رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عيسى القدومي 26 ديسمبر، 2022 0 تعليق

البشـــائر النبـــوية للأعمــال الخيرية (4) البشرى الرابعة: التعسيل قبل الموت

 

حديث من جوامع كلم النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -، جمع معاني عظيمة، تحيي القلوب المتعلقة بمحبة الله -تعالى- والعمل من أجل هذا الدين، ولرفعة الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس، ومن إكرام الله -تعالى- وتوفيقه إلهامه العبد التزود من الطاعات وأعمال الخير قبل موته، وما يدل على هذا المعنى الحديث الذي بين أيدينا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا أَرَادَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- بِعَبْدٍ خَيْرًا »، عَسَلَهُ، قِيلَ: وَمَا عَسَلُهُ؟ قَالَ: «يَفْتَحُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- لَهُ عَمَلًا صَالِحًا قَبْلَ مَوْتِهِ، ثُمَّ يَقْبِضُهُ عَلَيْهِ». مسند الإمام أحمد، رقم الحديث: 17438، إسناده حسن ورجاله ثقات.

     وفي حديث مرفوع، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا اسْتَعْمَلَهُ »، قَالُوا: وَكَيْفَ يَسْتَعْمِلُهُ؟، قَالَ: « يُوَفِّقُهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ قَبْلَ مَوْتِهِ».

     فقد شبه الرسول - صلى الله عليه وسلم - ما رزق الله العبد من العمل الصالح قبل الموت، بالعسل الذي هو الطعام الصالح الذي يحلو به كل شيء، والعرب اعتادت أن تسمي ما تستحليه بالعسل.

قد مات قومٌ وما ماتت مَكارِمُهُمْ

                                                                                  وعاش قومٌ وهمْ في الناس أمواتُ

     جاء في النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير ( 3/237)، تحت كلمة عسل: فيه: إذا أراد الله بعبد خيرا عسله، قيل: يا رسول الله، وما عسله؟ قال: يفتح له عملا صالحا بين يدي موته حتى يرضى عنه من حوله.

     العسل: طيب الثناء، مأخوذ من العسل، يقال: عسل الطعام يعسله: إذا جعل فيه العسل شبه ما رزقه الله -تعالى- من العمل الصالح الذي طاب به ذكره بين قومه بالعسل الذي يجعل في الطعام فيحلو به ويطيب، ومنه الحديث: إذا أراد الله بعبد خيرا عسله في الناس، أي: طيب ثناءه فيهم.

«إذا أراد اللـه بعبد خيراً عسلـه»

     قال المناوي في فيض القدير: «إذا أراد اللـه بعبدٍ خيرًا عسّلـه» بفتح العين والسين المهملتين تشدّد وتخفف أي طيب ثناءه بين الناس، من عسل الطعام يعسلـه إذا جعل فيه العسل، ذكره الزمخشري. قيل: أي قالوا: يا رسول اللـه وما عسلـه؟ أي ما معناه. قال: «يفتح لـه عملاً صالحًا قبل موته ثم يقبضه عليه»، فهذا من كلام الراوي لا المصطفى - صلى الله عليه وسلم - شبّه ما رزقه اللـه من العمل الصالح الذي طاب ذكره وفاح نشره، بالعسل الذي هو الطعام الصالح الذي يحلو به كل شيء، ويصلح كل ما خالطه ذكره الزمخشري.

عبد أدركته دولة السعادة

     قال الحكيم الترمذي: فهذا عبد أدركته دولة السعادة فأصاب حظه ومراده، بعد ما قطع عمره في رفض العبودية وتعطيلـها وعطل الحدود وأهمل الفرائض، فلما قرب أوان شخوصه إلى الحق أدركته السعادة بذلك الحظ الذي كان سبق لـه؛ فاستنار الصدر بالنور وانكشف الغطاء فأدركته الخشية وعظمت مساويه عنده فاستقام أمره فعمل صالحاً قليلاً فأعطى جزيلا.

     عسله مأخوذ من العسل؛ حيث شبه العمل الذي يفتح للعبد حتى يرضى عنه ويطيب ذكره بالعسل، ويقال عسلت الطعام أي جعلت فيه عسلا.

     وجاء في تهذيب اللغة: ومعنى قوله: إذا أراد الله بعبد خيرًا عسّله أي طيَّب ثناءه، وقال غيره: معنى قوله: عسله أي جعل له من العمل الصالح ثناء طيبا كالعسل، كما يُعسل الطعام إذا جُعل فيه العسل، يقال: عسلت الطعام والسويق أعْسِله وأعسُله إذا جعلت فيه عسلا وطيَّبته وحليَّته. ويقال أيضاً: عسلت الرجل إذا جعلت أُدمه العسل، وعسَّلت القوم -بالتشديد- إذا زوّدتهم العسل. وجارية معسولة الكلام إذا كانت حُلْوة المنطق مليحة اللفظ طيّبة النغمة.

     والعُسُل: الرجال الصالحون، قال: وهو جمع عاسل وعَسُول، قال: وهو ممَّا جاء على لفظ فاعل وهو مفعول به. قلت: كأنه أراد: رجل عاسل: ذو عسل أي ذو عمل صالح الثناء عليه به، مستحلى كالعسل.

     وجاء في لسان العرب: (11/444): أَي جَعَل له من العمل الصالح ثناء طَيِّباً شَبَّه ما رَزَقَه اللهُ من العمل الصالح الذي طاب به ذِكْرُه بين قومه بالعَسَل الذي يُجْعَل في الطعام فَيَحْلَوْ لي به ويَطِيب، وهذا مَثَلٌ من وفَّقَه الله لعمل صالح يُتْحِفه كما يُتْحِف الرجل أَخاه إِذا أَطعمه العَسَل.

     وفي مقاييس اللغة: (4/256): في الحديث: «إذا أراد الله بعبدٍ خيراً عَسَلَه، ومعناه طيَّبَ ذِكرَه وحلاَّهُ في قلوب النّاس بالصَّالح من العمل. من قولك عَسَلْتُ الطَّعامَ، أي جعلتُ فيه عَسلاً، وفلانٌ معسول الخُلُق، أي طيِّبه، وعَسَلْتُ فلاناً: جَعلتُ زادَه العسل، ومن التصحيفات أن تكتب غسله.

 

من فوائد الحديث

1. المسلم ذو همة عالية من التكليف حتى الممات، مهما اعترته عقبات الحياة، وتشويش الأعداء، وظلم الآخرين.

2. على المسلم أن يعمل لهذا الدين وأن يجدد العطاء؛ لأن أمتنا أمة تجديد لا أمة تبديد، وأمة إبداع لا أمة ابتداع، وأمة ابتكار لا أمة تكرار.

3.  ومن هذا الحديث أخذ بعضهم عبارة الثناء: «عسلك الله»، واعتادت العرب أن تسمي ما تستحليه «بالعسل».

4.  إلزام النفس بالعمل الصالح والتجديد بالإعمال التي تقرب إلى الله -تعالى.

5.  والعمل الصالح إن كان تعدى لما ينفع النفس لينفع الآخرين كان أجره أعظم لأنه دال على الخير.

6. إذا أراد الله بعبد خيرا طهره قبل موته، قيل‏:‏ وما طهور العبد‏؟‏ قال‏:‏ عمل صالح يلهمه إياه حتى يقبضه عليه‏.‏

7.  إن من نعمة الله عليك حاجة الناس إليك.

8. من حسن الخاتمة أن يوفق العبد قبل موته للابتعاد عما يغضب الرب -سبحانه-، والتوبة من الذنوب والمعاصي، والإقبال على الطاعات وأعمال الخير، ثم يكون موته بعد ذلك على هذه الحال الحسنة.

9. أن يكون المسلم دائم السعي للخاتمة الطيبة؛ لأنه لا يعرف من تقبض روحه.

10. على المسلم التوبة والإنابة قبل غلق الإجابة، فما زال الباب مفتوحا، وأبواب الخير عظيمة فاجتهد بما ينفع نفسك والمسلمين.

11.  لا تؤجل ولا تسوف إن أردت الفلاح، وأردت تعسيل الله لك، فلا تركن إلى التسويف والأمل حتى يسبقه الأجل.

12. واسأل نفسك كيف «أُعسل»؟ وأنت أدرى بنفسك من غيرك.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك