رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عيسى القدومي 14 مارس، 2023 0 تعليق

البشـــائر النبـــوية للأعمــال الخيرية (10) بذل المعروف يقي مصارع السوء

 

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «الْمَعْرُوفُ إِلَى النَّاسِ يَقِي صَاحِبَهَا مَصَارِعَ السُّوءِ، وَالآفَاتِ، وَالْهَلَكَاتِ، وَأَهْلُ الْمَعْرُوفِ فِي الدُّنْيَا هُمْ أَهْلُ الْمَعْرُوفِ فِي الآخِرَةِ». أخرجه الحاكم في المستدرك(392)، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 3795.

     أمر الإسلام بالتعاون والبر والتقوى بين الناس، وحث على عمل ما أمر الله -تعالى-، وشدد على الانتهاء عما نهى الله عنه، وفي هذا الحديث يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «صنائع المعروف»، وهي ما اصطنعته من خير وأسديته لغيرك، «تقي مصارع السوء»، أي: يجازيهم الله -تعالى- على معروفهم، فينجيهم من السقوط في الهلكات، ومواطن الزلل، والأنبياء هم أسرع الناس إلى طاعة الله؛ فهم الذين قضوا حياتهم في دعوة الناس وهدايتهم إلى خيرهم؛ إذ حياتهم كلها بذل وتضحية ومعروف.

السلف أسرع الناس في المعروف

     وكان السلف -رحمهم الله- أسرع الناس في صناعة المعروف وبذله: ومن ذلك ما ذكر من إنفاق الصديق وعثمان والزبير وأمهات المؤمنين وعبدالرحمن بن عوف، وصنيع أبي بكر الصديق حين ولي الخلافة، فكان في كل يوم يأتي بيتاً في عوالي المدينة تسكنه عجوز عمياء، فينضج لها طعامها، ويكنس لها بيتها، وهي لا تعلم من هو، فكان يستبق وعمر بن الـخطاب إلى خدمتها، ولما ولي عمر الخلافة خرج يتحسس أخبار المسلمين.

أجر عظيم وثواب كبير

     فلا يخفى ما لصانع المعروف من أجر عظيم، وثواب كبير، يمنحه العلي الكبير جزاء لما صنع، ومقابل ما عمل وأبدع؛ لأن المعروف لا يفعله إلا من وفقه الله -تعالى-، والمعروف كل خير يعمله المسلم، حتى الكلمة الطيبة، والابتسامة في وجه أخيك، وما يقدمه المرء من مساعدة لقضاء حوائج الناس، فيساعد المريض، ويقضي حاجة الأرملة، ويمسح رأس اليتيم، وينشر الخير، فيعلم الجاهل، وينصح العاصي، ويأخذ على يد الظالم. وثمرات صنائع المعروف، صرف البلاء وسوء القضاء في الدنيا، ودخول الجنة، فإن أهل المعروف أول أهل الجنة دخولا، ومغفرة الذنوب والنجاة من عذاب الآخرة، «والصدقة خفيا» في السر دون العلن، وهي أفضل من صدقة العلن؛ وذلك لسلامتها من الرياء والسمعة؛ فهي «تطفئ غضب الرب»؛ لأنها تكون سببا لذلك، فيحتمل ممن أغضب ربه بمعصية أن يتدارك ذلك بصدقة السر؛ لأن الحسنات يذهبن السيئات؛ فإن المرء قد يستحق بالذنوب قضاء من العقوبة، فإذا هو تصدق دفع عن نفسه ما قد استحق من ذلك، وإطلاق لفظ (الصدقة) يشمل الفرض من الزكاة، والمستحب من مطلق الصدقات.

     قال - صلى الله عليه وسلم -: «وصلة الرحم زيادة في العمر» وصل الأقارب الفقراء، ذكورا وإناثا بالمال والنفقة، أما الأغنياء منهم فصلتهم تكون بالهدايا، والتزاور، وبشاشة الوجه، والنصح للجميع، ومعنى زيادة العمر، هو الزيادة بالبركة فيه، والتوفيق للطاعات، وعمارة أوقاته بما ينفعه في الآخرة، وصيانته عن الضياع في غير ذلك.

كل معروف صدقة

     «وكل معروف صدقة»، والمعروف هو ما تقبله الأنفس، ولا تجد منه نكيرا من كل عمل صالح، فهو صدقة على فاعله وله أجره، ولكنه ليس من صدقة الأموال، ولكنه من صدقة الأفعال الصالحة، وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة»، وهذا تنويه عظيم بفضل المعروف وأهله، فأهل المعروف، وأهل الإحسان في الدنيا هم أهل الجزاء الحسن الذي يعرف لهم عند الله -تعالى-، وأهل المنكر في الدنيا هم أهل المنكر في الآخرة»، والمعنى أن أصحاب الأعمال المنكرة في الدنيا، وأهل التكذيب بالله ورسله في الدنيا يكونون هم أهل العذاب المنكر والوبال في الآخرة، فصنائع المعروف إلى الناس: أي الإحسان إليهم بأنواع الإحسان، وهذا تنويه عظيم بفضل المعروف وأهله، أي من بذل معروفه للناس في الدنيا آتاه الله جزاء معروفه في الآخرة.

شروط المعروف

للمعروف شروط لا يتم إلا بها ولا يكمل إلا معها فمنها:

- ستره عن إذاعته وإخفاؤه عن إشاعته.

- تصغيره عن أن تراه مستكَبراً، وتقليله عن أن يكون عنده مستكثَرا.

- مجانبة الامتنان به وترك الإعجاب بفعله.

- لا يحتقر منه شيئاً وإن كان قليلا.

     قال بعض الحكماء: إذا اصطنعت المعروف فاستره، وإذا صنع إليك فانشره، وقال العباس بن عبد المطلب - رضي الله عنه -: لا يتم المعروف إلا بثلاث خصال: تعجيله وتصغيره وستره، فإذا عجلته هنأته، وإذا صغرته عظمته، وإذا سترته أتممته، وقال بعض البلغاء: مَنْ مَنَّ بمعروفه أسقط شكره، ومن أعجب بعمله أحبط أجره.

     قال أبو الفرج النهرواني - والحديث فيه فضل صنع المعروف الذي يحبه الله لعباد الله، وأن بذل المعروف ابتغاء وجه الله لا يضيع عند الله، وإن كان العبد قد تكرم على العبد بكرم فعله؛ فالله هو الكريم -سبحانه-، وهو أكرم من جميع عباده؛ فيجازي الكريم على صنعه معروفه بأكرم مما صنع.

التنبيه على فضل اصطناع المعروف

     وفي هذا الخبر من التنبيه على فضل اصطناع المعروف، وصدقة السر التي يراد الله -عز وجل- بها، ويطمئن المتصدق لثوابها ما يبعث كل ذي لب نصح لنفسه وأراد السعادة لها، والنجاة من هول عظيم المكروه بها، على الرغبة فيه والمسابقة إليه، فأعظم بالنعمة على من دفعه الله -عز وجل- لطاعته، ووقاه شح نفسه { وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (الحشر: 9): الجليس الصالح الكافي و الأنيس الناصح الشافي، لأبي الفرج النهرواني (ص/ ٤٣-٥٣).

     فالمعروفُ خُلُقٌ وسجيةٌ وبذلٌ، لا يقتصرُ على صدقة المال؛ وأبوابه واسعة متفرعة متنوعة، فقد يكون بابتسامةٍ أو توجيهٍ أو مشورةٍ، وقد يكون بتطوعٍ أو مشاركةٍ أو إنجازِ مهمةٍ، وقد يكون فكرةً أو تسويقاً أو دلالةً على الخير، فالبابُ واسع، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

 

من فوائد الحديث

1- الحث على عمل المعروف مطلقا، وتجنب المنكر.

2- وفيه فضل صنع المعروف وعمل البر في وقاية صاحبه من الآفات والهلكات المستقبلية، ومصارع السوء.

3- الإحسانُ إلى الناس حِرزٌ من الأمور المُهلكة والحوادث المؤلمة والآفات الطارئة.

4- الخدمات الإنسانية والمجتمعية في المؤسسات الخيرية من أعظم أبواب المعروف.

5- بقَدْرِ بذل المعروف، تكون الوقاية والحماية للمجتمعات من الآفات والهَلكات.

6- صنائعُ المعروف من أقصر طرق دخول الجنة.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك