه الفجر، وأردد أذكار الصباح، وأقرأ وردي من القرآن آخذ أفضل القرارات وأوفق في يومي هذا كله، ليس هذا فحسب بل يساعد على التركيز والإبداع والتميز، فمعروف أن الإبداع والتميز يأتيان مع الراحة والطمأنينة والتركيز، فيكون لدى الإنسان القدرة على حل المشكلات بأسلوب إبداعي متميز، وفي الغرب يعزل العلماء في مجمعات خاصة بعيدا عن الناس للوصول إلى هذه المرحلة، ولكن المسلمين يستطيعون من خلال هذا الشهر الفضيل الحصول على هذه الميزة من رب العباد الذي هو أعلم بشؤونهم.

زيادة الرزق والبركة 

3- زيادة الرزق والبركة، فعن أنس بن مالكرضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من سره أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره فليصل رحمه» رواه البخاري، ومعنى البسط في الرزق كثرته ونماؤه وسعته وزيادته زيادة حقيقية، وأما ينسأ له في أثره فالعلماء على معنيين وهو حصول القوة في الجسد، وقيل البركة في عمره، والتوفيق للطاعات وعمارة أوقاته بما ينفعه في الدنيا والآخرة، وفي شهر رمضان تكثر صلة الأرحام بين الأهل والأقارب، وتكثر الزيارات بين العائلات، وتوصل الرحم، وكم علاقة كانت منقطعة قبل رمضان بسبب مشاحنات تافهة، وفي رمضان وبسبب جو الطاعات ترجع هذه العلاقات، وهذه الصلة كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم تبارك في الرزق وتزيد الجسد قوة، وتطيل العمر وتبارك في الأوقات، وتزيد من الإنتاجية، فيا له من أثر اقتصادي رائع. 

4- تخفيض الكلفة الاجتماعية على الدولة والمجتمع، كما ذكرنا في الحديث الصحيح تصفد الشياطين، وفي حديث آخر قال -صلى الله عليه وسلم - «أتاكم شهر رمضان، شهر مبارك، فرض الله عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه مردة الشياطين، وفيه ليلة هي خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم» رواه أحمد وصححه الألباني، ومعناه أن الشياطين -كما قال العلماء- لا تخلص في هذا الشهر كما كانت تخلص إليه في غيره فتضعف قواها، وتقل وسوستها، ولكنها لا تنعدم كلية.

الإقبال على الخير

      ولذلك نرى إقبال الناس على الخير في رمضان وكف الكثير منهم عن الذنوب والمعاصي، وتمتلئ المساجد، وتكثر الصدقات، وتسكن النفوس والضمائر، وترتاح القلوب، ويكثر التائبون في هذا الشهر العظيم، بل إن أكثر شهر في الكويت يعلن فيه عن إسلام الآخرين من خلال لجنة التعريف بالإسلام هو في هذا الشهر؛ ولهذا تقل المشكلات الاجتماعية مثل: الطلاق وتشاحن الأزواج وتشاحن الأهل، وتقل مشكلات انحراف الأولاد، وتقل الحوادث المرورية وغيرها، وهذا يخفض الكلفة الاجتماعية، ويزيد من الروابط الاجتماعية، ويقوي من روابط الأسرة، ولو كنت مكان الدعاة والمنظمات الأسرية الاجتماعية لأكثرت من نشاطي في هذا الشهر؛ لما فيه من البركة وصفاء النفوس لإصلاح ذات البين ولاسيما بين الأزواج؛ لأن الفرص تكون متاحة بطريقة كبيرة، فلله الحمد والمنة على هذه النعمة العظيمة التي نحن عنها غافلون. 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك