رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عيسى القدومي 3 يناير، 2023 0 تعليق

البشـــائر النبـــوية للأعمــال الخيرية (5) البشرى الخامسة: إحياء سنة الصدقة

 

عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المُزني: حدثني أبي عن جدي: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من أحيا سنة من سنتي فعمل بها الناس، كان له مثل أجر من عمل بها، لا ينقص من أجورهم شيئاً، ومن ابتدع بدعة فعمل بها، كان عليه أوزار من عمل بها، لا ينقص من أوزار من عمل بها شيئا».

     الحديث بوب له الإمام ابن ماجه -رحمه الله- باباً سماه: باب: (من أحيا سنة قد أميتت)، قال السندي في «شرح سنن ابن ماجه»: «قيل: المراد بالسنة ما وضعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الأحكام، وهي قد تكون فرضاً؛ كزكاة الفطر، وغير فرض؛ كصلاة العيد، وصلاة الجماعة، وقراءة القرآن من غير الصلاة، وتحصيل العلم، ونحو ذلك، وإحياؤها: أن يعمل بها، ويحرض الناس ويحثهم على إقامتها».

     في الحديث: بيان أن ما كان أصلاً في عمل من أعمال البر والخير والهدى، وتبعه عليه غيره، كان له أجر هذا العمل وثوابه، وإحياء سنة الوقف الذي أرشد النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - صحابته إليه.

الصدقة سنة ثابتة

      والصدقة سنة ثابتة، أوصى بها النبي - صلى الله عليه وسلم - صحابته -رضي الله عنهم-، وسار على إيجادها وإحيائها السلف الصالح -رضي الله عنهم- الذين امتثلوا أمر النبي - صلى الله عليه وسلم .

نشر ثقافة الصدقة

     ونشر ثقافة الصدقة دعوة إلى الهدى، قال - صلى الله عليه وسلم -: «من دعَا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه؛ لا يَنقص ذلك مِن أجورهم شيئا»، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «من دلّ على خير فله مثل أجر فاعله»، قال النووي -رحمه الله في شرحه للحديث-: «فيه: فضيلة الدلالة على الخير، والتنبيه عليه، والمساعدة لفاعله.

والمراد بمثل أجر فاعله: أن له ثواباً بذلك الفعل، كما أن لفاعله ثواباً، ولا يلزم أن يكون قدر ثوابهما سواء».

من سن في الإسلام سنة حسنة

     وثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حث يومًا على الصدقة؛ فجاء رجلٌ من الأنصار بصرة قد أثقلت يده فوضعها بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: «من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها، وأجر من عمل بها بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيء. ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء».

     يقول الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: «هذه السنة سنة العمل والتنفيذ، وليست سنة التشريع، فإن سنة التشريع إلى الله ورسوله فقط، ولا يحل لأحدٍ أن يشرع في دين الله ما ليس منه، أو يسن في دين الله ما ليس منه؛ لأن ذلك بدعة، وقد حذر النبي - صلى الله عليه وسلم - من البدع، وقال: «كل بدعةٍ ضلالة».

     لكن من سبق إلى عمل لم يسبقه إليه أحد أو أحيا سنةً أميتت، كان قد سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، وكذلك -أيضاً- من سن سنةً تكون وسيلة إلى أمرٍ مشروع ولم يكن سبقه إليها أحد، فإنه يكون داخلا في الحديث؛ أنه سنّ سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، كما لو ابتكر طريقةً يسهل بها الحصول على الآيات أو يسهل بها الحصول على الأحاديث أو ما أشبه ذلك؛ فإنه في هذه الحال يكون قد سن سنةً حسنة فيكون له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة».

إخلاص النية لله

     فالجوانب الخيرية والتطوعية -إن فعلت لوجه الله سبحانه وتعالى- فهي عبادة، وإن أخلصت النية فتكون كل حركة وكل كلمة وكل جهد وكل تفكير وكل سلوك -في دائرة ذلك المقصد-: تجارة مع الله -سبحانه وتعالى.

     والخطوة الأولى لإحياء سنة الصدقة هي: نشر ثقافتها، ودفع عامة الناس للمساهمة في مشاريعها، وتوجيه المختصين لتقديم مساهماتهم الفكرية والعلمية والعملية في إيجاد أوقاف عصرية تواكب التغيرات والمتطلبات في المجتمعات العربية والإسلامية والعالمية.

إحياء سنة الصدقة والوقف

     ونحن بحاجة إلى إحياء سنة الصدقة والوقف من خلال التعريف بدوره التنموي وبتاريخه وفقهه ومنجزاته؛ التي شهدتها الحضارة الإسلامية حتى تاريخها القريب، ولا يتأتى ذلك إلا بتجديد الخطاب المستند على أصول في نهجنا لإحياء سنة الوقف ونشر ثقافته ألخصها في الآتي:

1- الآيات الكريمة في كتاب الله -سبحانه وتعالى- التي تحث على الصدقة عموما؛ ويدخل ضمنها الوقف.

2- الأحاديث النبوية في فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - في وقف الأوقاف، وحث المسلمين على الوقف والصدقة الجارية.

3- فعل الصحابة وأوقافهم الكثيرة، وتوثيقهم للوقف، وإشهادهم عليه، وحرصهم على رعايته ونظارته في حياتهم، وتحديد من يتولاه من بعدهم، والمجالات التي أوقفوا فيها.

4- كتب الفقه التي خصصت لأحكام الوقف ومشروعيته باباً مستقلا، وأخرجت له العديد من المسائل.

5- أقوال المتقدمين في الوقف من فقه وأحكام وخصائص وسمات ومجالات، وأكثره نفعاً.

6- دور الوقف في بناء الحضارة الإسلامية في العهود، وحماية المسلمين مع انتقاء بعض العبارات المناسبة.

7- روائع أوقاف المسلمين ونوادرها، وكيف خلدها ومجدها التاريخ.

8- مقومات نجاح المؤسسات الوقفية التي تملكها الأمة حصراً عن غيرها من الأمم.

9- إيضاح دور الغرب في رعاية الوقف وأصوله، وسن التشريعات لحمايته، وكيف أنه استفاد كثيراً من نظام الوقف في الإسلام.

10- حاجة المجتمعات المعاصرة لأوقاف جديدة (عصرية) تفي بحاجات المجتمع، وتنشئ مجالات جديدة للوقف والرعاية.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك