البشـــائر النبـــوية للأعمــال الخيرية (11)الدال على الخير كفاعله
عنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ - رضي الله عنه -، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: إِنِّي أُبْدِعَ بِي فَاحْمِلْنِي، فَقَالَ: مَا عِنْدِي، فَقَال: رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا أَدُلُّهُ عَلَى مَنْ يَحْمِلُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ». أخرجه مسلم (1895).
في الحديث بشارةٌ عظيمةٌ وفضلٌ كبيرٌ وأجرٌ جزيل، لكلِّ عاملٍ أو متطوعٍ في مؤسسةٍ خيرية؛ لما يقومون به من حث المنفقينَ على فعلِ الخير، ثم إيصال تلك الحاجاتِ لأهلها ومستحقيها؛ فأخلصوا النية وأحسنوا الطوية.
وهذا الحديث أصل وقاعدة وأساس، ينطلق منه كل رواد العمل الخيري والمهتمين والمختصين، أفراداً ومؤسسات، لجاناً وجمعيات. ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتى بهذه الكلمة العامة التي تدل على أن كل من دل على خير فله مثل أجر فاعله.
والحديث فِيهِ فَضِيلَةُ الدَّلَالَةِ عَلَى الْخَيْرِ وَالتَّنْبِيهِ عَلَيْهِ وَالْمُسَاعَدَةِ لِفَاعِلِهِ، وفيه فضيلة تعليم العلم ووظائف العبادات ولاسيما لِمَنْ يَعْمَلُ بِهَا مِنَ الْمُتَعَبِّدِينَ وَغَيْرِهِمْ.
قوله: «مَنْ دلَّ على خير» يعني: مَنْ أَمَرَ أحدًا بإعطاء صدقة أو بناء مسجد أو مدرسة أو رباط وغير ذلك من الخيرات، أو وعظ أحدًا حتى يخافَ الله -تعالى-، ويرجع من المعاصي إلى الصلاح فله مِثلُ أجر مَنْ فعل خيرًا بقوله، وهذا نظير قوله -عليه السلام-: «من سن سنة حسنة...» إلى آخر الحديث.
وَاسْتَنْبَطَ (ابْنُ حِبَّانَ) فِي صَحِيحِهِ مِنْ قَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم - «مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ» أَنَّ الْمُؤَذِّنَ يَكُونُ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ صَلَّى بِأَذَانِهِ.
فكيف بمن ساهم في أبواب الخير الكثيرة المتعددة في أيامنا من: إطعام جائع، وكسوة عار، وكفالة يتيم، وقضاء الدين، وإيواء مهجر ومشرد، وتنفيس كرب، وتفريج همّ، وإدخال سرور على قلب مسلم، وكفالة طالب، وترميم منزل، وحفر بئر، وطباعة مصحف، وبناء مسجد، وغيرها من طرائق النفع غير المحدودة.
وعلى هذا؛ فالمدار على صحة نية الدال على الخير، فعلى قدر صدقه وإخلاصه يعظم أجره.
يقول الصنعاني: وَالدَّلَالَةُ تَكُونُ بِالْإِشَارَةِ عَلَى الْغَيْرِ بِفِعْلِ الْخَيْرِ، وَعَلَى إرْشَادِ مُلْتَمِسِ الْخَيْرِ عَلَى أَنَّهُ يَطْلُبُهُ مِنْ فُلَانٍ، وَالْوَعْظِ وَالتَّذْكِيرِ وَتَأْلِيفِ الْعُلُومِ النَّافِعَةِ، وَلَفْظُ خَيْرٍ يَشْمَلُ الدَّلَالَةَ عَلَى خَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ فَلِلَّهِ دَرُّ الْكَلَامِ النَّبَوِيِّ مَا أَشْمَلَ مَعَانِيَهُ وَأَوْضَحَ مَبَانِيَهُ وَدَلَالَتَهُ عَلَى خَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ!.
وقال أبو عثمان عبدُ الله بنُ عثمان شَيْخُ الْبُخَارِيِّ: مَا سَأَلَنِي أَحَدٌ حَاجَةً إلَّا قُمْت لَهُ بِنَفْسِي، فَإِنْ تَمَّ وَإِلَّا قُمْت لَهُ بِمَالِي، فَإِنْ تَمَّ وَإِلَّا اسْتَعَنَّا لَهُ بِالْإِخْوَانِ، فَإِنْ تَمَّ وَإِلَّا اسْتَعَنْت لَهُ بِالسُّلْطَانِ.
وكلما ازداد عدد المنتفعين بفعل الخير وبعلم العالم أو ناشر العلم ازداد أجره بإذن الله -جل وعلا-، مع الأخذ في الاعتبار أن الناس يتفاضلون في أجرهم كذلك على حسب إخلاصهم وصدقهم، وهذا لا يعلمه إلا الله -سبحانه وتعالى.
من فوائد الحديث في العمل الخيري:
1- العمل في المؤسسات الخيرية فرصة ثمينة ونهر جارٍ من الحسنات والأجور العظيمة.
2- الحديث أصل مهم ينطلق منه العمل الخيري من مؤسسات ومبرات وأفراد، ففي عملهم أجرٌ عظيم.
3- إذا لم تتمكن من عمل الخير وتحقيق رغبة السائل فلا أقل من الدلالة عليه بإشارة أو كتابة أو توجيه، أو يدله على من يمكنه أن يحقق رغبته.
4- وفيه: الأعمالُ المتعديةُ أفضلُ من الأعمالِ القاصرة لعموم النفعِ واستمرار الأجر.
5- الوسائل لها أحكام المقاصد.
لاتوجد تعليقات